بأية لغة كان يتحدث السيد المسيح، وبأية لغة كرز الرسل وسلموا الأخبار السارة؟ كان هناك فى فلسطين فى القرن الأول للميلاد ثلاث لغات رئيسيه هى: اللاتينية وكانت لغة أهل روما وبعض المقاطعات الرومانية الرسمية وان كان كثيرون من الرومان أنفسهم يتحدثون اليونانية، ولذا فقد كتب القديس بولس إلى روميه باليونانية، كما كتب القديس أكليمندس أسقف روما رسالته الأولي باليونانية. واللغة اليونانية العامية "الكوينية – Koine" وكانت منتشرة بدرجة كبيرة فى القرن الأول فى دول حوض البحر المتوسط، وكان كثيرون فى فلسطين يتحدثون اليونانية، فقد كان هناك مدن يونانية مثل قيصرية وديكابوليس وغيرهما وذلك إلى جانب التجار والمسافرين وبصفة خاصة اليهود الذين كانوا يأتون من دول كثيرة وبأعداد كبيره تزيد على المليون لقضاء الأعياد الدينية، خاصة عيد الفصح، فى أورشليم. وبسبب انتشار هذه اللغة بين يهود المشتات فقد ترجمت أسفار العهد القديم إلى اليونانية حوالى سنه 282 ق.م. ولذا فقد كان من الطبيعى أن نجد بين تلاميذ المسيح من تلاميذ المسيح من يتحدث اليونانية. ثم اللغة الآرامية التي كانت منتشرة في فلسطين وما بين النهرين، وكانت الآرامية الغربية هى اللغة الرئيسية ليهود فلسطين، وكان المسيح وتلاميذ يتحدثون هذه اللغة بلهجة أهل الجليل والتى كانت مميزه وقد عُرف بها بطرس فى أورشليم عندما أنكر المسيح "أنت أيضًا منهم فأن لغتك تظهرك" (79)، "هذا أيضًا كان معه لأنه جليلى أيضا" (80). وإلى جانب الآرامية واليونانية كانت هناك اللغة العبرية لغة أسفار العهد القديم والتى كان لابد أن تقرأ بها الأسفار فى الهيكل والمجامع أو فى أي مكان.
كان السيد المسيح يتحدث بالآرامية مع عامة الشعب ويقرأ العبرية فى الهيكل ويتحدث اليونانية مع الأجانب من أمثال بيلاطس وقائد المئة واليونانيين الذين أرادوا أن يروه وغيرهم، وكان فى إمكانه كالإله المتجسد أن يتحدث بأى لغة، وبرغم أنه أتخذ جسدًا وصورة العبد وصار إنسانًا إلا أنه، كإنسان، كان "يتقدم فى الحكمة والقامة عند الله والناس (81)"، وكإله، ابن الله الوحيد، فهو كلى القدرة والمعرفة والعلم.
وكان التلاميذ يتحدثون الآرامية وقد تعلموا أن يقرأوا الأسفار المقدسة بالعبرية وكان بعضهم يجيدون إلى جانب ذلك، اليونانية، خاصة بعد حلول الروح القدس فقد كتبت جميع أسفار العهد الجديد باللغة اليونانية كما كتبت كتب تلاميذ الرسل وخلفائهم باليونانية أيضا حتى دعوا بالأباء اليونانيين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وعندما حل الروح القدس على الرسل جعلهم "يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا (82)".
وعندما بدأ الرسل الكرازة فى أورشليم واليهودية كانوا يكرزون فى الهيكل والمجامع لسنوات طويلة بالآرامية ويستشهدون بآيات العهد القديم فى العبرية، كما كانوا يكرزون للمتحدثين باليونانية، مثل كرنيليوس القائد الرومانى وأهله، كانوا يستخدمون اليونانية، وتدل بعض أسماء الشمامسة السبعة على أن بعضهم كانوا يتحدثون اليونانية، ولما خرجت الكرازة خارج فلسطين وكرز الرسل فى قبرص واليونان وإيطاليا وبقية الدول التى تنتشر فيها اللغة اليونانية باليونانية وغالبا كان الرسل يبدأون الكرازة فى مجمع اليهود فى أيام السبت ثم يتحولون بعد ذلك إلى الأمم وهذا يعنى أنهم كانوا مضطرين لاستخدام اللغات الآرامية والعبرية واليونانية حسب الضرورة وحسب نوعية المستمعين سواء كانوا يهود أو يونانيين. أو يهود يتحدثون لغة فلسطين أو لغة البلاد التى يقيمون فيها.
ولذلك فقد نقلت الأخبار السارة، الإنجيل، وسُلم التقليد الرسولى، التسليم الرسولى بهذه اللغات الثلاث، خاصة اليونانية، الآرامية والعبرية أولًا، ثم اليونانية التى كانت منتشرة فى معظم البلاد التى بشروا فيها. وحافظ الروح القدس الساكن فيهم والذى كان يتحدث على لسانهم على كل حرف وكلمة فى التسليم الرسولى للأخبار السارة، فكان يقودهم ويذكرهم ويعلمهم ويرشدهم ويعصمهم من الخطأ والذلل.