أيها الأولاد، هل لدى أيٍّ منكم حيوانٌ أليفٌ في البيت؟ ربما قطّةٌ ناعمة ودافئة وجميلة وهي رفيقة كل العائلة. أو كلب يَقِظ ومفعم بالحياة ومطيع وعلى أُهبة الاستعداد لإرضائكم ومُخْلِصٌ للعائلة. أو حصان، رغم أنه ليس بحيوان أليف، إلا أنه هو أيضاً صديقٌ للإنسان يَجهَدُ لإرضاء سيّده، وهو مطيعٌ ويَكدُّ في عمله. بعضُ الحيوانات أليفة ونافعة للإنسان، والبعضُ الآخَرُ منها يمكن تدجينها إلى حدّ ما لتعمل، مثلاً، في السيرك. لكن، ماذا عن حيوانات أخرى؟ البعض منها يخاف الإنسانَ لأنه يصطادها ويقتلها من أجل الطعام، أو الرياضة، أو لأنها مؤذية. البعض الآخَر يخافها الإنسان كونَها قاتلةً ومفترسة، كالأُسود والنمور والدببة والذئاب الجائعة. هل رتَّبَ اللهُ الكونَ على هذا النحو؟ طبعاً، لا.
لقد أحضر اللهُ كلَّ الحيوانات إلى آدم ليُعطيَها أسماء. كل المخلوقات الحية كانت ترى صورةَ الله في وجه آدم، كانت تشعرُ بقداسته وتتنسَّمُ عبيرَ الطهارة. لقد أحنَوا رؤوسهم أمامه خاضعين له. ولكن، عندما عصى آدمُ وصايا الله، توقفت المخلوقات غير العاقلة عن طاعته. حينها، كان الإنسان قد أصبح مليئاً بالأهواء، وليس بعد كما خُلِق على مثال الله. رغم ذلك، تطهَّر بعضُ الرجال القديسين، عن طريق الصلاة غير المنقطعة نحو الله الذي أحبوه من كل قلوبهم، وأعادوا إصلاح الصورة الإلهية في داخلهم. تنسَّمت الحيواناتُ شذا تلك العفة والقداسة، فخضعت لهم بكل طاعة.
أتَذكرون قصة دانيال في جُبِّ الأسود؟ لماذا لم يفترسوه كما كان متَوَقَّعاً؟ هل سمعتم كيف أن الشهداء، عندما كانوا يُطرحون للوحوش في الحلبة، غالباً ما كانت الحيوانات تتودَّدُ إليهم وتلحس أرجلهم رافضةً أن تؤذيَهم بأي حال؟ أم هل سمعتم بالراهب في جبل آثوس الذي كان لديه أفعى سامّة في المَخبز يُطعمها من فتات الخبز كونها كانت مفيدةً للقضاء على الفئران والحشرات؟ كانت الأفعى تُخيف سائرَ الرهبان، إلا أن ذاك الراهب كان يسمح لها بالنوم، كل ليلة، تحت قدميه.
أيضاً، القديس سيرافيم الذي كان يعيش متوحّداً في الغابة، كان من عادته إطعام أحد الدببة من يده كلَّ يوم. الأسقف بطرس الجديد في الشهداء الذي قُذِفَ به عَمْداً خارج أحد القطارات ليلاً في خضم الثلج وسط شتاء قاس، كافح في الثلج ليجد لنفسه ملجأً يحميه، وفي النهاية وجد دُبّاً نائماً. وقد كان بين خيارين أولُّهما التجمّد حتى الموت أو احتمال أن يفترسه الدب. بعد أن صلّى، اقترب من الدب الذي أرسل شخرة، ثم قدّم حضنَه للأسقف ليستلقيَ ويستدفيء. في الصباح، استيقظ الدب وانطلق مبتعداً وهو يشخر.
أمّا ثيوفيلوس المبارَك، وهو راهب من كييف، فقد أدرك الناسُ أنه قديس، فكانوا يأتون إليه طلباً للبركة أو المشورة. أتى إليه أحد الفلاحين يشتكي بأنّ ثوره الذي اشتراه كان كثير الاهتياج حتى أن أحداً لم يكن يتمكن من الدنو منه. كان قد نطح عدة أشخاص، فكان لا بد من ذبحه. "لا"، أجاب المغبوط ثيوفيل، "ما عليك إلا أن تذهب وتقول له بأنه لم يعد ملكك بعد الآن؛ فقد صار ملكي". أطاع الفلاحُ وأعاد كلماتِ الشيخ على مسامع الثور الذي كان يضرب الأرض بحوافره مزمجراً. سرعان ما أصبح الثورُ وديعاً كالحمَل، فاقتادوه دون مقاومة إلى المغبوط ثيوفيل. ومنذ ذلك الحين، أصبح مُدَجَّناً. وكان يذهب بصاحبه حيثما يشاء هذا الأخير. كان الشيخ يجلس في الخلف داخل العربة الصغيرة وظهره للثور، وكان يقرأ المزامير بهدوء فيما الثورُ يذهب، بدون أي رباط أو لجام، حيث يشاء صاحبُه، ودون أي توجيه أو حّثٍّ أو جَلْدٍ أو صوت يأمره. لم يصبح الحيوان، فقط، سهلَ الانقياد، بل مطيعاً بالكلّية، وحساساً لأي رغبة من صاحبه.
وأخيراً، إليكم قصة القديس جراسيموس والأسد. من الممكن أنكم تعرفونها، إلا أنه من الحسن أن نسمعها ثانية. في أحد الأيام، عندما كان القديسُ جراسيموس ماشياً قرب ديره في الصحراء، سمع صوت زئيرِ أسدٍ، لكن لم يكن زئيرَ أسدٍ جائعٍ أو غاضب، بل بدا وكأنه يتألّم. بدلاً من الهرب خوفاً، اقترب منه القديس جراسيموس وهو يصلي في قلبه. كان الأسد يحاول، عَبَثاً، نزعَ شوكة كبيرة من كفّه، الذي كان يؤلمه بشدة. هدأ الأسد لمشاهدته القديسَ، وتركَه يزيلُ الشوكة. قفل القديسُ جراسيموس راجعاً إلى ديره والأسد يَعرُج وراءه. تخيّلوا دهشةَ سائر الرهبان وخوفَهم! وبما أن الأسد رفض الذهاب بعيداً، كان عليهم إطعامُه. فصار ذلك مصدرَ إزعاج كون الطعامُ قليلاً والأسدُ يأكل الكثير، لذا أمره القديسُ بالقيام ببعض المهام. كانت مهمته حراسة الحمار الذي كان يذهب كل يوم إلى نهر الأردن من أجل الماء. استمر ذلك لبعض الوقت. لكن، في أحد الأيام غفا الأسدُ، فتمكن بعض التُّجّار، الذين صدف مرورهم، من سرقة الحمار. عاد الأسد بمفرده وهو يُعَبّرُ بطريقته عن أسفه لفُقدان الحمار. فكان من الطبيعي أن يظن القديسُ جراسيموس بأن الأسد قد افترس الحمار، فوبّخه بقساوة على ذلك قائلاً: "من الآن فصاعداً، عليك أن تقوم بعمل الحمار. عليك أن تجلب الماء بنفسِك للرهبان". وهذا ما قام به الأسد بكل صبر. لكن، في أحد الأيام، حدث أن عاد التجّار سارقو الحمار إلى المنطقة نفسها بجانب النهر. عندما عرف الأسدُ صديقَه، اندفع نحوهم زارعاً في قلبهم الهلع بزئيره. وقام بالقبض على اللجام بأسنانه وعاد به إلى سيّده.
بعد ذلك توفي القديسُ جراسيموس، فدفَنَه الرهبان. لم يكن الأسد في الدير في ذلك الوقت، لكنه عندما عاد صار يطوف على القلالي مفتّشاً عن سيده المحبوب. فصار يزأر متفجّعاً إذ لم يجدْه. واستمر على تلك الحال إلى أن قاده الرهبان إلى المدفن حين كان سيِّدُهم قد ووريَ الثرى، وحاولوا أن يشرحوا للأسد ما حدث. زاد زئيرُ الأسد، ورفض أن يتركَ القبر أو أن يأكلَ، بل استلقى هناك بحزن عميق حتى مات. يا لَقداسة المغبوط جراسيموس المملوء من روح الله.
إذا كنتم تعرفون قصصاً رائعة للحيوانات فعليكم مشاركتها مع أصدقائكم.