القديس الياس ماكيفكا
تم إعلان قداسة الراهب الياس حامل الإسكيم الكبير (اسمه عند الولادة إيليا ياكوفلافيتش غانجا)، في ماكيفكا - أوكرانيا، في 22 أيلول 2012.
أمضى القديس الياس، الراهب الشّاب، وقتاً قصيراً في إسقيط النبي الياس، في جبل آثوس، ثم في دير مغاور كييف في أوكرانيا، حيث أجبره الشيوعيون على مغادرته.
بما أنه أصبح بدون دير، لم يعد للشيخ القديس مأوى. غالباً ما كان يشاهَد مشاركاً في القداس وهو يجلس على مقعد، إذ لم يكن له مكان يذهب إليه. كان يعيش في بيوت مختلف المسيحيين المؤمنين الأتقياءن الذين اعتبروا ذلك بركة عظيمة، أن يستضيفوا شخصاً اشتهر بموهبتي صنع العجائب والرؤية. لم يستطع الشيوعيون إلقاء القبض عليه، لأنه كان يعرف مسبقاً متى سيأتون إلى البيت الذي يقيم فيه (وهو ما حدث مع القديسة مطرونة من موسكو). كانت تصحبه، منذ ذلك الوقت وحتى نهاية حياته، أربعُ نساء، واحدة منهن مريضة والأخرى أرملة مع ابنتها.
من سنة 1937 وحتى 1946، عاش في ماكيفكا، خلال الحرب العالمية الثانية، لأنه سبق فتنبَّأ، بالضبط، بأن مدينة ماكيفكا لن تَشهد مذبحة من الألمان، وبأنه لن يعانيَ كثيراً هناك، رغم أن الألمان كانوا في الجوار. فعلاً، لم تَصل الحربُ إلى هناك، فلم يكن هناك قصف أو جوع أو خراب.
رغم أن الشيخ كان يتَّكىء على عصا، إلا أنه كان يمشي بسرعة، حتى أن اليافعين والأصحّاء لم يستطيعوا مجاراته.
كان بالغ اللطف والكياسة، فكان الناس يأتون باستمرار للتكلُّم معه، حتى من أمكنة بعيدة، ويغادرون متَعَزِّين رغم مرضهم. عندما أُغلِقت الكنائس من قِبَل الملحدين، كان يستضيف الكهنةَ من كييف وموسكو. من الصباح وحتى المساء، كان يُعَزّي الناسَ ويساعدهم من القليل الذي لديه.
كان القديس الياس رجل الصلاة الدائمة، فكان يقرأ الكتاب المقدس والمديح والمزامير يومياً. غالباً ما كان يُشاهَدُ جالساً على مقعد، خارج البيت الذي يقيم فيه، وهو يُنشد المزامير. كان يعلِّم المؤمنين كيف يُصَلّون ويَحثُّهم على الذَّهاب إلى الكنيسة، فيقول: "في أيام الأحاد والأعياد، لا تبقوا في البيت. اذهبوا إلى الكنيسة، وستكون كلُّ أمورِكم على ما يرام". حتى في أيامه الأخيرة، ورغم مرضه، كان يَحضَرُ الخِدَمَ الكنسيّة.
في بعض الأحيان، كانت تأتي توجيهاتُه قاسيةً وشاجبة، كما يحدث عندما يشاهد نسوة لا يحملن صليباً. مرّةً، أتت سيدتان لرؤيته، وكانت قد قالت إحداهما، على الطريق، للأخرى عن نفسها بأنها جد خاطئة كخنزيرة قذرة. لم تتفوّه الأخرى بشيء. عندما وصلتا عند الشيخ، طلب الشيخُ من الإمرأة التي صمتت أن تبقى خارجاً، بينما استقبل الأخرى التي نعتت نفسَها بالخنزيرة القذرة. دنت من السرير الذي كان الشيخ مستلقياً عليه، وسألته الماذا لم يستقبلْهما معاً، فأجاب: "يأتي إليَّ الناس، الكثيرُ منهم، لكن، قطعاً، ليس الخنازير". صاحت المرأةُ بالشيخ لإهانته ناعتاً إياها بالخنزيرة، إلا أنه أشار أنه من غير الإنساني أن تنعت نفسها، سابقاً، بالخنزيرة القذرة. وهكذا، كشف الشيخ، بتلك الإهانة الظّاهرية، كبرياءها الخَفيَّة. فقال: "حسناً، إذا كانت الكبرياء في داخلك، فمن الأفضل أن تهدئي".
خلال الحرب، وفي بدء كلِّ سنة، كان يُوجّه العائلات لزراعة نوع معين من الخضار. فكان يعطي البَرَكةَ لعائلة أن تزرعَ البطاطا، والأخرى أن تزرع البلازيلاء، والأخرى الثوم، وهكذا... مَن يطيعه كانت تفيض غلالُه بوفرة، فلا يجوع. بينما الذين لا يطيعونه يصيرون في فاقة.
كان يعزّي المحزونين لوفاة أحبّائهم. تلقّت سيدةٌ إشعاراً بأن زوجها قد قُتِلَ في إحدى العارك. استولى عليها الحزن العميق، فقامت بزيارة الشيخ. بعد أن أصغى إليها، قال: "اذهبي إلى الكنيسة وصَلّي بحرارة، وتناولي كلَّ أحد، فسوف يعودُ زوجُك". أطاعت المرأة، وفعلت كلَّ ما طلبه منها. بعد فترةٍ، تلقَّت رسالةً من زوجِها الذي كان على قيد الحياة. كان قد جُرِحَ، ووقع في غيبوبة لفترة طويلة، إلا أن السكان المحليين أنقذوه.
كان القديس إلياس يُبقي عيناً واحدة مغمضة. في صورة واحدة، كانت عيناه كلتاهما مفتوحتين. عندما سُئلَ عن السبب، أجاب: "أستطيع رؤية العالم بعين واحدة".
بعد الحرب، صار للشيخ، أخيراً، مكان يمكثُ فيه. كان بيتاً صغيراً، تم جمع ثمنه من مساهمات أبنائه الروحيين. عاش هناك حتى مماته. طوال ذلك الوقت، لم يتوان الشيخ عن تقديم المساعدة للناس وتعليمهم الإيمانَ الأرثوذكسي.
في ذلك الحين، تنبّأ الشيخُ بازدهار الأرثوذكسية في ماكيفكا، الأمر الذي كان يبدو شبه مستحيل، بعد دمار كلّ كنائس المدينة، تقريباً. رغم ذلك، وبعد نصف قرن، تمَّ بناء كاتدرائية القديس جاورجيوس، إضافة إلى 24 كنيسة أخرى. "سوف يَحفط اللهُ ماكيفكا حتى النهاية! سوف يمنحها العديد من أماكن العبادة! ".
في بدء سنة 1946، أخبر أبناءه الروحيين بأنه سوف لن يحتفل بالفصح معهم. فعلاً، رقد القديس الشيخ الياس يوم الأربعاء العظيم، في 17 نيسان سنة 1946. جرى دفنُه يوم الجمعة العظيم المقدس. بعد 66 سنة، تم الكشف عن بقاياه في القبر، حيث بُنيَ نُصبٌ لذكراه.
إعلان قداسته كان في كاتدرائية القديس جاورجيوس، حيث يُحتَفَظُ ببقاياه.