المسيحيّة في الشرق إما شهداء وإما مهجرون
مفيد سرحال
من نافل القول ان الغرب المسيحي اغترب اغتراباً موحشاً وقاتلا عن مسيحيي الشرق وكأن الارساليات محض صدفة غبية وكأن بيت لحم والرسالة وشهادة يسوع مجرد حكاية استعمرت العقل الاوروبي المستباح بالرؤى اليهودية وبكل ترهات التلمود وروايات العهد القديم وكأن عهدا جديدا يكتب للشريحة المسيحية في المشرق عنوانه الهجرة النهائية عن ارض المهد ومحيطها الى مطارح الاندماج الطبيعي كما يسمونه في الادارات الاوروبية المتهودة المنساقة خلف ارهاصات اليوم الاخير وفق المنطوق الصهيوني تمهيدا للمعركة الكبرى التي ينتهي معها العالم وتبشر بمجيء «المسيح»…
في العراق غزت الحراب الاميركية ارض الرافدين والجيش الاميركي المفترض انه «مسيحي» شهد بام العين كيف يسبح المسيحيون بدمائهم في خضم بحث رامسفيلد عن الاسلحة الكيميائية والبيولوجية في قصور «صدام حسين» وجيوب «سرجون الاكادي»!!! فيما اليهود ينقضون على الاثار لاخفاء جريمة سرقتهم التاريخية لتراث امتنا واساطيرها واكثر من ذلك يحفرون قبر نبوخذ نصر انتقاما للسبي البابلي، ويخطفون العلماء والعقول المجلية في مجال الذرة والكيمياء والفيزياء في اكبر عملية نصب شهدها التاريخ! والعشرات من هؤلاء مسيحيون عراقيون عرب مؤمنون بعروبتهم وقوميتهم ومناضلون في سبيل رفعة الامة وكرامتها.
وفي لبنان يبحث المسيحيون عن سلطة ضائعة في اروقة قوانين الانتخاب على وقع اختلال الديمغرافيا وضمور الجغرافيا وتراكمات حروب ورهانات وسقطات اسقطت الدور المتقدم لصالح تنافس ذاتي يأكل بعضه ويتآكل، واتت الفكرة الفرزلية بنفحتها الارثوذكسية اجتهادا تفتق عن ذهن رؤيوي للم الشعث واستعادة الضائع من الوقار والمهابة اللهم اذا نجح في ترسيخ وتثبيت الفكرة…
اما في دمشق حيث «مريم تبارك طهرها ويوحنا ينتظر يسوع» كما يقول نزار قباني فالواقع اوهم واخطر فالتطهير انجز في حمص وحلب على قاعدة التجميع للترحيل بقوة القتل الممنهج وثقافة السيارات المفخخة التي من اشعاعاتها الدموية تفجر الصيغ العلمانية والثقافة العروبية الجامعة المتجاوزة لعوامل التطيف والتمذهب والمسيحيون بطبيعة الحال وبحكم التاريخ والوقائع والانتماء روادها الاشاوس وطاقاتها الغنية وعقولها المبدعة فوسط هذا الضجيج الدموي لتشليح سوريا وتصديح صيغتها ودورها وموقعها بسفك الدم المسيحي ومن لم يمت بالسيف سلط على رأسه فأس السفارات اي الفيزا الجاهزة في المكاتب الاميركية والفرنسية والبريطانية في عشق تهجيري واستماتة في توفير كل فرص الخروج الى الجنة الاوروبية لاي طالب هجرة من مسيحيي سوريا.
ولا احد ينس ما قاله ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق لمراجع سياسية ودينية «نريد ان نخلص من هم مسيحيي الشرق لقد اتعبتمونا واقلقتم راحتنا فلدينا مشاغل غير حضوركم في هذا الشرق الملتهب بالدين والبترول فتعالوا الى الغرب، وسهل عليكم الاندماج في مجتمعاتنا بحكم انتمائكم الديني، هذا الكلام سمعه كثيرون وترك طي القلوب والصدور ومن سمعه ادرك ابعاد الحراك الغربي الملتبس لاسقاط سوريا ونظامها العلماني التعددي كما ادرك سر الصفقة الكبرى مع الاسلام السياسي كتجربة جديدة في المنطقة يمكن استنساخها عن الانموذج التركي.
اما في فلسطين فالصهاينة يضيقون الخناق على المسيحيين ويصادرون املاكهم ويضعون اليد على العقارات والبيوتات القديمة في القدس ناهيك عن الاعتقال تحت ذريعة الدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، والعبارات المسيئة للمسيحية وللسيد المسيح باتت الغذاء اليومي للمسيحيين من عرب الـ48 حيث يتوزع قطعان المستوطنين اليهود على الاحياءويفرغون على حيطان المنازل والكنائس حقدهم اليهوهي على المسيحية ورموزها ومقدساتها ولو قيض لهم شطب بيت لحم من الجغرافيا والتاريخ والذاكرة الجماعية لما قصروا وبالتأكيد هذا دأبهم وذاك ديدنهم.
وبالتالي فان الشهود على المسيحية في هذا الشرق اما شهداء واما مهجرون والمسيحية ستتحول وفق الجهد اليهودي الى مجرد اسطورة والكنيسة التي تعني جماعة المؤمنين ستتحول الى تراث ورسم دارس.
هذا المشهد المسيحي المرعب اطل عليه مرجع ديني مسيحي رفيع من زاوية نظر حادة مدققة عارفة فاحجب او بالاحرى طلب عدم البوح بكل عناوين المصير المفرغ وتفاصيل المخطط الجهنمي المرسوم للمنطقة المشعة على العالم دينا ونفطا غير ان الواقع المسيحي كان في جل اهتمام المرجعية كونه علاقة فارغة في هذا الشرق ويقول المرجع: ان تقسيم المنطقة بات بحكم القائم وترجمته الميدانية مسألة وقت. لقد نفض الغرب واميركا الغبار عن هذا الملف واعادوا فتحه وترتيب اوراقه تمهيدا لتقطيع المنطقة وتشكيل خريطتها الحبلى بالتناقضات فالدماء والدموع ستلف هذا الشرق الحزين ونحن في مستهل المشوار الرهيب في خواتيمه ومقدماته والفتن سيشتعل اوارها في كل ناحية لان المطلوب واحد انقاذ الدولة اليهودية بالدرجة الاولى وتسويق فكرة الخصوصيات فتأكل شعوب المنطقة بعضها البعض، ويتلاشى معها عناوين ومفاهيم وشعارات وقيم لطالما احتضنتها ذاكرة شعوب هذه المنطقة الحيوية من العالم كالعروبة – العالم العربي – المقاومة… وسيسود الفكر المذهبي المغلق والاطروحات الطائفية في جدل دموي وحوار عنوانه الاحتراب حتى آخر رمق.
ويتابع المرجع: المسيحيون في قلب هذا الواقع لا بل في صميم هذا المخطط الجهنمي ونعيش اليوم المراحل الاخيرة من تصفية الوجود المسيحي في الشرق فهناك من يطرح فكرة العودة الى غيتو يحوي كل المسيحيين في المنطقة وقد يكون لبنان الملاذ بحيث تجمع مسيحيو العراق وسوريا وفلسطين وقسم كبير من اقباط مصر لتشكيل توازن مع توطين الفلسطينيين ويمنع هجرة مسيحيي لبنان ويبعد عنهم كأس الشعور الاقلوي ويعطيهم جرعة قوة يفرضها تزايد العدد وبالتالي امكانية استعادة الدور لكن في ذلك مخاطر جمة حيث سيدخلهم في حروب ايضا تبدأ ولا تنتهي مع محيطهم اذا ما رسمت الحدود وتنوعت الحمايات الخارجية. اما الفكرة الارجح والاخطر والراسخة في العقل الغربي فتتواءم مع ما افصح عنه ساركوزي اي اجلاء المسيحيين الى الغرب لسهولة اندماجهم فيرتاح الغرب من «هم» هذه الاقلية وسبل حمايتها ونزع ستار القلق والخوف عنها سواء بالقوة المادية ام المعنوية. وتفريغ الشرق من المسيحيين يعني انشاء صراع ثلاثي الابعاد بين اسرائيل اليهودية وايران الشيعية وتركيا السنية عندها يسهل توفير الامان لليهود بعد المصالحة الكبرى مع المحيط ويسهل الاستحواذ على النفط كجائزة لترتيب السلطة لاولئك الذين حرموا منها ردها من الزمن.
ويتابع المرجع القول: ان اخطر ما في هذا المخطط، قيامه على رؤية مذهبية عنوانها الخلاص من فوبيا الاسلام في الدول الغربية فالمسلمون في اوروبا يتزايدون باعداد كبيرة ويشكلون عصب الانتاج في العديد من الدول كيد عاملة ومتخصصين في ظل ضمور الولادات لدى المجتمعات الاوروبية واستعانة الحكومات بالعرب والمسلمين الوافدين من دول المشرق والمغرب العربي لتحريك عجلة الاقتصاد ناهيك عن المشاكل السياسية والصراعات التي بدأت تطل برأسها في هذه الدول على خلفية دينية وصولا الى حد تحكم الوافدين المسلمين باللعبة السياسية في السنوات القادمة مع تزايد حضورهم «الم ينصح القذافي باستعادة اسبانيا بالولادات» وبالتالي فان تحرر الاوروبيين من «فوبيا الاسلام» في ربوعهم هو القيام بعملية طرد ناعمة للمسلمين تحت عنوان لقد اقمنا لكم انظمة اسلامية في بلادكم يحكمها اسلاميون ولقد حررنا بلادكم من الديكتاتورات العسكرية وقدمنا لكم فرصة حكم بلادكم بالشريعة الاسلامية عبر ايصال الاخوان المسلمين الى السلطة فتفضلوا عودوا ادراجكم «لكم بلادكم ولنا بلادنا»، وهذا الفراغ الاسلامي في اوروبا بعد طرد المسلمين يملؤه المسيحيون بعملية جذب قسرية تحت وطأة القتل والتطهير الطائفي فينزح المسيحيون بالالاف الى اوروبا ويتركون ديارهم وتاريخهم وتراثهم ليصبحوا في بلادهم الاصلية مجرد «ذكرى» او قلادة اثرية في عنق منطقة تنزف اوردتها بهذا الحكم من الدماء والاحقاد والحروب.
وتختم المرجعية: في ظل هذا الجنون الغربي اللاأخلاقي والتداعي العربي المخجل والمحزن في ان ينتظر المسيحيون مصيرهم الاسود على طاولة لعبة الامم، فالغرب يبحث عن خلاصه ومعه خلاص الدولة العبرية ونحن بين خياري التهجير الجذري والاقتلاع النهائي او التجذر القاتل مع غيرنا من الاقليات في «اسرائيليات»نرفضها في كنف قتلة الانبياء من بني صهيون.
الديار