أفهم الأعباء التي ينوء بها المجلس الوطني الأنتقالي، وأقدر صعوبة وضع القرار ووزنه، وتتبع تطبيقه، وصعوبة زرعه في عقول الناس.. وأشعر بالأمتنان لكل الذين تنادوا كي يقيموا هذا المجلس في ظروف قاهرة حتّمت عليهم الحيد عن طريق الديمقراطية
التي ننادي بها.. وأعرف مقدار الضغوط التي يتعرض لها هؤلاء الناس من الحكومات التي ساعدتنا ومن القبيلة التي حاربت معنا ومن الثلة التي دعمتنا.. كما أنني موقن بأن الثورات تحتاج إلى وقت كي تأخذ طريقها الموفق، فلا يمكن أن نطلب من نهر طغى على مجراه أن يسير في واديه في خط معلوم.. ولأنني أعرف ذلك فقد حاولت قدر ما أستطيع أن أنأى بنفسي عن نقد هذا المجلس المؤقر وطفقت أقرأ عن قرب قراراته وتصريحاته بروح رياضية تغذت على إعطاء العذر للآخرين، كما قد أعطيه لنفسي.
غير أنني ككاتب خرج من رحم هذا الشعب الصابر، وتربى على تنهدات عجائز الحي، ونما بحلم الأطفال في حق سوف يرجع، يجعلني لاأحجم عن الجهر ببعض التساؤلات التي – رغم محاولاتي لم أجد لها تفسيرا - راجيا أن أشفي غليلي بكلمات جميلة تمنحني بعض القوة كي أحاجج الذين يستعجلون النتائج.
السؤال الأول:
ما الذي يجعل المجلس يتراخى عن طلب الهاربين في مصر والنيجر والجزائر؟. ما الذي يمنعه من تكوين مجلس من المحامين وظيفتهم الأولى جلب هؤلاء الذي سرقوا مالنا، وقتلوا أطفالنا، وشنقوا رجالنا، واغتصبوا بناتنا، ولا زالوا يتنزهون في فنادق القاهرة الكبرى تحت حراسة مشددة من "البودي جاردز؟"
لقد رأيتهم بأم عيني ينيخون فوق الطنافس، ويزدردون المشويات، ويشربون الخمر، ويتضاحكون على الشراذم البائسة من الثوار الذي يطرقون كل باب كي يرجعوا إلى أرض الوطن.. إن أية دولة من دول الجوار لن تتطوع بإرجاع أي منهم إذا لم تقم بلادنا بطلبه، وتقديم قائمة بالجرائم المريعة التي إرتكبها.
أرجو أن لا يكون في الأمر سر.. وإذا كان هناك من سر فهل لنا أن نعرفه حتى نرتاح ونريح؟
السؤال الثاني:
لماذا سمحنا لرتل يتكون من 25 سيارة رباعية الدفع بقطع طريق طويل في الصحراء ونحن نعلم بأنه كان يحمل أقرب المخلصين للطاغية.. ولماذا نحصل على صور هذا الرتل من طائرات "الناتو" ثم نتركه يدخل إلى النيجر ونحن نعلم أن ملاذ القذافي الأخير سوف يكون في صحراء الجنوب؟.
هل الأمر بيدنا، أم بأيدي من ساعدنا؟. وإن كان بأيديهم فدعونا نقول للناس ذلك حتى يعرفوا ماذا يجري على أرضهم فقد سئمنا إعتبار الشعب طفلا عاجزا عن الفهم.
السؤال الثالث:
لماذا يصر المجلس على إعادة نفس الوجوه إلى الواجهة.. يحل المجلس التنفيذي ثم يعيد تعيينه بنفس الأشخاص، ثم يتكلم عن مؤسسات مرحلية ينصبون فيها أزلاما من الحكم السابق ويضعون مقادير أمورنا في يد من أتلفها.. بل ويقومون بتعيين أقرابائهم وأصدقائهم كما لو أن الرأي العام ليس موجودا.. كيف يمكننا أن نثق بهؤلاء الناس ونستنظر منهم ديمقراطية حقيقية وهم لم يستطيعوا حتى أن يرتفعوا عن أهوائهم ويحترموا قدرة الناس على كشف الحقائق؟.
مرة أخرى أسأل.. هل تفرض الأسماء من الخارج، أم هي مجرد روابط قبلية وعائلية وثللية؟.. أي الجوابين لا يقربنا من الديمقراطية والحرية التي حلمنا بها قيد أنملة.
السؤال الرابع:
لماذا يجعلنا هذا المجلس نحس بأنه يعيش في رومانسية ثورية مفادها أن كل الليبيين أخيار وأن التسامح هو مفتاح القضية؟.. نؤمن بالتسامح والعفو وبكل الصفات الحميدة التي نادى بها ديننا الحنيف، ولكن يجب أن نعطي المتضررين التأكيد الحقيقي بأن هؤلاء سوف ينالون جزاءهم لا محالة لا أن نعينهم في وظائف حيوية وندعي بأنهم أكفاء.
أنا أعتقد أن ليس هناك من كان في خدمة القذافي ويتمتع بالكفاءة التي ندّعيها، فليس هناك من "فلتة" ولا "عبقرية" ولا "دماغات" فالقذافي لم يكن ليتعامل مع أي من هذه الكوادر.. القذافي كان يؤمن بأن يكون كل من حوله من الفاسدين، إلا من رحم ربي. إنني أؤمن بأن الشعب الليبي يعج بالكفاءات والأدمغة من الذين تعلموا في أحسن الجامعات، ومن الذين بقوا في مقار عملهم داخل الوطن يسيرون الأعمال ويخططون لغد أفضل بينما "الدماغات" المفترضة تقدم فروض الولاء والطاعة لأسيادها وتصعد التل على جهود مرؤوسيها.
لن يخرجنا مما نحن فيه إلا أبناء الوطن الأوفياء الذي إكتووا بناره، وحلموا بجناته. لن نجد الطريق إن تبعنا من كان لا يستطيع أن يعيّن حتى الجهات الأربع بدون إذن العقيد.
السؤال الخامس:
لماذا لا يتّسم هذا المجلس بالحسم الثوري.. ألم يقم الشعب بثورة شعبية كان الدم فيها عنوان الحرية الحمراء.. ألا يعلم أن الثورات لا تعرف أنصاف الحلول وأنها لا تقف على منعطف الطرقات؟.. لن أستطرد فأطرد من خانة الخائفين على الثورة إلى المناوئين للمجلس، ولكني أقول أنه بأمكاني أن أسمي عدة حالات فشل المجلس المؤقر في حلها فنمت واستفحلت وصارت كابوسا يهدد البلاد بالثورة على الثورة.
وقبل أن أختم أهمس في أذن أحبائنا بأن حجب الحقائق، والتسلط على وسائل الأعلام هو وجه آخر من وجوه الديكتاتورية التي خرجنا كلها كي نسقطها فلا يظنن أحد أن إحتكاره للشاشة المرئية هو تصريح له بحكمنا.
أرجو أن لا يحاول أحدكم أن يفهم، في هذا الزمن الذي غاب فيه الفهم، أن ما كتبته هو تشخيص لحالة فردية، أو محاولة للنيل من شخص ما، أو هزّ إصبع نحو جماعة معينة.. إن ما كتبته وما أكتبه لا يصب إلا في درب واحد إسمه الأنحياز للمواطن الكاشا بونادم.
الرئيسية
أحدث الصور
التسجيل
دخول
موضوع: أسئلة من كاشا بونادم حائر 
الخميس أكتوبر 06, 2011 6:14 am
