حياة وروحانية القديسة كلارا الأسيزية :
ولدت القدّيسة كلارا في مدينة أسّيزي في إيطاليا ، حوالي سنة 1194.
وصارت تشعّ بالبراءة منذ صغرها. فأخذت عن أمّها مبادئ الإيمان ،
واستسلمت للروح القدس ليصوغها كما يشاء فصنع منها إناءً نقيّاً قابلاً لاحتواء كلّ النعم .
وكانت تمدّ يد العون إلى الفقراء بعفويّة ، وتستعمل ثراءها للتخفيف من آلامهم .
فكانت تحرم نفسها ألوان الطعام اللذيذة ، وتحملها في الخفية للأيتام الفقراء .
وهكذا نمت فيها المحبّة وهي بعد في بيتها الوالديّ ،
ونما فيها روح عطوف ، فتشفق على البائسين التعساء .
وكانت الصلاة أفضل ما تملأ به وقتها . وعندما شعرت بوثبات الحبّ الأكبر تصعد إلى قلبها ،
زهدت في مظاهر الجمال الدنيويّ .
سمعت كلارا بالقدّيس فرنسيس الذي ذاعت شهرته . وسرعان ما تمنّت السير على خطاه .
فذهبت إليه ، وفاتحته بسرّها وبرغبتها بتكريس ذاتها كليّاً لله ، وبعيش الإنجيل بالفقر والصلاة .
وعندما وافق فرنسيس ، مضت تاركةً وراءها بيتها وعائلتها ، متّجههً نحو دير سيّدة الملائكة .
وهناك استقبلها فرنسيس مع الإخوة ، وودّعت كلارا العالم وداعاً نهائيّاً . وبدأت المسيرة !
انتشر الخبر بسرعة في أوساط العائلة ، فشجب الجميع قرار كلارا ، واتّفقوا على موعد يهرعون
فيه جميعاً إلى الدير . لكن محاولتهم باءت إلى الفشل .
وسرعان ما لحقت بها أختها أنياس ، رغم المقاومة الشديدة للعائلة .
لم يطل الأمر حتى صارت النساء والفتياة يهرعن إليها .
فصارت الجماعة تنمو بسرعة وتزدهر تحت إشرافها ، رغم صغر سنّها .
وكان الجميع يعيش فقراً مطلقاً ، وطاعةً ساميةً ، لأنّ محبّة الله كان محرّكها الأساسيّ .
" نحن معاونـوا الله "
كانت القدّيسة كلارا خادمةً ومسؤولةً عن أخواتها . فكانت توقظهم من النوم لصلاة منتصف الليل ،
وتقوم بالأعمال الوضيعة . كانت تؤمن إيماناً كبيراً بالإنسان : فكانت بمثابة مدرسةٍ حقيقيّة للتنشئة ،
مبنيّةٍ على نظرةٍ إيجابيّة للإنسان . فهي تقول أنّ المؤمن هو أكثر أهميّة من السماوات ،
لأنّ السماوات لا تسع الله ، بينما المؤمن هو مسكنٌ للرب .
" لم يخلق الله ممتلكات ، بل هدايا "
كانت ترغب القدّيسة كلارا في أن تعيش أخواتها في الدير، دون ممتلكات ودون الاهتمام بالغد .
وكانت تريد امتيازاً واحداً : العيش دون امتيازات !
كان الفقر، بالنسبة لها ، مسألة هويّة : اتّباع المسيح الفقير والمصلوب !
لقد اعتنقت الفقر، لأنّ حبيبها اعتنقه أيضاً .
" النظر والتأمّل "
كانت صلاة كلارا بصريّة جدّاً . فكانت تستعمل الحواس كثيراً : النظر، التأمّل ، المشاهدة ،...
كي نصلّي ، لا نحتاج لأن نغلق أعيننا وأن نختبى عن العالم . إنّما أن ننظر:
ننظر إلى العالم بعينيّ الله وننظر إلى المسيح مرآتنا . لأنّ النظر يخلق شبهاً .
إنّ حضارتنا مليئة بالصور ( التلفزيون ، الإنترنت ، الموضة ،... ) التي تؤثّر علينا وتغيّر حياتنا .
لكنّ مرآة المسيح تحرّرنا وتحوّل كياننا . يكفي أن ننظر كلّ يوم وبصورة مستمرّة .
" صلوات القديسة كلارا الأسيزية "
إيماناً منّا بأنّ رسائل القدّيسة كلارا للقدّيسة أنياس من براغ تنبع من صلاتها الشخصيّة ،
لقد نسّقنا الصلوات التالية ، بتصرّف ، انطلاقاً من رسائلها . علَّ هذه القدّيسة العظيمة
تعلّمنا النظر معها في مرآة الأبديّة . الأخ طوني حدّاد الكبّوشي .
1 . رغبة قلبي (1 ر أ 8-14 )
عندما أُحبُّكَ، ربِّ ، أبقى عفيفة .
عندما أُعانقك ، ربِّ ، تَزيدني طهراً .
عندما تمتلكني ، ربِّ ، تكرّسني بتولاً .
فلا أقوى من قدرتك ،
ولا أوفر من سخائك ،
ولا أجمل من مظهرك ،
ولا ألطف من حبِّك ،
ولا أكمل من نعمتك .
أنتَ الذي كرّستني لعناقك ،
وجعلتني لك عروساً وأُمّاً وأُختاً .
قوِّني لخدمتك تحت راية البتوليّة
والفقر السامي القداسة .
إنَّ رغبةَ قلبي المتّقدة أن أتّحدَ بك ،
يا يسوعي الفقير والمصلوب ،
يا من تحمّلتَ لأجلنا آلام الصليب ،
ونجّيتنا من سلطان الظلمات .
2 . صُن أمانتي ( 2 ر أ 10-14 )
يا إلهي الحبيب ،
هبني أن أُحافظ بعنايةٍ على كلِّ ما اكتسبتُه ،
وأُتقنَ عملَ كلِّ ما أقومُ به .
فلا أتراجعَ أبداً ،
بل أُسرعَ وأركض بخطىً خفيفة ،
دون أن أتعثّرَ بحجارة الطريق ،
بل دون أن أُثيرَ غباراً على قدميَّ .
وأنطلقَ بثقةٍ وفرحٍ ورشاقة ،
ومع ذلك أتقدّمَ بكلِّ حذرٍ على طريقِ السعادة .
فلا أضعَ ثقتي بأحدٍ دون تمييز ،
أو أستسلمَ لمن يريدُ انحرافي عن دعوتي ،
وإعاقةَ مسيرتي ، وعرقلةَ أمانتي
للكمال الذي يدعوني إليه ، روحُك يا إلهي .
فلك أُقدّمُ ذاتي قرباناً مقدّساً ومرضيّاً .
3 . يسوع المصلوب (2 ر أ 20-21 )
أَنظرُ إليكَ ،
يا يسوعي المصلوب ،
وأتأمّلك ،
وأشاهدك .
ولا أُمنيةَ لي سوى الاقتداء بك .
إن تألّمتُ معكَ ، أملكُ معكَ .
إن بكيتُ معكَ ، أفرحُ معكَ .
إن متُّ معك على صليب العذاب ،
أرثُ الأخدارالسماويّة في بهاء القدّيسين ،
ويدوَّنُ اسمي في سفر الحياة ،
ويصير مجيداً بين الناس .
4 . تسليم الذات ( 3 ر أ 12-17 )
ربِّ ، يا ابن الله العليّ ،
يا من ولدتهُ العذراء وما لبثت بتولاً ،
أضعُ روحي أمام مرآة الأبديّة ،
وأدعُ نفسي تسبحُ في بهاء المجد ،
وقلبي يتّحدُ بصورة الجوهر الإلهيّ .
فبمشاهدتي لك ،
حوِّل كلَّ كياني إلى صورة أُلوهتك .
فأشعرَ ، حينئذٍ ، بما يشعرُ به أصدقاؤك ،
أولئك الذين يتذّوقون العذوبة السريّة
التي أعددتَها منذ البدء للذين يحبّونك .
وأُحبَّك بكلِّ كياني ،
يا من بذلتَ كلَّ كيانِك ، حبّاً بي .
5 . أنتَ إلهي ، أنتَ كلّي ( 4 ر أ 9-13 )
أيّها الحمل الذي لا عيبَ فيه ،
أنتَ يا من يغفر خطايا العالم ،
أُحبُّك من كلِّ قلبي .
جمالُكَ يُدهشُ الملائكة طولَ الأبديّة ،
وحبُّكَ يَزيدني سعادةً ،
والتأمّلُ بك يزيدني قوّةً .
أنتَ تغمرني بحنانك ،
وترويني بعذوبتك .
ذكرُكَ يشعُّ حلاوةً ،
وعِطرُكُ يحيي الأموات ،
ورؤيتُك المجيدة تملأ غبطةً
سكانَ أورشليمَ السماويّة .
6 . عروسي السماوي ( 4 ر أ 30-32 )
خذني معك يا عروسي السماوي .
إنّي أركض في إثرِ أريجك .
أركضُ ولن أتوقّفَ ،
حتى تُدخِلَني خباءَك ،
وتُسنِدَ يُسراك رأسي ،
ويمينُك تعانقَني ،
وفمُكَ يُعطِيَني القبلةَ اللذيذة .
7 . مباركٌ أنتَ ، لأنّكَ خلقتني ( الرسائل الأربع )
إلهي ..
أنتَ القدرة والسخاء ،
أنتَ الجمالُ واللطفُ والحنان ،
أنتَ مصدرُ كلِّ خيرٍ وكمالٍ .
أنتَ الحكمةُ العجيبة والكنزُ الخفيّ
في حقلِ العالم وقلب الإنسان .
أنتَ بهاءُ المجدِ الأبديّ ،
وإشعاعُ النورِ الأزليّ ،
والمرآةُ التي لا عيبَ فيها .
المصـدر / منتدى دير الملاك جبرائيــــــل .