جريمة في الحي الهادئ .. تنتظر كشف غموضها .. !
بقلم / أشرف عمران :
رائحه كريهه فاحت في الحي الهادئ.. وازدادت وانتشرت حتي ازكمت كل الانوف، لكن من اين اتت والشوارع نظيفه والسكان يتعطرون باغلي الروائح.. انشغل الجميع بملاحقه تلك الرائحه الغريبه علي منطقتهم الهادئه في زهراء المعادي .
استغل الكبار منهم وظائفهم المرموقه، وجاءت سيارات الحي لتنظيف الشوارع، ورغم ذلك ازدادت الرائحه النتنه، وكاد ان يفقد السكان عقلهم، فقد خلت الشوارع حتي من ورقه شجر، حتي حامت الشبهات حول سياره غطي الرماد غطاءها، ولم يظهر لها صاحبًا، وبرفع الغطاء، انكشف المستور.. جثه لشاب ملقاه علي كنيه السياره الخلفيه، وقد تحللت واختفت ملامحها، وتفوح منها رائحه نتنه تفقد من يشمها الوعي.. روعت تلك الجريمه سكان الحي الهادئ، وبدات المباحث رحلتها الشاقه لكشف غموض الجريمه البشعه.
اصل الحكايه بلاغ تلقاه محمد عبدالمنعم رئيس حي البساتين، من اهالي سكان زهراء المعادي ، بعثورهم علي جثه شاب قتيلاً داخل سياره ملاكي، ورائحه كريهه تنبعث من السياره، بدرجه دفعت العديد من السكان الي هجر منازلهم خشيه الموت خنقًا.
انتقلت النيابه بسرعه، لمعاينه السياره المنكوبه، التي ترقد جثه الشاب بداخلها، وكان المشهد اقسي من ان يوصف.. شاب في مقتبل العمر يرقد مقرفصًا علي المقعد الخلفي للسياره، وبه عده طعنات، وقد اختفت معالم وجهه، وتحللت اجزاء جسده، واصبح في خبر كان، لكن الجاني كان اكثر احترامًا!!، حيث من علي القتيل وترك داخل ملابسه بطاقته الشخصيه، وتليفونه المحمول وبعض الصور والرسومات الهندسيه، فتوصلت المباحث الي شخصيه القتيل، حيث انه ضابط شرطه سابق، الحظ التعس وقف له بالمرصاد، حيث فقد ذراعه الايمن في احدي الماموريات، عندما خرج ضمن مجموعه لمكافحه تجار المخدرات بالعريش، وتعرض لاطلاق الرصاص، وفقد ساعده، ورفض ان يكون كماله علي رؤسائه، ويري نظرات الشفقه وهمهمه شفاه زملائه، وتشفي بعض اعدائه، فقرر تقديم استقالته وانقطع عن خدمه الوطن، وتفرغ لاعمال المحاماه وبعض "البيزنس" الخاص به.. حتي جاء اليوم المشئوم، يوم 5 مايو 2011، وخرج لعمله، وكان يستقل سيارات تاكسي في تنقلاته لعدم قدرته علي قياده السياره، بعد بتر ذراعه الايمن.
وانتظرته زوجته وطفليه علي طعام الغذاء كعادته، ولم يحضر، واتصلت الزوجه علي هاتفه المحمول فوجدته مغلقًا.. واعتقدت انه انشغل في عمله، حتي جاء المساء ولم يعد.. ومضت الساعات بعد منتصف الليل، وسالت عليه والدته واشقائه واصدقائه دون جدوي، وبدا الخوف ينتابهم، ومرت الساعات علي اسرته كالدهر، حتي جاء الصباح، وطافت كل شوارع منطقه بولاق الدكرور حيث تقيم، والمهندسين وغيرها، وطرقت اسرته جميع ابواب المستشفيات واقسام الشرطه حتي مشرحه زينهم، وكان الشاب فص ملح وذاب في الماء.
واسرعت الزوجه الي قسم شرطه بولاق الدكرور، وحررت محضرا باختفائه، ولم تستدل تحريات المباحث علي شيء وخاصم النوم جفون الاسره المكلومه شهرا كاملا، وبذور الامل تنمو بداخلهم.. بان الحبيب الغالي لابد ان يعود وان طال غيابه.. فهو من شهد له الجميع بمكارم اخلاقه وتواضعه بين جيرانه، فكان مثل نسمه هواء بارده في نهار صيف شديد الحراره، واتخذت والدته من نافذه شباك غرفته ماوي لها بعينيها الصغيرتين تراقب كل من يمشي في الشارع، لعل بصرها الضعيف يقع علي فلذه الكبد، والطفلان البريئان لا يكفان عن السؤال عن "بابا"، والزوجه الشابه تنتظر شريك العمر الذي يقاسمها الحياه بحلوها ومرها، والاشقاء ينتظرون عوده الظهر والسند والامان والحمايه.
لم يدر بخلد الاسره انه رحل بلا رجعه، وان عودته دربًا من دروب الخيال، حتي فوجئت الزوجه بامين شرطه من قسم البساتين يطرق بابها، وبعد تاكده ان تلك الشقه تخص الضابط السابق فلان تهللت اسارير الزوجه بمجرد السؤال عن الغائب.. لابد ان الشرطه توصلت لمكانه، وهذا الشرطي جاء ليزف لها خبر التوصل اليه، وسالته في لهفه هل عرفتم مكانه؟.. هل هو بخير؟.. هو فين ارجوك؟.. والشرطي تسمر في مكانه وانحشرت الكلمات داخله عندما وقع بصره علي الام وهي تسال عن فلذه كبدها بلهفه، ولم ينطق سوي كلمه البقاء لله.. شدوا حيلكم، تعالوا معايا لكي تتعرفوا علي الجثه.. اصوات الصراخ تعالت.. وهرولت الاسره الصغيره مع الشرطي الي منطقه المعادي الجديده.. وتساءلت الزوجه ما الذي جاء به لهذه المنطقه.. ليس لنا فيها اقارب او معارف.. من المؤكد ان القتيل ليس زوجي.. قف بجوارنا يا الله طفلي صغيرين ويحتاجان الي والدهما.. حتي وصلت الزوجه وعائلته الي السياره الملاكي، ومجرد ان شاهدته والدته.. شهقت شهقه كادت تزهق روحها.. من هذا الجبار المجرم الذي هان عليه قتل ولدي.. وشقت الصرخات واللطمات سكون الحي الهادئ.
وامر احمد الصواف مدير نيابه البساتين بنقل جثه القتيل الي الطب الشرعي لتشريحها، وتكليف المباحث بسرعه كشف غموض الحادث البشع.
المصدر / جريدة الأهرام ( مصر ) .