قائد المئة
بعد أن ألقى يسوع عظة الجبل التي رواها متى في الإصحاحات 5 و 6و 7 نزل الى ضفاف بحيرة طبرية ودخل كفرناحوم، فدنا منه قائدُ مئةِ جنديّ -وهذا تنظيم عسكريّ- رومانيّ أي وثنيّ، وتوسّل يسوع أن يشفي خادما له طريح الفراش مشلولا و"يُعذّب بعذابٍ شديد". توّا أجابه يسوع "أنا آتي وأَشفيه". الّا أن الضابط الذي كان غالبًا متأثرا بالتعاليم اليهودية بسبب من وجوده في فلسطين قال له: "يا ربّ (أي يا سيّد) لستُ مستحقًا أن تدخل تحت سقف بيتي، ولكن قلْ كلمة لا غير فيبرأ فتاي".
لا بـدّ أنّ هذا الرجل علم من صداقـتـه مع اليـهـود أنّ يــسوع له سلطان على المـرض ويـقدر على شفائـه. الى هـذا يحسّ هذا الضابط أنه خاطئ ولا يـستحقّ دخول المخـلّص الى بـيـتـه. إنـه يـعـبّر عن إيـمان كامـل بالمسيح اذ يـقـول: "قـلْ كلـمة لا غيـر فيـبرأ فتـاي".
مـن أيـن له هـذا الإيمان؟ لا بـدّ أنه سـمع أنّ يسوع يصنع مـعـجـزات، ولكن كــلّهـا كانـت تــجــري فــي حضور يـسوع. هـذا الوثنـيّ يُـصرّح أنّ أعجوبـةً ليسوع ممكن أن تتمّ بغيابه عن المريض، بمجرد قولة له. وهنا يقول هذا الضابط إنّ قدرة يسوع على المرض شبيهة بمهنة الضابط الذي يقول لهذا الجنديّ "اذهبْ ويذهب، وللآخر ائتِ فيأتي". الذي في منصبٍ عالٍ يأمرُ الذي في منصبٍ أدنى.
هذا التشبيه جعل يسوع يتعجّب اذ أظهر إيمانًا كاملًا بالسيّد حتى قال المعلّم: لم أجد إيمانًا كهذا في كل إسرائـيل المؤمن بالله ومع ذلك يشكّ بقدرة يسوع.
بعد هذا يؤكّد الرب أنّ من الوثنيين مَن يتكئ مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات، وأمّا من يعتبرون أنفسهم أبناء الملكوت اي اليهود "فيُلقَون في الظلمة البرّانية" أي في جهنّم.
هنا يُشرف متى الإنجيلي على موضوع البشارة التي يختم بها إنجيله: "اذهبوا وعلّموا جميع الأمم". هذا الإنجيل الذي كُتب خصوصًا للعبرانيين المهتدين الى المسيح، والكتابة كانت بعد انهيار الهيكل وزوال اليهودية، هذا الإنجيل يقول هنا إن ثمّة رجاء لخلاص الأمم.
عند متى، الخلاص هو بالإنجيل، بالانضمام الى يسوع. وكان الرسل يتوقّعون أنّ البشارة تعمّ العالم الذي كانوا يعرفونه والذي سيستلم الإنجيل منهم ومن الأجيال اللاحقة. وكانوا يَحسبون أنّ الناس الذين كانوا يُشْبهون الضابط الرومانيّ في روحانيّته مهيأون لاقتبال الإنجيل. عنـدهم أنّ الخلاص هو في المسيح، في معرفة فـدائه ومحبـّته للبـشر وأنّـه هو الذي يكشف وجه الله أبيه.
حسبوا أن البشارة ممكن انتشارها بالرغم من القلوب المتحجّرة في الوثنية. ولاحظت الأجيال اللاحقة أنّ قداسة المسيحيين وأداءهم شهادة الدم قادرتان أن تجلبا العالم الى المسيح. وهذا تمّ الكثير منه فعلا.
هـل نـحـن يـهـمـّنا أن يـعرف الناس المسيح؟
بالأقل هل نتحرّك في الكنيسة ليأتي أبناؤها اليها بحرارة وعمق وإيمان؟ الضابط الرومانيّ الغريب آمن بيسوع أكثر من بعضنا.