كان "شاؤول" يخدم في الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وكانت مهمته قتل كل الذين يقفون أمام تحقيق الحلم الإسرائيلي في إقامة دولة إسرائيل العُظمى.
في أحد الأيام استيقظ باكراً جداً مع زملائه من الجنود ليمارس عمله كجندي، كان القصف المدفعي من هنا وهناك يُدوّي بأعلى صوته، فجأة وجد "شاؤول" نفسه أمام امرأة مُسِنّة تختبئ تحت شجرة وتحتضن طفلاً صغيراً بين ذراعيها، طفل ينزف بشدّة منتظراً الموت نتيجة القصف المدفعي
من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وقف "شاؤول" مُتفرِّساً في المرأة التي كانت ترتجف من الخوف، ماسكاً بيده سلاحه، مستعداً للقتال موجِّهاً كلامه لها: "لماذا تختبئين هنا؟".... ولأنَّه لم يسمع منها غير البكاء والأنين، قرّر بعض لحظات أن يُسرع بأخذ الصغير لأقرب مصّحة علاجية لإسعافه وإنقاذه من الموت المُحقَّق. وفيما هو يحمل الطفل مسرعاً في طريقه، كان زملاءه الجنود يصرخون بأعلى صوت قائلين له: "اتركه ... اتركه ... اتركه ليموت ... إنَّه من الأعداء". لكنّ شاؤول مضى في طريقه إلى أقرب مَصحّة لإسعاف أحد أبناء أعدائه، وتَرَكه هناك للعلاج.
وهو لم يكتفِ بهذا، لكنّه ما أن أنهى عمله في الدفاع عن بلاده في اليوم التالي، حتى أسرع للذهاب إلى المستشفى للاطمئنان على الصغير، فلمّا رأته الجدّة، ركضت إليه وارتمت عند قدميه مُقبِّلة يديه وهي تبكي فَرِحة، ونظرت نحو الأعلى إلى عيني الجندي قائلة: "لقد أنقذتَ حفيدي من الموت، لقد فقدتُ ابني وزوجته الأسبوع الماضي برصاص الجنود الإسرائيلين وهذا الطفل هو الذي بقيَ لي في هذه الدنيا لأعتني به - أنا أحبك- لقد دعوتُ إلى الله الليلة الماضية، ورجوتُه أن يساعدني كي أغفر للجيش الإسرائيلي ما فعله بابني وزوجته".
يَشعرُ الكثير من النّاس بأنّ ممارسة محبّة الأعداء أمرٌ مستحيل. بالطّبع هذا حقيقي، لكن لكي تبدأ بمحبة عدوِّك عليك أولاً أن تقبلَ حقيقة أهميّة الغفران للذينَ أساءوا إليكَ أو جرحوكَ. كما أنه عليك أن تُدرِك أنّ الغفران هو فِعلٌ عمليٌ يبدأه الشّخص الذي أُخطِىء في حقِّه، والضحيّة التي تعاني من جروح في الأعماق. إنّ محبّة أعدائنا وصيّة هامّة جدّاً إذا أردنا أن نظلّ متمتِّعين بحياتنا، بغضّ النّظر عن أنّها أُمنية نحلم بها لعالَم مثالي.
لقد تأمّلنا سابقاً في مقالة الإساءة والغفران بوصيّة السيّد المسيح "أحِبّوا أعداءكم". ربّما لا توجد وصيّة من وصايا الرّب يسوع أصعب من هذه الوصيّة، لكن لنا في شخص المسيح نفسِه مثالٌ لتطبيق ذلك، فالمسيح قَرَن أقواله بأفعاله، وقد تجلّى ذلك في ذُروة آلامه وعذاباته على الصّليب عندما طلب من الآب السماوي أن يغفر لصالِبيه كما هو مدوّن في إنجيل لوقا 23: 34. لقد أَحبَّهم المسيح وغفرَ لهم، وطبّقَ ما علَّمه لتلاميذه.
لكن كيف نُحبّ عدوّنا ومن يُسيء إلينا ويضطهِدنا؟ وكيف نغفر؟ لقد علّمَنا المسيح كيف نفعل ذلك في الصّلاة الربّانيّة (متّى 6: 9 - 15)، إذ علينا أن نطلب من الله قائلين: "واغفِر لنا ذنوبَنا كما نغفِر نحن أيضاً للمُذنِبين إلينا". لقد وضع الرّب يسوع المسيح مسألة طلبنا غُفران خطايانا في المستوى نفسه لغُفراننا لمن يسيء إلينا.