خادم المسيح مشرف (ة)
الجنس : عدد المساهمات : 24257 التقييم : 4957 تاريخ التسجيل : 11/08/2012 البلد التي انتمي اليها : العراق
| موضوع: ╬ سـنة الإيمان : يسوع المسيح هو " وسيط الوحي بكامله وملـؤهُ " ╬ الجمعة ديسمبر 27, 2013 2:22 pm | |
| ســنة الإِيمَانِ : يسوع المسيح هو " وسيطُ الوحي بكامِلِه وملؤُهُ " المقابلة العامة للپاپا بندكتس السادس عشر في قاعة پولس السادس . الأخوات والإخوة الأعزاء : يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي في الوحي الإلهي " كلمة الله " ، أن الحقيقة العميقة لكل وحي الله تسطع لنا " في المسيح الذي هو وسيطُ الوحي بكامِلِه وملؤُهُ في آنٍ واحد " . ( بند 2) . يخبرنا العهد القديم كيف أن الله - بعد الخلق ، وبرغم الخطيئة الأصلية ، ورغم كبرياء الإنسان الذي أراد أن يضع نفسه مكان خالقه - قد منحه مجددا إمكانية صداقته ، لا سيما عبر العهد الذي أقامه مع إبراهيم ، وعبر المسيرة مع الشعب الصغير ، شعب إسرائيل ، الذي قد اختاره لا بحسب معايير القوة الأرضية ، بل وببساطة من خلال الحب . إنه اختيار يبقى سرًا ويَكشف عن اسلوب الله الذي يدعو البعضَ ، لا ليستبعد الآخرين ، وإنما ليكونوا جسرًا يقود إليه : فالاختيار هو دائما اختيار من أجل الآخر . يمكننا أن نقتفي آثار بعض المحطات الهامة في المسيرة الطويلة لتاريخ شعب إسرائيل والتي من خلالها يكشف الله عن نفسه ، ويوحي عن ذاته ، ويَدخل في التاريخ مع شعبٍ عبر كلمات وأفعال . ولإتمام هذا العمل ، فقد استعان الله بوسطاء كموسى ، والأنبي اء، والقضاة ، الذين أبلغوا الشعب بمشيئته، وذكّروه بضرورة الأمانة للعهد وابقوا حيًّا انتظار التحقيق الكامل والنهائي للوعود الإلهية . في الحقيقة اننا في الميلاد المقدس نتأملُ تحقيقَ وعودِ الله هذه : حيث يصل وحي الله إلى قمته ، وإلى ملئه . ففي يسوع الناصري ، يزور الله فعليًّا شعبه ، يزور البشرية بطريقة تتخطى كل التطلعات : يرسل ابنه الوحيد ؛ الله نفسه يصير إنسانًا . ولهذا فيسوع لا يقول لنا فقط شيئا ما عن الله ، ولا يتكلم ببساطة عن الآب ، ولكنه هو وحي الله ، لأنه هو الله ، وبالتالي فهو الذي يكشف عن وجه الله . يكتب القديس يوحنا في مقدمة إنجيله : " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه " . ( 1،: 18 ) . أودّ اليوم التوقف عند هذا التعبير : " يكشف عن وجه الله " . يخبرنا القديس يوحنا في إنجيله ، في هذا الصدد ، بالحدث المهم ، الذي سمعناه حالا . فيسوعُ ، عند اقترب وقت الآلام ، شاء أن يطمئن تلاميذَه داعيا إياهم لعدم الخوف وللتحلي بالإيمان ؛ ثم أخذ ، عبر الحوار معهم ، يحدثهم عن الآب . ( راجع يو 14 14، 2-9 ) . وفي لحظة معينة ، يسأل الرسولُ فيلِبُّس يسوعَ : " ياربّ ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا " . ( يو 14، 8 ) . إن فيلِپس عمليٌّ وواضحٌ - وهو يعبر أيضًا عما نريد نحن قوله : " نريد أن نرى ، أرنا الآب " - فيطلب أن " يرى " الآب ، أن يرى وجهه . فيأتي جواب يسوع - لا فقط لفيلِپس بل ولنا أيض ا- ليُدخلنا في قلب الإيمان الإسكاتولوجي ؛ الرب يؤكد أن : " مَن رآني رأَى الآب " . ( يو 14، 9 ) . إن هذا التعبير يلخص جدّة ما جاء به العهد الجديد ، أي البُشرى التي ظهرت في مغارة بيت لحم : حيث اصبح ممكنًا رؤية الله ، حيث قد كشف الله عن وجهه ، قد اصبح منظورا في يسوع المسيح . إن موضوع " البحث عن رؤية وجه الله " ، والرغبة في التعرف على هذا الوجه ، والطوق في معرفة الله كما هو ، هو موضوع حاضر بوضوح في كل العهد القديم ، لدرجة أن التعبير العبري بانيم ( pānîm ) ، والذي يعني " وجه " ، قد ذُكر أكثر من 400 مرة ، من بينهم 100 مرة للإشارة لله : 100 مرة للتعبير عن الرغبة في رؤية وجه الله . برغم أن الديانة العبرية تمنع تماما الصور ، لأن الله لا يمكن تصويره – على خلاف ما كانت تفعله الشعوب المجاورة في عبادتها للأوثان- وبالتالي فالعهد القديم ، بمنعه للصور ، يبدو أنه يستبعد نهائيا الـ " نظر " من العبادة ومن التقوى . ماذا يعني إذا ، بالنسبة للإسرائيلي التقيّ ، البحث عن رؤية وجه الله ، رغم معرفته استحالة الحصول على صورة له ؟ السؤال في غاية الأهمية : فمن ناحية هناك الرغبة في تأكيد أن الله لا يمكن اختزاله في " شيء حسيّ " ، كما هو الحالة في صورة يمكن حملها بين اليدين ، بل ولا يمكن أيضا وضع اي شيء أخر مكان الله ؛ ولكن من ناحية أخرى ، هناك ، أيضا ، التأكيد بأن الله له وجه ، أي أنه " الأنت " الذي يمكننا أن ندخل معه في علاقة ، أي أنه ليس منغلقا في علو سمائه ، وينظر من فوق إلى البشرية . إن الله بالطبع يفوق كل شيء ، لكنه يتوجه لنا ، يسمعنا ، يرن ا، يتكلم، يقيم عهدا ، إنه قادر على الحب . فتاريخ الخلاص هو تاريخ الله مع البشر، هو تاريخ علاقة الله هذه والتي كُشفت للإنسان تدريجيا ، فالله هو ذاته الذي يكشف عن وجهه . لقد سمعنا ، تحديدا في بداية العام ، يوم 1 يناير/ كانون ثاني ، في الليتورجيا ، صلاةَ بركة الشعب الرائعة : " يبارِكُكَ الرَّبَّ ويَحفَظُكَ ، ويُضيءُ الرَّب بِوَجهِه عَلَيكَ ويَرحَمُكَ ، وَيرفَعُ الرَّبّ وَجهَه نَحوَكَ . ويَمنَحُكَ السَّلام ! " . ( عد 6، 24-26 ) . فبهاء الوجه الإلهي هو مصدر الحياة ، إنه هو الذي يسمح برؤية الواقع ؛ فنور وجهه هو دليل الحياة . في العهد القديم هناك شخص مرتبط بطريقة فريدة بموضوع " وجه الله " ؛ إنه موسى، الذي اختاره الله ليحرر الشعب من عبودية مصر ، وليمنحه من خلاله شريعةَ العهد وليقوده نحو أرض الموعد . حسنا ، يُقال في الإصحاح 33 من سفر الخروج ، أن موسى كان صاحب علاقة قريبة وحميمة مع الله : " وُيكَلِّمُ الرَّبُّ موسى وَجهاً إِلى وَجْه ، كَما يُكَلِّمُ المَرءُ صَديقَه " ( 11 ) . ولأجل هذه الحميمية قد طلب موسى من الله : " أَرِني مَجدَكَ " ، وقد كان جواب الله واضحًا : " أَمُرُّ بِكُلِّ حُسْني أَمامَكَ وأُنادي بِاسمِ ... أَمَّا وَجْهي فلا تَستَطيعُ أَن تَراه لأَنَّه لا يَراني الإِنْسانُ وَيحْيا ... هُوَذا مَكانٌ بِجانِبي ... ستَرى ظَهْري ، وأَما وَجْهي فلا يُرى " ( 18- 23) . من ناحية ، إذا، هناك الحوار وجها لوجه كما بين الأصدقاء ، ولكن، من ناحية أخرى ، هناك الاستحالة ، في هذه الحياة ، لرؤية وجه الله ، الذي يبقى محجوبا ؛ ومن ثمَّ فالرؤية هي محدودة . يقول الآباء أن هذه الكلمات : " ستَرى فقط ظَهْري " ، تشير إلى أن الإنسان : يمكنه فقط اتباع يسوع ، لأنه بالمشي خلفه يرى فقط ظهر سر الله ؛ لأن الله يمكن فقط إتباعه ، عن طريق رؤية ظهره . في التجسد قد حدث شيءٌ جديدٌ كليٌّ . قد حدث تطورا لا يمكن تخيله في مسيرة البحث عن معاينة وجه الله ، فقد أصبح ممكنا رؤية هذا الوجه : إنه وجه يسوع ، ابن الله الذي صار إنسانًا . فمسيرة الوحي الإلهي ، التي بدأت بدعوة إبراهيم ، تجد في المسيح كمالها ، إنه ملء هذا الوحي لأنه ابن الله ، ولأنه في ذات الوقت " وسيطُ الوحي بكامِلِه وملؤُهُ " ( دستور عقائدي ، في الوحي الإلهي كلمة الله ، 2 ) ، ففي المسيح مضمون الوحي والواحي يتطابقان . إن يسوع يظهر لنا وجه الله ويعرفنا على اسم الله . كما يقول في الصلاة الكهنوتية ، أثناء العشاء الأخير ، مخاطبا الآب : " أظهَرتُ اَسمَكَ لِمَنْ وهَبتَهُم لي مِنَ العالَمِ ... أظهَرْتُ لهُمُ اَسمَكَ " ( راجع يو 17، 6. 26) . إن تعبير " اسم الله " يعني أن الله هو ذاك الحاضر بين البشر . ذاك الإله الذي قد كشف ، في العليقة المشتعلة ، لموسى ، عن اسمه ، أي أنه منح إمكانية مناداته ، معطيا علامة ملموسة لـ " كينونته " بين البشر . كل هذا يجد تحقيقه وملئه في يسوع : فهو قد افتتح بطريقة جديدة لحضور الله في التاريخ ، لأن من يراه يرى الآب ، كما قال لفيلِپس . ( راجع يو 14، 9 ) . إنّ المسيحية – كما أكد القديس برناردو - هي " ديانة كلمة الله " ؛ لكنها ليست ديانة " كلمة مكتوبة وصامتة ، بل الكلمة المتجسد والحيّ " ( Hom. super missus est, IV, 11: PL 183, 86B) . كانت تستخدم في التقليد الآبائي وفي العصور الوسطى صيغة خاصة للتعبير عن هذا الواقع : يُقال إن يسوع هو الكلمة المختصر Verbum abbreviatum ( راجع رو 9 ، 28 للإشارة إلى أش 10، 23 ) ، إنه الكلمة المختصر، إنه الكلمة المقتضب والموجز والضروري ، والذي من خلاله قال الله لنا كل شيء عن ذاته . في يسوع كل " الكلمة " حاضر . تصل أيضا الوساطة بين الله والإنسان في يسوع إلى كمالها . ففي العهد القديم قد قامت مجموعة كبيرة من الأشخاص بهذا الدور ، خاصة موسى ، المحرر ، والمرشد ، و" وسيط " العهد ، كما عرفه أيضا العهد الجديد . ( راجع غل 3، 19؛ أع 7، 35؛ يو 1، 17 ) . ولكن يسوع ، الإله الحق والإنسان الحق ، ليس ببساطة مجرد واحد بين هؤلاء الوسطاء بين الله والإنسان ، لكنه هو " الـوسيط " للعهد الجديد والأبدي . ( راجع عب 8، 6؛ 9، 15؛ 12، 24) ؛ " لأنَّ الله واحدٌ - كما يقول پولس - والوَسيط بينَ الله والناسِ واحدٌ هوَ المَسيحُ يَسوعُ الإنسانُ " ( 1 تي 2، 5؛ راجع غل 3، 19-20) . ففيه نحن نرى ونتقابل مع الآب ؛ فيه يمكننا دعوة الله " أبا ، أيها الآب " ؛ وبه ننال الخلاص . إن الرغبة في معرفة الله حقا ، أي رؤية وجه الله هي محفورة في كل إنسان ، حتى في الملحدين . فلدينا نحن أيضا ، ولو بطريقة غير واعية ، تلك الرغبة في معاينة " مَن هو " ببساطة ، وهكذا ، مَن هو بالنسبة لنا . إن هذه الرغبة تتحقق فقط باتباع يسوع ، حيث نمشي خلفه فنرى في النهاية أيضا الله كصديق ، نري وجهه في وجه المسيح . المهم هو أن نتبع يسوع ليس فقط في وقت الاحتياج أوعندما يتوفر لنا المجال بين كثرة مشاغلنا اليومية ، بل بحياتنا بحد ذاتها . يجب أن يكون كل وجودنا متوجها نحو اللقاء مع يسوع المسيح ، نحو محبته ؛ وفي هذه المحبة ، يجب أن نعطي مكانا خاصة لمحبة القريب ، ذاك الحب الذي ، تحت ضوء المصلوب ، يجعلنا نتعرف على وجه يسوع في الفقير ، والضعيف والمتألم . كل هذا ممكنا فقط إذا أضحى وجه يسوع الحقيقي مألوفا لدينا عبر الإصغاء لكلمته ، عبر مخاطبته باطنيا ، عبر الانخراط في هذه " الكلمة " للقائه فعليا ، وبالطبع في سر الإفخارستيا . ذو دلالة خاصة المقطع الموجود في إنجيل القديس لوقا عن تلميذي عماوس ، اللذان تعرفا على يسوع في كسر الخبز ، وذاك لأنه قد تم تحضيرهما مسبقا أثناء السير معه ، ومن خلال دعوتهما له للبقاء معهما ، وعبر الحوار الذي أشعل قلبهما ؛ إن كل هذا ، في النهاية ، اوصلهما إلى رؤية يسوع . هكذا بالنسبة لنا ، فسر الإفخارستيا هو تلك المدرسة العظمى التي نتعلم فيها رؤية وجه الله ، حيث ندخل في علاقة حميمة معه ؛ ونتعلم ، في ذات الوقت ، التطلع بأعيننا نحو وقت نهاية التاريخ ، عندما سيشبعنا المسيح بنور وجهه . فنحن ، على هذه الأرض ، نسير نحو ذاك الملء ، في الانتظار السعيد للمجيء الحقيقي لملكوت الله .
**************** الپاپا يُصَلِّي مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ النَّاطِقِينَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ . لِيُبَارِكْ الرَّبُّ جَمِيعَكُمْ . المصدر / دار النشر ـ الفاتيكان . | |
|