م المساهلي : *** قصيــدة بغـــداد ***
قصيــدة / بغـــداد :
إلى // " بغداد " *** مدينة التاريخ *** وتاريخ المدينة ***
***
أمَّ اللغات تضعضعت أركــاني *** وتبعثر الإيقاع في ألحــــــــاني
تتمزق الألفاظ صُلب عبـــارتي *** والعِيُّ يعقد عَبرتي ولســــاني
أرقٌ على حرق الفؤاد يهــــّدني *** ويسيل ماء الصبر من شريـاني
تترقرق الأوجاع بين جوانــحي *** والنار تأكل مهجتي وجَنـــاني
عبثا أحاول أن ألمَّ شتاتـــــــــها *** نفسا تَساقطُ أنفُسا بكيــــــــاني
يترنَّح التّـاريخ في أرجـــــــــائنا *** ويموج مثل المفرد الحــــيرانِ
قمرٌ يطلّ على الفرات مُشَّـــردا *** يُخفي ويُبدي لوثة السّـــكرانِ
لا شمس في بغداد تمسح حُزنها *** لا صوت غير قنابل العــدوانِ
هذا هو النّـبأ العظيم يهــزّنا *** ويبيحنــــا للتّيه والغـــــــــثيانِ
أهلي هناك أَحلَّ سفكُ دمائـهم *** هتكَ الستور وكشفَ كلّ مُـدانِ
ذي فتنة أونكسة أونكــــــــبة *** أخرى تُعيد الـرّوح للأشــجانِ
كانت فلسطين السبيّة والقضيّة *** والقصيدةَ ، ها هما إثـــــــنانِ
فتوزّعوا قمم التّفاوض جـدولا *** لتبادُل الطّلقات والشّــــنَانِ
يا أمَّة عبثت بجامع عِرضـــــها *** وتدحرجت في البئر كالأشطانِ
ما كنت أحسب أن أقوم مُشوَّشا *** أرثي العراق ببالغ الأحـــزانِ
قل للـرّجال الشمِّ في عليائـهم *** فضّ العلوج بكارة الإحصــانِ
داسوا على حرم العروبة شهوةً *** وأشدُّ منه تناغمُ العُربــــانِ
يتفيّـأون النّـخل ملء شمــــــــاتةً *** تغلي بها الأحقاد من أزمـــانِ
يترجرجون كما القطيـــع تهيُّبا *** وتوجُّسا من هبَّة الجــــــدرانِ
يستوطنون الـذّعر بين دروعهم *** علَّ الـرّمال تمور في هيـــجانِ
يتصفّحون خطى الجياد تطــلُّعا *** لبداية التّكوين والعمـــــــــرانِ
هارون كان هنا وكنا مطــــــلع *** الشّمس المضيئة في ذُرى الأكـوانِ
ذي بابل تلــكَ التي عنوانــــــــها *** يستنطق التّـاريخ كـــــــلّ أوانِ
ماجت بها العَرَصات حين فُجاءة *** وآستسلمت لمجاهل القُرصـانِ
غـصّ الفُرات بمائه وسمـــــائه *** لهفاً على المجرى من التّيَهـانِ
برح المهى أعطاف دجلة نافــراً *** ياغربة الأمواه والحيـــــــوانِ
فبم التعلل والرفاق تفــــــرقوا *** وتنكر الخلاّن للخـــــــــــــلاّنِ
وبم التحجّج والصحـائف أُتلفت *** ومداد وحي الله كالغـــــــدرانِ
قُبرت أدلة وصلنا بنسيــــجنا *** ها أننا في التّــيه للأذقـــــــــانِ
إني رأيت الآن كيف خــــيولنا *** تعدو بلا هدف ولا عنــــــوانِ
ورأيت رأي العين كيف جنـودنا *** قد جُرِّدوا إلا من التُّـــــــــبانِ
أُلقوا على وجه التراب كراهــة *** يا ليتهم لثموه بالأحضـــــــانِ
يا ليتــــــهم ـ والموت فعل لازم *** لم يركنوا في ذلة وهـــــــوانِ
عقّوا الحسين فلا لواء يشــــدّهم *** وتقدَّموا في حِلية القُربــــــانِ
ما أكثر الشجعان يوم خطابــــة *** لكنهم في البأس كالأضعـــــانِ
كم من " يزيد " عاث في أحلامنا *** وأضافنا لحضيرة الغلمـــــانِ
كم مرّث الأيام في أحداقـــــــنا *** وأذاقنا الضرّاء في فنــــجانِ
ذهب الذين الوعد صِنْوُ رقابهم *** لايُستباح بباهض الأثــــــمانِ
ذهب الذين النارُ نبض قلوبهم *** لا يحفلون بجنة الســــــــلطانِ
من ذا الذي يشفيك بعد ذهابـهم *** يا درّة في معجم البلـــــــدانِ ؟
لولا الملامة قلت ملء حماسـتي *** ما لم يقله الله في الــــــــقرآنِ
لولا الملامة والخلاق وهمـــتي *** لركبتُ نزق الجن والشيــطانِ
وقرعتُ أجراس الفسوق تمـرُّدا *** وعصفت مثل الريح والطـوفانِ
وحرقتُ رايات النفاق تحــــرّرا *** وكنست كلّ النصب والبهــتانِ
وفقأتُ عين الراصدين تنفــــُّسا *** وهدمت كل مخافر الطــــغيانِ
وهتفتُ في القطعان : يا شرالورى *** هبُّوا إلى التبشير بالإنســـــانِ
أو فلتعودوا الجاهلية ثانــــــــيا *** ويعود شأن الوأد والأوثـــــانِ
ولنركب الصحراء خلف " الشنفرى" *** لكن بغير ملابس الخـــــــذلانِ
ولنقتف " العبسي " في كـــرَّاته *** لكن بصدق السّر والإعــــلانِ
أو نتبع" الخنســاء " في تعديدها *** لكن بحرق القلب والأجفــــانِ
بغداد ماج الصّبر في نظراتــها *** وبخلتُمُ بالوصل والفرســـــانِ
سقطت نوارسها على أسوارها *** وبخلتمُ باللحد والأكفـــــــــانِ
****
نقِّل ولاءك حيث شئت فلن ترى *** غير الذي يُغريك بالإذعـــــانِ
يسقيك ماء النار دون كلالــــــة *** ويريد منك وداعة الحِمـــلانِ
ومن الصداقة ما يكون مطيّـــة *** للذل والتفريط بالمـــــــــجَّانِ
ومن العداوة أن تكون مُحـاذرا *** ومدافعا عن حرمة الأوطـــانِ
لا خير في الشرّين يُؤمن ظــلّه : *** حُمم الغزاة ومَخفر الســـجّانِ
من ذا يصدّق أنهم بجيوشـــهم *** جاؤوا ببعض مبادئ الإحسانِ ؟
كلّ الذي أدريه أن ظلالهم *** لن تُستطاب وليس في الإمكانِ
وسترجع الأيام رغم جموحـــها *** ويعود طلع البشر للــــــولْدانِ
ويفيض عشق الرافدين بيــادرا *** تُغني ، وتفني موسم الحـرمانِ
هذا نشيد الرّوح يطفح وجــــْدهُ *** يشدو هواكِ بألف ألف لســـانِ
هذا انعتاقُ الوصل من سكَراته *** أعياه داء الحَبس والكتمـــانِ
يا خيمة الأجداد يامُهــــرالرُّبى *** إنّ الذي أضناك قد أضنـــاني
لم أبك فقدًا أورثاء أوســدى *** لكنه الحبّ الذي أبكانــــــــي
هذي المواجع لن يغيب صهيلها *** ستظل نبض الوحي والبرهانِ
هذا هو الدّرَك السحيق وبــــعده *** قاع الضياع ودفتر النســـيانِ
هذا هو الفصل الأخير وبـــعده *** لن يسمح التاريخ بالغفــــرانِ
أوَّاه يا همم الرّجال توقــــــــَّدي *** جدّي فإن الدّهر في ميَســــانِ
آمنت بالإنسان حرّ ثائــــــــــرا *** وكفرت بالأغلال والقضـبانِ .