اشتهر القدّيس باسيليوس الكبير (+379) الذي تعيّد له الكنيسة في الأوّل من شهر كانون الثاني في العديد من الميادين. فهو رئيس أساقفة قيصريّة كبادوكية الذي صان إيمان الكنيسة في وجه الهرطقات التي عصفت في وجهها، وهو اللاهوتيّ العظيم الذي خلّف العديد من المؤلّفات التي دافع فيها عن استقامة الرأي، وهو الواعظ الحكيم الذي أرشد رعيّته إلى تعاليم الربّ يسوع وحُسن ممارستها، وهو الإداريّ الذي بنّى المؤسّسات الاجتماعيّة لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى. هنا، سنعرض لتعليمه المسيحيّ في موضوع "الغنيّ والفقير".
جمع القدّيس باسيليوس ما بين التعليم والممارسة. فلا يمكن الإنسان أن يكون مسيحيًّا إذا اكتفى بالإيمان من دون الاهتمام بالتطبيق اليوميّ. لذلك، وضع الرعاية في رأس سُلّم أولويّاته، هو اللاهوتي المفكّر العالِم لم يتوانَ عن التزام قضايا الفقراء والمعوزين. وقد انطلق في ذلك من وصيّة الربّ يسوع بـ"محبّة القريب"، والقريب في اللغة المسيحيّة هو كلّ إنسان يضعه الله في طريقنا، فيقول: "إنّ الاهتمام بالقريب يستلزم عطاءً سخيًّا، لأنّ الإنسان المحبّ حقيقةً يرغب في أن ينعم كلّ الناس بخيرات الأرض كما ينعم هو. الذي يحبّ أخاه لا يتمتّع بخيرات أكثر من أخيه، فبقدر ما أنت غنيّ بقدر ذلك أنت مخالف لشريعة محبّة القريب وغير ملتزم بالتزاماتها".
يدين القدّيس باسيليوس البخلاء الذين يدّعون الخوف من المستقبل كي لا يهبوا الفقراء شيئًا من أموالهم، فيقول: "إنّك تدّخر للمستقبل قائلاً إنّ مصيري لا أعرفه، ومستقبلي غامض. وبهذا تدفن غناك ومالك في الخزائن للمستقبل، فانت إذًا تدفن معها قلبك". ويتابع في مكان آخر قائلاً: "أنت تدّعي أيّها الغنيّ بأنّك تحفظ أموالك لمستقبلك ومستقبل بنيك. هذا عذر واهٍ، تدافع به عن بخلك". ويحذّر اولئك الأغنياء مذكّرًا إيّاهم بأنّ أموالهم قد تُهلك أولادهم بالخطيئة إذا استعملوها في غير مكانها، فيقول: "تتعلّل بأولادك، لكن لا تنسَ بأنّ المال هو لكثيرين سبب خطيئة، فاحذرْ من أن يؤُول بك ذلك إلى فقدان أولادك إذ تغويهم الخطيئة".