القديس إيلاريون الكبير
وُلد القديس إيلاريون سنة 293 في قرية بالقرب من غزّة. أرسله والداه الوثنيان الى الإسكندرية ليُكمل علومه. هناك التقى المسيحيين واكتشف تعاليم الإنجيل وأَحبها. لما سمع بالقديس أنطونيوس الكبير، قصد الصحراء ليراه. ولما التقاه ورأى كيف يعيش، قرر أن يبقى بقربه مع بقية تلاميذه. لكن أنطونيوس قرر أن يبتعد عن الحشود الذين كانوا يقصدونه للتبرّك منه وبذا يمنعونه من الصلاة الدائمة، فتوجه الى الصحراء الداخلية بعد أن أرسل إيلاريون وبعض رفاقه ليُمارسوا النُسك قرب ميوما في غزّة. أخذ إيلاريون معلّمه أنطونيوس مثالا وابتدأ يُروّض جسده ويحارب تجارب الشيطان. كان يقضي يومه في الصلاة وترتيل المزامير والعمل الجسدي الشاقّ ولا يأكل الا قليلا بعد غروب الشمس. بقي سنوات على هذه الحال وكان يعرف الكتاب المقدس غيبًا ويتلو كل يوم مقاطع منه. استمر هكذا حتى تجاوز الستين من العمر وضعف جسده وشحّ بصره. كل هذه الأصوام والأسهـار والأتـعـاب والجـهـادات الخـارقـة أسـكـتـت فـي إيلاريون أهواء النفس والجسد، فنما في النعمة وانفتح قلبه على مُعاينة النور الإلهي. وقد منحه الله نعمة الشفاء لتعزية المؤمنين، وذاع صيته في كل فلسطين ومصر وسوريا، وتوافد الناس بكثرة اليه يطلبون صلواته وبركته والشفاء من أمراضهم. وبقي كثيرون معه رهبانًا يعيشون حياة النسك. صار إيلاريون في فلسطين بمنزلة معلّمه أنطونيوس في مصر. بقي على اتصال معه بالمراسلة وكان أنطونيوس يقول للمرضى الذين يقصدونه من فلسطين: لماذا تأتون من بعيد إليّ وعندكم ابني إيلاريون هناك؟
تكاثر الرهبان حوله كثيرا حتى بلغ عددهم نحو ألفي راهب وكلهم يعتبرون إيلاريون أبًا ومرشدًا. وكان إيلاريون يزور الرهبان الذين سكنوا الأديار مرةً كل سنة. لكن كل هذا كان يمنع إيلاريون من متابعة حياته، فقرر أن يبتعد، لكن الآلاف حاولوا أن يتبعوه، فرفض واختار أربعين تلميذا يمكنهم تحمّل مشقّات السفر طول النهار سيرا على الأقدام دون طعام. لما علم إيلاريون بوفاة القديس أنطونيوس، توجّه الى مصر ليزور كل الأمكنة التي عاش فيها أنطونيوس أبو الرهبان. بعد ذلك طلب إيلاريون الوحدة، لكن أينما ذهب، من الصحراء الى الاسكندرية، كان الناس يتبعونه وهو يصنع العجائب ويشفي المرضى.
خلال السنوات الثلاث لحكم الامبراطور يوليانوس الجاحد (360-363) الذي عاد الى الوثنية بعد أن كان مسيحيًا، تمّ تدمير دير إيلاريون قرب غزّة وتشتيت الرهبان، فقرر القديس أن يتوجه الى ليبيا ومنها الى جزيرة صقلية لأنه قال أن أحدا هناك لا يعرفه، لكن محبته للناس ألزمته بشفاء المرضى وطرد الشياطين هناك أيضًا، فصاروا يتوافدون اليه من كل صوب. ومن جديد غيّر مكانه الى دلماتيا (على شاطئ بحر الأدرياتيك، حاليا كرواتيا) حيث بشّر الوثنيين، ومنها الى قبرص. وحيثما حلّ كانت الجموع تُلاحقه، فالتجأ الى مغارة يتعذر الوصول اليها وأقام فيها خمس سنوات يزوره من وقت الى آخر تلميذه هيزيخيوس ويُزوّده بأخبار فلسطين. لما بلغ الثمانين، رقد هناك بسلام. بعد بعض الوقت، أخذ هيزيخيوس جسد القديس وعاد به الى الدير في ميوما ليكون بركة وتعزية للرهبان ولسائر المؤمنين. تعيّد له اليوم الكنيسة بأسرها شرقا وغربا.