من كتاب تاريخ الكنيسة الشرقية من انتشار المسيحية
وحتى مجيء الاسلام للاب البير ابونا السبايا :
بقلم / نادر زاحولــــــي :
وإذا اتسم عهد شابور الأول بالتسامح تجاه المسيحيين ، فهو قد ساهم من حيث لا يدري
في انتشار المسيحية في المنطقة الفارسية بواسطة السبايا الذين أتى بهم من المنطقة الرومانية
في حروبه الكثيرة وغزواته الموفقة .
فقد غزا منطقة إنطاكية مرتين وجلا العديد من سكانها إلى البلاد البابلية ( العراق الجنوبي )
وإلى سائر المناطق الفارسية. وكان بين السبايا " ديمتريانس " مطران ( بطريرك )
إنطاكية نفسه الذي نفي إلى " كونديشابور" - أي بيث لافاط في منطقة الأهواز -
سنة 257 . وكان شابور قد أسس هذه المدينة حديًثا وسماها باسمه .
وكان معظم هؤلاء السبايا من المسيحيين الذين أخذوا ينشرون ديانتهم حيثما حلوا وينظمون شؤونهم الكنسية
ويتغلغلون في شتى المجالات الاجتماعية أجل ، لقد أسهم السبايا الرومان إسهامًا واسعًا في
نشر الديانة المسيحية في المناطق الشرقية . فإن هؤلاء المسيحيين
الرومان أو " اليونان " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1 ) لا سيما الجزء الأول من التاريخ السعردي ص .12 ـ 1
عن ديانتهم رغم الشدائد الكثيرة التي ألمت بهم في أرض الغربة .
وهذا ما يرن صداه في صلواتنا الطقسية حيث نخاطب الشهداء ونقول :
" إنكم انتقلتم من بلاد إلى أخرى ، ولكنكم لم تتخلوا عن ربكم " . والأسماء التي وردت
في سير الشهداء من منطقة بابل أو منطقة قردوتشير إلى أصلهم الروماني .
وقد آعتلى بعض منهم مناصب مرموقة في البلاط الفارسي ، أمثال " قنديرة "
الرومانية زوجة بهرام الثاني التي سيدور الحديث عنها .
ويقول التاريخ السعردي( 1 ) أنه بفضل هؤلاء السبايا ازداد عدد المسيحيين في
المملكة الفارسية وكثرت فيها الأديرة والكنائس .
ومن الجديربالذكر أن نزوح جماعات رومانية إلى الشرق يرقى إلى عهد أسبق .
فمنذ 138 ، في عهد ادريانس الروماني وارطبان الاشراقي ، أدى - سنة 117 آضطهاد
في المملكة الرومانية إلى مغادرة الأسقف " تقريطي " للمنطقة الرومانية ومجيئه إلى
كرخ بيث سلوخ ( 2 ) إلا أن معظم السبايا جليت إلى المشرق في عهد شابور الأول ،
خلال غزواته الثلاث الموفقة في المنطقة 260 . وقد وردت على لسان شابور هذه - الرومانية ،
سنة 259 ، 256 ، 244
العبارة المحفوظة في " نقشي روسطم " : " إننا استولينا على كل الناس وأتينا بهم
سبايا وأسكناهم في مملكتنا إيران وفارس وفرثية وهوزستان واثورستان
( منطقة بابل ) وفي جميع البلدان الأخرى حيث توجد ممتلكات أبينا وأجدادنا
الأقدمين … "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
1 ) طالع التاريخ السعردي 1 ص 12 ، 11
2 ) سير الشهداء والقديسين 2 ص 512 _ 513
أسكن شابور الأول هذه السبايا في المدن الفارسية القديمة أو مدن
جديدة شيدها تخليدًا لإسمه ولانتصاراته . ومن بين هذه المدن الحديثة مدينة
" كونديشابور" التي أقامها الملك بعد أن كانت جملة أنقاض ، وشيدها بمساعدة
الأسرى الرومان، ومن بينهم " ديمتريانس " ( بطريرك ) إنطاكية والإمبراطور
الروماني الأسير " فاليريانس " الذي ساهم أيضًا بمهندسيه في إقامة السد
المدعو إلى الآن باسمه " بندي قيصر" أي سد قيصر.
وفي تلك الفترة شيدت كنيستان في " إيران - شاهر" ، روارداشير التي
أصبحت بعدئذ مركزًا لمطرافوليط فارس ، كنيسة للبيزنطيين وأخرى لسكان
كرمان أي فارس . وكان الألوان يحتفلون بالليتورجية باللغة اليونانية بينما
يحتفل بها الآخرون بالسريانية . فهل كان البيزنطيون السابقين إلى هذه
المنطقة، أم أنهم ساهموا في تقوية المسيحية ودعم جهود إخوانهم الفرس
المسيحيين الموجودين هناك قبلهم ؟
ومن بين سبايا شابور، جاءت قوافل كبيرة من سنجار وبيث عربايي
وبيث زبدى وقردو وارزون وأرمينية ومن أمكنة أخرى مختلفة ( 2 ) وكثيرون
منهم سيذهبون ويسكنون في " كرخ ليدان " الحديثة العهد . وسيقومون بدور
فعال في مؤاساة المؤمنين أو دفن الشهداء خلال الاضطهاد الأربعيني . " فبعد
أن استشهد شمعون برصباعي أخذ جسده أناس من المسبيين الرومان
الساكنين في كرخ ليدان " ( 2 ) ، إذ أنه " كان في المدينة أساقفة ومؤمنون لم
يتعرضوا للاضطهاد لأن المدينة كانت قد أقيمت حديًثا وكان الملك يريد أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
1 ) راجع الباترولوجية السريانية 102 عمود 831 _832 )
2 ) سير الشهداء والقديسين 2 ص 206 )
يسود فيها السلام مع سكانها المسبيين الجدد " ( 1 ) . وحينما حل الدمار بكرخ
.( ليدان ، ذهب هؤلاء المسبيون وسكنوا شوش المجاورة " 2" .
* منتـــدى زاخــــــو *