رأس يوحنا المعمدان
جاء هذا الخبر عند مرقس مداورة اذ نص إنجيل مرقس على أن هيرودس سمع بخبر يسوع فقال ان يوحنا المعمدان قد قام من بين الأموات، ثم تأتي الرواية عن قتل المعمدان. لماذا هيرودس أمسك يوحنا وزجّه في السجن؟ الجواب لأن الملك تزوّج "هيروديا" امرأة أخيه فيلبس".
ما الخطأ في ذلك؟ لنفترض أن أخاه كان حيا. إذ ذاك، يكون هذا زنا. أما إذا كانت هيروديا مطلّقة فزواجها يخالف شريعة موسى القائلة: "عورة امرأة أخيك لا تكشف" (لاويين 16:18). ولو كان زوجها ميتا يكون الزواج مخالفا للناموس إن كان عندها ولد إذ يقول سفر التثنية: "اذا سكن إخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل أجنبي". (5:25). بنظر المعمدان كان في الأمر زنا او مخالفة صريحة للناموس.
نتج عن هذا التأنيب للملك أن هيروديا سعت الى قتل النبي. غير أن الملك "كان يخاف من يوحنا لعلمه بأنه رجل بار وقدّيس ويحافظ عليه". ويقـول الإنجيل ايضًا ان الملك كان "يسمع الى يوحنا بانبساط" ما يعني أنه كان يتردّد على البلاط ولكنه انقسم داخليا عن هذه الصداقة بسبب سقوط الملك الأخلاقيّ.
في هذا الجو "صنع هيرودس في مولده عشاء لكبار المملكة"، وجاءت ابنة هيرويا ورقصت رقصا فرديًا لا بد أنه كان خليعا وأَعجبت الملك. وباقي القصة سرده الكتاب الإلهي. فقتل المليكُ يوحنا المعمدان. ثم دفن جثة يوحنا تلاميذه، ولا نعرف شيئا عنها، ولا عن رأسه نعرف شيئا. وتزعم كنائس عديدة في العالم أن عندها هذا الرأس، ولكن ليس شيء من هذا أكيدا. الأغلب أن الجثمان كله دُفن في فلسطين واندثرت المعالم.
الدرس الذي لنا من هذه الحادثة أن النبي يقول الحق للكبير والصغير ولا يخشى أحدا حفاظا منه على كلمة الله. الله لا الملوك ولا العظماء وحده المطاع. الدرس الآخر أن هيرودس كان أولا ضحية الطعام والسكر، ووقع ثانيا في شهوة العيون. كل هذا مجتمعا قتل المعمدان.
الخلاصة من هذا كلّه أنك إن كنتَ إنسانا روحانيا لا تُساير احدا. تلوم أباك او إخوتك او أصدقاءك بقوة كلمة الله لأنك تريدهم أن يتنقّوا من كل خطيئة اقترفوها. أنت لا تحب أحدا على الله لأنك تكون قد سلّمته الى الشيطان الذي أغراه. يمكن أن تموت لأنك قلت الحقيقة. شهادة الدم تفرض نفسها حتى يتمجّد الله بسفكِ دمِك كما تمجّد بشهادةِ كلامك.
من هذه الخلاصة ايضا أن "شهوة العيون وشهوة الجسد" كما يسمّيها يوحنا الإنجيلي في رسالته الجامعة الأولى تُبيد صاحبها ويمكن أن تجعله قاتلا. الخطيئة لها أثر على مرتكبها ولها أثر في النفوس. لا تمرّ كمرور الريح. الخطيئة رهيبة ايضا لأنها تُولّد خطيئات أخرى.
قطع رأس يوحنا دعوة كل واحد منا الى التوبة.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).