يسوع المسيح في اورشليم للمرة الثانية !!
بقلم يوحنا بيداويد .. ملبورن / استراليا
اسبوع الالام 2015
في لحظة خارج الزمن والواقع الخاضعين لقوانين العالم الأدنى ، مرة أخرى شاهدت يسوع المسيح ،
في يوم الخميس الفصح يسير في ازقة مدينة اورشليم القديمة مهموماً، مسرعاً بإتجاه " علية صهيون " ،
حيث كان آخر إجتماع له مع تلاميذه قبل صلبه في مثل هذه الأيام قبل الفين سنة .
وعلى الرغم من ان تعاليمه وصوره انتشرت في انحاء المعمورة أكثر من اي شخص اخر،
لكن كانت الناس تمر من جانبه دون أي اهتمام لعدم معرفتهم له .
اقتربتُ منه واديتُ التحية بكل احترام ووقار، سألته قائلا :
هل ظهورك هنا يعني قد حانت الساعة الأخيرة ؟
ام ان ما حصل للمسيحيين واليزيديين في الموصل وسوريا هي علامة مخاض لفجر جديد في المنطقة ؟
لم يرد على سؤالي بأي بشيء ، ولكن سمعته يردد بعض كلمات مبهمة ، غير مسموعة على شكل همسات ،
لم افهم منها سوى كلمة توما ، حينها حاولت اضع فرضيات واستبدلها واحدة بالأخرى الى حين اقتنعت
في الأخير، بان صرخات أطفال المهجرين من مدينة الموصل وسنجار على يد أبناء الشر الدواعش وصلت
الى اعالي مجده ، فنزل الى العالم الأدنى مرة أخرى ليسمع ويرى بنفسه عما حصل لهؤلاء المساكين .
تبعت خطواته، الى ان علمت فيما بعد ، كان على موعد مع رسله الثلاثة مار توما ومار ماري وماري ادي ،
مبشري الأمم الشرقية ، الذين داعاهم ليستمع إليهم ويستفسر منهم عن أبناء كنيسته واتباعه
في فروع الكنيسة الشرقية ، عن سبب هجرة أبنائها الى ما وراء البحار، عن سبب الاضطهادات
وإقامة المذابح والمجازر التي لاحقتهم ، التي تكاد تنهي وجودهم على هذه الارض بعدما كانت كنيستهم
تضاهي كنيسة روما من حيث عددها ، فهو يدرك كم مئات من الالاف منهم سقطوا شهداءً
وهم يحملون صليبه الى اخر رمق في حياتهم ، ويتذكر جيدا أيضا، البلاء الحسن الذي قاموا به هؤلاء القديسين
في نشر تعاليمه ونقل شعلة النور الى ابعد نقطة من الشرق الاقصى ، الى حدود منغوليا والصين .
يتذكر كم قاسوا منذ زمن شابور الثاني والفتوحات الإسلامية والمغول في زمن تيمور الاعرج
والصفوي وسلاطين بني عثمان ونادر شاه ومير كور، وبدرخان بك ، والسلطان الأحمر ( عبد الحميد الثاني )
والجلادين الثلاثة طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا ، مجرمي الحرب العالمية الأولى الذين خططوا
واقاموا أكبر مذابح في تاريخ المنطقة ، حيث أشرفوا على قتل مليوني نسمة من القوميات المسيحية ،
المؤمنين بتعاليمه المبنية على محبة الاخر والحوار معه ، المبدأن اللذان ترتكز عليهما الحضارة الإنسانية
في الوقت الحاضر، الى اخر هذا الزمان الرديء ، زمن البغدادي ورجاله المصابون بأمراض الهلوسة الدينية
والامراض العقلية ، الذي دنسوا المقدسات المسيحية ، كسروا الصلبان وحطموا الايقونات واحرقوا المخطوطات
والكتب المقدسة والوثائق ، وقتلوا الناس ، تصور منعوا الأمهات من حمل حليب أطفالهم الرضع معهم
في الطريق، بعدما ان طردوهم من بيوتهم وديارهم وممتلكاتهم .
في علية صهيون ، حيث اجتمع حول المعلم مرة أخرى التلاميذ الاثني العشر بحضور عدد كبير من الشهداء
والقديسين والمبشرين ، بدأتُ استمع الى الحديث الذي جرى بين المعلم الأعظم في تاريخ الانسانية
في التسامح ورسوله الثلاثة، مبشري الأمم الشرقية ( توما وماري وادي ) .
في البداية سال يسوع المسيح الرسول توما :
" توما قل لي ما الذي جرى ويجري في البلدان الشرقية وعلى أبناء كنائسكم ؟
" اجاب توما : " يا معلمنا الأعظم ، كما تعلم في بلاد وادي الرافدين حيث ظهرت الومضات الاولى
لنور المعرفة والقيم والعدالة الإنسانية ، وفيها نبتت أولى بذرات الفكر عن وجود الاله الواحد ،
خالق كل الموجودات وعن معرفة الخير والشر، لكن بعد ان انتشرت تعاليمكم بين الناس سارعتْ
الى قبولها مثلما يسرع العطشان الى الماء ويتلهف الاعمى الى النور، فقبلوا تعاليمكم ، وقرر الناس تغير
حياتهم من عبودية الغرائز الجسدية – الحيوانية والانتقال الى حياة النعمة وممارسة الفضائل والمفاهيم
والأفكار السامية ، التي توحد فكر الانسان في طريق واحد ، وتؤمن وتمجد الإله الواحد ، الذي يزرع المحبة بينهم ،
فيتوحدون في حياتهم الأرضية فتقل المشاكل والنزاعات بينهم .
ذلك الاله الذي لا يتعارض مع نفسه او جوهره الذاتي ولا في اعماله .
" التفت السيد المسيح الى مار ماري وسأله :
" انت بشرتَ في مملكة اورهاي ( الرها ) وعمذت ملكهم ابجر اوكاما الخامس الذي كانت تمتد مملكته
الى من طور عبدين وماردين حتى حدود مدينة زاخو ( زاخوتا ) ،
وفيها كانت اولى الجامعات اللاهوتية في العالم ( 1 ) .
ما الذي يجري في هذه الأيام في ( كوباني ) و ( الخابور ) من معارك طاحنة ؟ أجاب القديس ماري :
" يا مخلصي ، هؤلاء الناس كانوا بسطاء ، يحبون الخير والاعمال الصالحة ، لهذا حينما ناديناهم
باسمك تبعونا ونحن قدناهم الى معرفة اسرار الحياة والخلاص التي اوصيتها ، فتعمذوا بدون عدد
او حساب ، وبقوا قرون طويلة أمناء لنعمتك ، لكن اللصوص نشروا بذور الزوان بينهم ،
فنشب صراع وكراهية مقيته ضد ابنائك من بني الجهل ، شرعوا بقتل أبناء كنيستك منذ زمن بعيد ،
فلم يبقى حجر او شبر من أراضي ما بين النهرين العليا لم تستقي من دماء شهدائك على يد أبناء
هؤلاء اللصوص ، في ( كوباني ) هناك معركة بين الخير المتمثلة بالناس البسطاء الذين يحبون الحياة
وبين أبناء الشر الذي تركوا عوائلهم وابنائهم في صحاري الجزيرة العربية او جبال منغوليا .
او من وراء البحار البعيدة ، اما من سينتصر وتكون له الغلبة ؟ !! ذلك من شأن قداستك السماوية واسرارها ،
ولكن استنادا على ما علمتنا اياه ، لا اشك بأن الغلبة ستكون لهؤلاء البسطاء ، لان الحق معهم .
ثم نظر الى مار ماري الذي يُعد مؤسس الكنيسة الشرقية او كنيسة الشهداء ( 2 ) موجها سؤالا اخر له :
" لقد كانت هذه الكنيسة متجذرة في أعماق الارض ولم ترتض للاستسلام او الزوال ، لقد تقدمت
الى مذبح الشهادة مئات المواكب عبر تاريخها ، ولا زالت كلمات
واناشيد الطوباوي مار شمعون برصباعي على مسامعي .
ومن بعد استشهاده ظلت هذه الكنيسة بدون راعي لمدة أربعين سنة ، ولكن ايمان أبنائها كان اقوى
من عدوها شابور الثاني والهته ( 3 )
لماذا حل دهر المظالم بأبنائها ؟ من الذي فجر الكنائس وخطف الكهنة وقام بتعذيبهم وأقدم
على اغتصاب بناتهم ونسائهم ، واجبرهم على دفع الجزية او الهجرة او الموت ؟
أجاب مار ادي الرسول ، يا معلمي ، هذه الأرض أصبحت ملعونة من كثر الأرواح الشريرة التي انتشرت فيها ،
من جراء الأفكار المسمومة والامراض النفسية والهلوسة الدينية ، تصور يتم قتل الناس بسبب اسمائها فقط ؟ !! .
فالقتلة يكرهون الاحياء بسبب الأموات واسمائهم. والسياسيين هناك ، اسوء نماذج سياسيين ظهرت في تاريخ الإنسانية .
لقد عزمت جميع قوى الشر في العالم بتقديم الدعم والمشاركة في التخطيط لتمزيق النسيج الاجتماعي
لهذه الأرض التي كانت مباركة !! ، لقد سرق السياسيون قوت الفقراء من دون أي وخز الضمير بسم الله ،
فقوى الشر هي المنتصرة لحد الان !! " .
بعد هذا خيم السكوت المكان ، فساد صمت مخيف ، كأن ناموس وقوانين الطبيعة على وشك ان تتغير،
ثم قام المعلم من مكانه في وسط التلاميذ الجالسين ، ونظر الى اوجههم ، فتغيرت ملامحه
وامتلأ المكان من النور واحاطته هالة من ألوان الجميلة المختلفة .
لم تظهر في الوجود قبل هذه اللحظة ، ثم بدا يخاطبهم من " كلا الساعة الاخيرة لم تأتي بعد ،
هذه هي الأمم التي قلت ستقوم على بعضها ، انها بداية لمرحلة جديدة ، لا بد ان يعبر من عتبتها كل مخلوق ،
لكي تحصل الولادة الجديدة لكل انسان ، وسيَعي كل واحد من بعد ذلك ، ان وجوده ليس منفصلا
عن وجود الاخرين ، وان سلامة حياته ، وهمومه ومشاكله متدخلة مع ما يحصل لأخيه الانسان ،
فحرص الانسان على ذاته المفرط كما قلت لكم سابقا هي عملية انتحار بحد ذاتها .
من الان وصاعدا يجب ان يبدا اهتمام كل واحد منكم ، بحياة الاخرين قبل ان يهتم بذاته ،
لان وعي الانسان والمعرفة الإنسانية تطورت ودخلت طورا جديدا ، وان الفكر ينتقل مثل الحرارة
من شخص المفكر الى البيئة المحيطة به ، الى إحاسيس ومشاعر الاخرين ، فمشكلة كل فرد أصبحت
مشكلة كل المجتمع وبالعكس ، فلم يعد للصوص والاشرار مكان ليختفوا فيها بعد الان ،
لان الوعي والمعرفة تكشفهم بسهولة بعد زمن ليس ببعيد !! ، لا توجد فرصة تعيش مجموعة بشرية
بسلام وفي طرف اخر حروب ونار وموت وجوع !! ، فمصير الأمم لم يعد منفصلا مثل الزمن السابق ،
حينما تقضي مة على امة وتزيل كل اثارها من الوجود بدون عقوبة ، الان أصبحت الأمم متحدة
مع بعضها عن طريق ضميرها ووعيها ومعرفتها ، ستصبح جميع هذه الامم امة واحدة في المستقبل
وسيكون دستورها مبني من ( الفه الى يائه ) على المحبة التي قلتُ لكم عنها !! .
" ثم أردف قائلا :
" نعم بعد زمن ليس ببعيد ، ستصبح الإنسانية عائلة واحدة كما كان مقررا ، لكن لازالت هناك لحد الان ،
بعض الكتل من الإنسانية لا زالت تعيش في غيبوبتها ، منغلقة على ذاتها ، لم يصل وعيها
الى درجة لتفهم هذه الأمور، لا زالت منغمسة في غرائزها الحيوانية ، لا ترى الا ما يثير غرائزها ،
فتظن انه الشيء المفيد لها ، ولكن في كثير من الأحيان يجهلون انهم اختاروا ما يضر حياتهم ،
كمضرة السموم للأجسام الحية ، ان حصل وغلب عالم الشر، ستُعاد الدورة من البدء ، الى
ان تعبر كل المخلوقات عتبة المعرفة والوعي التي قلت لكم عنها قبل قليل " .
سأله بطرس عميد التلاميذ والشهداء :
" هل من جديد في الرسالة التي يجب ان تُنقل الى أبناء كنيستك بعد الان ؟ " .
فأجاب المعلم وكأنما يخاطبهم ، كما خاطبهم قبل الفين سنة ، في عيد الصعود ، فقال :
" أقول لكم جوهر رسالتكم لم يتغير، المحبة هي الوسيلة الوحيدة للخلاص ، ولا يوجد بديل عنها ،
الانقسام له أسباب عديدة ، لكن في النهاية معظم اسبابه ترجع الى النقص في الوعي والمعرفة او الخبرة ،
ولكن قسم آخر هو نتيجة عمل الأرواح الشريرة ايضا ، التي تدخل من خلال شهوة الغرائز بسبب سباتكم " !!.
مرة أخرى أقول لكم ، اذهبوا الى العالم بشروهم عمذوهم بمفاهيم المحبة والقيم الإنسانية السامية وبكل
ما اوصيتكم به مع إعادة النظر لأنفسكم ، لأفعالكم ، لأقوالكم ، صلواتكم ، طريقة صمكم ومواقفكم في الحياة اليومية .
فأنكم تتذكرون جيدا ، ان الرسل الأوائل ، لم ينجحوا في حملة رسالتهم قبل الفي سنة ما لم يكونوا أنفسهم
مؤمنين بها، مرة أخرى قبل ان تبشروا الاخرين بها يجب ان تؤمنون وتطبقونها في حياتكم اليومية ،
فالمبادئ التي علمتها لكم قبل الفي سنة لم تتغير، لكن العالم تغير .
يجب ان تغيروا أنفسكم أنتم ، كي تكون لكم الامكانية او القابلية لإيصال او نقل الحقيقة
او جوهر التعليم الصحيح ، يجب ان تغيروا طرق المخاطبة لأرواح الناس الغارقة في سباتهامن
جراء الانانية وحبها لذاتها ، من جراء سيطرة قوة الغرائز عليها ، يجب ان تكون لكم المعرفة والعلم
كيف تحرروا ارواح هؤلاء الضعفاء من قيود تلك القوى الشريرة عن طريق الفكر المنطقي
والاعمال الحسنة والمواقف الجريئة .
لكي يفهمكم الناس يجب ان تفهموهم ، ان لم تستطيعوا فهم واقعهم واحتياجاتهم ، لن تستطيعوا اقناعهم ،
بان كلمة ابي السماوي هي خبز الحياة للأجيال القادمة ، " ولك يا توما أقول :
" أخبر اهالي بابل ونينوى ان نواح اطفالهم هزت عرش السماء ، فلن يتركوا لقمة في ايدي الأشرار" ،
فجأة اختفى كل شيء امام انظاري ولم أجد نفسي الا وحيدا ، لا يوجد حولي أحد ،
سوى بعض الكراسي واثاث قديمة لم أرى مثلها ؟ ! .
خرجت من هناك وانا منذهلا أتسال نفسي عما رأيت وسمعت .
.................................
1 - جامعة نصيبين كانت قبلة الباحثين واللاهوت والمعرفة الإنسانية، كانوا لا يذهبون الى روما
حيث هي مركز الفكر الفلسفي وانما يأتون اليها ، لم تجف دماء الشهداء منذ قرون عديدة .
2 - مار ماري هو تلميذ مار ادي ، اوصاه ان يذهب الى مملكة حدياب في شمال وادي الرافدين
ومدينة بابل ( قطيسفون ) في الجنوب للتبشير بكلام خبز الحياة .
3 - شابور الثاني اقام هذه المذابح بوشاية من كهنة الديانة الزرادشتية .
شابور الثاني اقام هذه المذابح بوشاية من كهنة الديانة الزرادشتية .