پ
البقاء في سوريا تحت القصف كان بالنسبة للأب يوسف اختباراً للإيمان :
آسيا نيوز :
الخميس 17 ـ 12 ـ 2015
روما
قال الأب يوسف جهاد ، وهو راهب من دير مار موسى ، في اجتماع نظمه أصدقاء
دير مار موسى في روما بالتعاون مع مركز أستالي ومؤسسة المجوس ،
أنّ البقاء في سوريا رغم الحرب والقصف “ كان بالنسبة لي اختباراً للإيمان .
كنت أعرف ما يعنيه هذا نظرياً لكن لم يسبق لي أن شهدته شخصياً .
والآن أنا أعلم حقاً ما يعنيه أن تكون مؤمناً أم لا .
فأمام معاناة الناس والأصدقاء وتدمير المدن يبدأ الشك”.
ينتمي الأب يوسف إلى رهبانية تأسست عام 1991 على يد الأب باولو دالوليو،
وتضم الرهبانية الآن أربعة أديرة ، الدير الأول هو دير مار موسى الحبشي ويقع
على بعد 80 كم تقريباً من دمشق في الصحراء .
عاش الأب جهاد هناك حتى أيلول ، الدير هو موطن لثلاثة رهبان وأربع راهبات ،
دعوتهم تتمثل في الصلاة والعمل اليدوي وكرم الضيافة والوئام بين المسلمين والمسيحيين .
يتذكر الراهب السوري الكاثوليكي المراحل الأكثر مأساوية من لصراع السوري والتي تركت
أثراً عميقاً في قلبه ويقول : ” كانت مدينة النبك محاصرة عام 2013 .
وهي أقرب مدينة إلى دير مار موسى ، تبعد حوالي 17كم .
قضينا وأصدقاؤنا في المدينة 25 يوماً وكأنهم 25 سنة من السجن في الطابق السفلي .
لم تبنى مدننا لتحمل الحرب ، فليس لدينا ملاجئ حقيقية من الغارات الجوية .
بفضل العناية الإلهية ظل هاتف الدير يعمل ، فتمكنا
من سماع بعض الأخبار عن أصدقائنا في النبك ” .
“ عندما إنتهت الحرب ذهبنا إلى المدينة ورأينا الدمار،
خاصة الحي المسيحي ( الذي يقع على أرض مرتفعة ) .
فكرنا في أنه إذا لم نقم بإصلاح منازل أبناء رعيتنا فإنهم سيغادرون .
والشكر لله ، فبمساعدة ثلاث منظمات كاثوليكية أوروپية توصلنا إلى خطة وتلقينا رداً إيجابياً .
وفي غضون 4 - 5 أشهر أصلحنا 63 منزلاً في الحي المسيحي ،
إضافة إلى بعض المباني في الحي الإسلامي ” .
وقال الأب يوسف أنه ليس من السهل أن تبقى في سوريا بعد رؤية الدمار .
“ في ذلك الوقت كان الرهبان والرهبان يتناقشون حول البقاء في الدير أو لا ،
وما الذي كنا نفعله هناك ، وما إذا كانوا في طريقهم إلينا ليقتلوننا ،
وينهبوننا … لقد بقينا ، إخترنا البقاء لسبب بسيط :
قمنا بتأملنا اليومي ، ولا أستطيع القول أنّ الله قال لنا أن نبقى ، لكنه لم يقل لنا أنْ نرحل .
كان بقاؤنا بسبب تضامننا مع أصدقاءنا المسلمين والمسيحيين في النبك .
كان بإمكاننا أن نرى في عيونهم أنّ بقاءنا كان علامة على الأمل ،
ورسالة حقيقية للسلام والأخوة ، التي نادينا بها لمدة 20 عاماً ” .
كان اختبار الإيمان هو “ التحدي الأصعب الذي واجهناه ، أكثر من القنابل .
فكل إيماننا بإله يساعد شعبه انتهى باللاشئ ، بدا الأمر وكأن الله لا يستمع إلينا ،
لم نتمكن من فهم إرادته ، في عقلي كان هناك صوت وهمي يقول لي :
أنتم المسيحيون لا تصلحون لشئ ، لا يمكنكم إتّخاذ موقف حقيقي لتحصلوا على نتائج فورية .
إنكم تحتمون برب إخترعتموه ” .
“ ومع ذلك وفي كل يوم آخترنا أنْ نؤمن ، وأنْ نبقى على وعد المعمودية .
قلنا ‘ يا ربّ ، نحن نؤمن ، فقوي إيماننا ’ .
كانت العلامة الملموسة لوجود الله في حياتنا هو شعورنا المشترك بأننا لسنا بمفردنا ” .
“ في أوقات الشدة أستطيع فهم مشاعر أولئك الذين تخلوا عن كل شيء وغادروا ،
متجهين نحو البحر، ليواجهوا موتاً يكاد يكون محتّماً ، كنا نقول دائماً أن على المسيحيين البقاء
في الشرق الأوسط والتمسك بجذورهم ، هذا صحيح ، لكن في حالة كهذه أستطيع تفهُّم
أنّ الخوف يصل إلى مرحلة قد يقتلع الفرد من جذوره ” .
وتابع الراهب : ” لأولئك الذين بقوا في سوريا رسالة وهم يدركونها .
يجب أن يبقوا بإرادتهم الحرة لا لأنهم مجبرين ، فكثيرون مجبرون على البقاء بسبب الفقر
أو لأنهم لا يريدون المخاطرة بالسفر في البحر.
يجب أنْ يكون لمن بقي رسالة ، فالمعمودية رسالة ” .
إن رسالة رهبانية دير مار موسى هي الحوار والصداقة مع المسلمين .
ويقول الأب جهاد : ” نريد أن يكون لنا وجودنا في العالم الإسلامي .
لا نريد أن نقف إلى جانب المسلمين أو من يرأسهم .
نريد أنْ نكون إلى جانب المسلمين وأنْ نحبهم ، ونفهم ما يؤمنون به وما يفعلونه .
‘ آمضوا بين المسلمين ’ كما قال القديس فرانسيس ، عرّفوا بأنفسكم على أنكم مسيحيين ،
دون تبشير، لكن بانتظار الروح القدس ليتكلم ويُعِدّ الأرض ” .
عمل الدير في السنوات الأخيرة مع المركز اليسوعي للاجئين ومع كاريتاس في مساعدة
“ الجميع من مسلمين ومسيحيين في المنطقة المحيطة بدير مار اليان ،
حيث كان الأب جاك مراد هو الراهب الوحيد ”.
“ استقبلنا لمدة ثلاثة أشهر تقريباً عائلات مسلمة مع نساء وأطفال وكبار بالسن ،
لأنهم لم يملكوا شيئاً ، عندما وصلوا كانوا قد فقدوا الكثير من الأحباء ولم يكن بحوزتهم
سوى الملابس التي يرتدونها ، إستقبلناهم في الدير حيث اعتاد الأطفال اللعب والذهاب إلى المدرسة ” .
“ على الرغم من أن هذا ليس كافياً ، فقد كان عملاً جوهرياً وقد أتى بثماره ،
فالمسلمون والمسيحيون في المدينة يقولون :
‘ رهباننا وديرنا ’ عندما يتكلمون عن الدير والرهبانية ” .