♱ القديس غريغوريوس أسقف نيصص :
أن السيد جثا على ركبتيه وصلى بمفرده دون التلاميذ ، لأنه لم يكن ممكنًا لهم أن
يشاركوه هذه اللحظات التي حمل فيها ضعفنا ، وشفع عنّا بدمه لدي الآب .
وكأن عمله هذا كان فريدًا في نوعه .
♱ القدّيس جيروم :
" نفسي حزينة جدًا حتى الموت " . لنقدّم الشكر أن ليسوع جسد حقيقي ونفس حقيقيّة ،
فلو أن الرب لم يأخذ الطبيعة الإنسانيّة بكاملها لما خلّص البشريّة .
لو أنه أخذ جسدًا فقط بلا نفس لخلص الجسد دون النفس مع أننا نحتاج إلى خلاص
النفس أكثر من خلاص الجسد . لقد أخذ الجسد والنفس معًا ليخلّصهما ،
يخلّص الإنسان بكامله كما خلقه .
♱ القدّيس أمبروسيوس :
بكونه الله الذي لبس جسدًا قام بدور الضعف الجسدي حتى لا يوجد عذر لدى
الأشرار مُنكري التجسّد . فمع قوله هذا إذا بأتباع ماني لا يصدّقون ،
وفالنتيوس ينكر التجسّد ، ومرقيون يَدَّعي أنه كان خيالاً ...
لقد أظهر نفسه أنه يحمل جسدًا حقيقيًا .
[ إني أعجب هنا بحنان الرب وعظمته ، فلو لم تكن له مشاعري لنقصت إحساناته ...
سمح أن يتعب لضعفاتي ! حمل حزني ليهبني سعادته ! نزل حتى ألم الموت ،
ثم بدأ يرجعنا للحياة ثانية ، وتألم لينتصر على الحزن . قيل عنه أنه رجل أوجاع
ومختبر الحزن ( إش 53: 3 ) . لقد أراد أن يعلمنا ، فقد سبق فعلمنا
يوسف ألا نخاف السجن ، وفي المسيح نتعلم كيف نغلب الموت ... إنك تتألم يا رب
لا بسبب جراحاتك ، لا بسبب قوتك بل بسبب ضعفاتنا ( إش 53: 4 ) .
نراك فريسة للألم، لكنك تتألم لأجلي ، صرت ضعيفًا من أجل خطايانا ( إش 53: 5 ) .
هذا الضعف ليس من طبعك لكنك أخذته لأجلي ... ربما أيضًا حزن ، لأنه منذ
سقوط آدم كان خلاصنا الوحيد للخروج من هذا العالم هو بالضرورة " الموت " ،
ولما كان الله لم يخلق الموت ولا يشاء موت الخاطي مثلما يرجع وتحيا نفسه ،
يعز عليه أن يحتمل ما لم يخلقه . ]
[ في موضع آخر يقول : " الآن نفسي قد اضطربت " . إنه اضطراب النفس البشرية
لأن اللاهوت غير قابل للألم ... فالرب ليس حزينًا ( باللاهوت ) لكن نفسه حزينة .
الحكمة ذاته ليس حزينًا ( حسب اللاهوت ) ولا الطبيعة الإلهية بل النفس .
كان حزينًا لا بسبب الألم إنما بسبب تبديدنا ، لذا قال : " اضْرِب الراعي
فتتبدد خراف الرعية " ( مت 26: 35 ) ... كان أيضًا حزينًا من أجل مضطهديه ،
فقد كان عارفًا أنه يفدي بالآلام خطاياهم ... وقد قال : " يا أبتاه اغفر لهم ،
لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " ( لو 23: 34 ) . ]
[ لا توجد إرادة للآب تختلف عن إرادة الابن ، بل لهما مشيئة واحدة ،
لاهوت واحد ، ومع ذلك تعلم الخضوع لله . ]
في قوله ( إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ )
♱ القدّيس أغسطينوس:
[ إن إرادة الآب وإرادة الابن واحدة لأن لهما روح واحد ، لماذا إذن قال هذا ؟
لقد جاء نيابة عنّا نحن الذين رفضنا إرادة الله فخضع للصليب بسرور من أجل
الطاعة للآب ، وفي نفس الوقت كان يريد ذلك . هذا ما أعلنه السيِّد نفسه بقوله :
" هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد " ( يو 3: 16 ) . وكأن البذل هنا
هو من إرادة الآب المحب . وفي نفس الوقت يقول الرسول : " أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي "
( غل 2: 20 ) ، باذلاً نفسه المملوءة حبًا . ]
[ ربما نطق السيد بهذه الكلمات لما تحويه من سرّ في داخلها ، مظهرًا أنه قد وضع
على عاتقه أن يتألم حسب جسده ، أي حسب الكنيسة، التي صار لها رأس الزاوية
والتي تأتي إليه بعض أعضائها من العبرانيين ، والآخر من الأمم ] ، وقد دلل القديس
على ذلك بحديثه مع الآب قائلاً " يا أبّا الآب " [36 ] ، فإن كلمة أبا Abba ترمز
لليهود في علاقتهم بالله ، وكلمة " الآب " ترمز للأمم في علاقتهم أيضًا بالله ،
إذ هو أب لليهود كما للأمم .
[ أنه قادر أن يحضر جيوش من الملائكة ليهلك أعداءه ، لكنه كان يجب أن يشرب
الكأس التي يريد الآب أن يقدمها له. بهذا يقدم نفسه مثالاً لشرب هذه الكأس ،
مسلمًا إياها لتابعيه معلنًا نعمة الصبر بالكلمات كما بالعمل . ]
♱ العلامه اوريجانوس :
من المستحيل أن ابن الإنسان كان يقول : يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنِّي هذه الكأس ،
تحت إحساس بالخوف ! ... فالرب يسوع لا يستعفي من ذبيحة الموت حتى تصل
نعمة الخلاص للجنس البشري كله .
♱ القديس ديونسيوس السكندري :
العبارة " لتعبر هذه الكأس " لا تعني أنها لا تقترب منه ، فإنه ما كان يمكن للكأس
أن تعبر به أو تجتازه ما لم تقترب منه أولاً ... فإنها إن لم تصل إليه لا تعبر عنه .
[إذ صار إنسانًا حمل ما هو للإنسان ... وها هو يسأل الأمور الخاصة بالآب ( إرادة الآب )
مع أنه من جهة لاهوته إرادته واحدة مع الآب ... بالتأكيد لم يطلب المخلص ما هو
مستحيل ولا ما هو ليس بعملي ، ولا ما هو مخالف لإرادة الآب . ]
♱ القديس يوحنا ذهبي الفم :
أولاً : لا يمكن القول بأن السيد المسيح كان يجهل إن كان ممكنًا أن تعبر عنه الكأس
أم لا ، بقوله " إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس " . [ المعرفة الخاصة بآلامه ليست
أعظم من المعرفة الخاصة بجوهر طبيعته ، الأمر الذي هو وحده يعرفه تمام المعرفة
وبدقة ، إذ يقول " كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب " ( يو 10: 15 ) .
ولماذا أتكلم عن ابن الله الوحيد ، فإنه حتى الأنبياء يبدو أنهم لم يجهلوا هذه الحقيقة
( أي آلام المسيح وصلبه ) بل عرفوها بوضوح ، وقد سبق أن أعلنوا عنها قبلاً
مؤكدين حدوثها تأكيدًا قاطعًا . ]
ثانيًا : لا يمكن فهم هذا القول : " إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس " بمعنى الرغبة
في الهروب من الصليب . [ لقد دعا (بطرس ) ذاك الذي وُهب إعلانًا من الآب
وقد طوّبه ووهبه مفاتيح ملكوت السماوات ، دعاه " شيطانً ا" ، ودعاه " معثرة " ،
واتهمه أنه لا يهتم بما لله ... هذا كله لأنه
قال له : " حاشاك يا رب لا يكون هذا لك " أي لا يكون لك أن تصلب . فكيف إذن
لا يرغب في الصليب ، هذا الذي وبخ التلميذ وصبّ عليه هذا القدح إذ دعاه شيطانًا
بعدما كان قد مدحه ، وذلك لأنه طلب منه أن يتجنب الصليب ؟ كيف لا يرغب في
الصليب ذاك الذي رسم صورة للراعي الصالح معلنًا إياها كبرهان خاص بصلاحه ،
وهي بذله لنفسه من أجل خرافه ،
إذ يقول " أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف "
( يو 10: 11 ) ... انظر كيف يُعجب منه بسبب إعلانه هذا " أنه يبذل نفسه " ، قائلاً :
" الذي كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه ، آخذًا صورة عبد ، صائرًا
في شبه الناس ، فإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه ، وأطاع حتى الموت موت الصليب "
( في 2: 6-8 ) ؟ وقد تكلم عن نفسه مرة أخرى فقال ... " لهذا يحبني الآب لأني
أضع نفسي لآخذها أيضًا " ( يو 10: 17 ) ... وكيف يقول الرسول بولس مرة أخرى :
" واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا ، وأسلم نفسه لأجلنا " ( أف 5: 2 ) ؟ .
وعندما اقترب السيد المسيح من الصلب قال بنفسه : " أيها الآب قد أتت الساعة، مجد ابنك"
( يو 17: 10 ) . لقد تكلم هنا عن الصليب كمجد ، فكيف يستعفي عنه ،
وها هو يستعجله ؟ ]
ثالثًا : أن هذه العبارة قد سجلها لنا الإنجيلي لتأكيد تجسده ودخوله فعلاً تحت الآلام .
[ لهذا السبب أيضًا كانت قطرات العرق تتدفق منه ، وظهر ملاك ليقويه ،
وكان يسوع حزينًا ومغتمًا ، إذ قبل أن ينطق بتلك الكلمات
( ليس كما أريد أنا ، بل كما تريد أنت ) قال : " نفسي حزينة جدًا حتى الموت " .
فإنه بعد هذا كله قام الشيطان بتكلم على فم كل من مرقيون الذي من بنطس وفالنتينوس
وماني الذي من فارس وهراطقة كثيرين ، محاولين إنكار تعاليم التجسد ،
ناطقين بكلمات شيطانية ، مدعين انه لم يأخذ جسدًا حقيقيًا ، ولا التحف به إنما كان
له جسد خيالي وهمي ... لقد أعلن المشاعر البشرية الحقيقية بوضوح ،
تأكيدًا لحقيقة تجسده وتأنسه . ]
رابعًا : بجانب تأكيده للتجسد قدم لنا نفسه مثالاً عمليًا بهذا التصرف الحكيم .
[ هناك اعتبار آخر لا يقل عنه أهمية ... وهو أن السيد المسيح جاء على الأرض ،
راغبًا في تعليم البشرية الفضائل، لا بالكلام فقط وإنما بالأعمال أيضًا . وهذه هي أفضل
وسيلة للتدريس ... إنه يقول : " من عمل وعلّم فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السموات "
( مت 5: 19 ) ... لقد أوصى ( تلاميذه ) أن يصلوا : " لا تدخلنا في تجربة " ،
معلمًا إياهم هذه الوصية عينها بوضعها في صورة عملية ، قائلاً :
" يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس " . هكذا يعلم كل القديسين ألا يثبتوا
بأنفسهم في المخاطر، غير ملقين أنفسهم بأنفسهم فيها... فماذا ؟ حتى يعلمنا تواضع الفكر،
وينزع عنا حب المجد الباطل ... صلى كمن يعلم الصلاة ، ولكي نطلب ألا ندخل في تجربة "
ولكن إن لم يسمح الله بهذا، نطلب منه أن يصنع ما يحسن في عينيه ، لذلك قال :
" ولكن ليس كما أنا أريد بل كما تريد أنت " ، ليس لأن إرادة الابن غير إرادة الآب ،
إنما لكي يعلم البشر أن يقمعوا إرادتهم في إرادة الله ولو كانوا في ضيق أو اضطراب ،
حتى وإن أحدق بهم الخطر، ولو لم يكونوا راغبين في الانتقال من الحياة الحاضرة . ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
♱ من تفسير القمّـص تادرس يعقوب مالطي
لبشائر القديسين متّي - مرقس - لوقا
ولإلهنا كل مجد وكرامة الي الابد
+ امين +
* مُنتديات الكنيســـــة *