إعداد الدكتور سامي محمود :
* وكان جحـا أكثر من اليهودي مكراً ... *
كان من عادة حجا أن يدعوا الله كل مساء ويطلب أن يعطية ألف دينار ذهباً .. وأنه لا يقبلها
إذا كانت تسعمائة وتسعاً وتسعين , وكان له جار يهودي يسمع كل يوم هذا الدعاء فأراد أن
يسخر من جحـا ويضحك عليه , فأخذ تسعمائة وتسعاً وتسعين ديناراً ذهباً ووضعها في كيس
ولما كان المساء وسمع جحـا كعادتة يدعو الله رمي إليه بالكيس من النافذة المفتوحة وراح ينظر ماذا يفعل جحـا ؟ .
إنه لأمر مدهش حقاً أنْ يجـد جحـا فجأة أمامه كيساً مملوءاً بالدنانير ...
لقد شكر ربه وحمل الكيس بكل خشوع ووقار وأخذ يعــدّ مابه من دنانير فوجده ماكان يدعو
به ربه إلاّ ديناراً واحداً .. فلم يحفل بالدينار الناقص ولم يهتم بنقصه وقال في نفسه :
إن الله الذي أعطاه تسعمائة وتسعاً وتسعين ديناراً قادر على ان يعطيه الدينار الناقص ثم أخذ الكيس وخبأه ..
فلما رأى اليهودي منه ذلك أسرع إلى دار جحـا ضاحكاً وقال له :
رد لي دنانيري فقد أرت مداعبتك والتسليه عنك .. فقال جحـا وعلامات الدهشة والأستغراب
تملأ عينـــاهُ : أي دنانير تريدها مني فهل سبق لك انْ سلفتني شيئاً ؟
قال اليهودي : وقد فارقتـه ضحكته وزحف الخوف عينـاه وقال : يا سيدي يا سيدي جحـا
إنّ الدنانير التي بالكيس هي دينانيري .. دينانيري !! وقد ألقيتها لك من النافذه ! .
قال جحـا وقد علا الجـدّ نبرة صوته : انـتَ بلا شك مجنون ..
فما سمعنا يوماً انّ يهودياً يخاطر بكل هذا المبلغ ويرمى به من النافذه لأحـد من النّاس !
أنني دعوت الله وهو سبحانه أعطاني من خزائنه الواسعة وهكذا آستمر النقاش بينهما ..
وجحـا لا يريد ان يتزحزح عن قوله .. وهنا أدرك اليهودي انه قد وقع في شرك قاتل ! ..
وأن لابـدّ للقاضي أن يحسم هذا الخلاف فقال لجحـا وهو يكاد ان يموت غيظاً وخوفاً : إذن فلنذهب إلى المحكمة !
قال له جحـا : كما تريد .. ولكنني رجل كبير في سن لا أستطيع الذهاب إلى المحكمة لانها بعيدة والطقس
بارد وليس عندي من الثياب ما يـردّ عنّي شدة البرد ! .
فقال اليهودي على الفور : أنا آتيك بحصان وفروة .
وهكذا سار اليهودي على رجليه وركب جحـا وآرتدى الفروة وذهبا إلى المحكمة ودخلا على القاضي ..
لم يكاد اليهودي يدخل على القاضي .. حتى بدأ يروي قصتة باكياً شاكياً من ألاعيب جحـا وسطوته على ماله
حتى أنتهى من حديثه قال القاضي لجحـا :
وأنت ماذا تقول .. ؟ فقال جحـا : سله ياسيدي القاضي ..
لم يكن قد أعطاني في يوم من الأيام درهماً بيده ..
الآن قد جاء يشكوني لانه سمعني أعد دناريري والحقيقة أنني طلبت من الله هذا المال
وهو سبحانه الكريم قادر أعطاني ما طلبت ..
وما هذا اليهودي فمعروف عنه ؟ أنه لو رأى شخصاً يموت جوعاً لما جادَ عليه بقطعة من الخبز ..
فكيف يصـدّق على أحد أنْ يعطيهِ كل هذا الميلغ مـن المال ؟ وإنما هو يريدأنْ ينكـرعلـيّ مالي ويأخـذه مني ..
ولو أستطاع أن يـدّعي انّ حصاني الموجود في الخارج هـو حصانه لما تأخـرّ أنْ يفعلها ! .
وهنا دهش اليهودي من هذا القصة الجديدة .. وخاف ان يلحق الحصان بالمال فقال صارخاً :
وهل الحصـان هو حصانك أيضا ؟ وقد جئـتُ به لتركبه لأنك أدعيت انك شيخ عجوز
لا تقدر على المشي إلى المحكمة ؟ !.
قال جحــا : العدل يا حضرة القاضي .. ها هو يريد أن يجعل الحصان له إيضاً , أنني لست آمنا
على كل ما أملكه .. ولا حتى على ما أرتديه من ملابس .. ولعله يقول ان هذه الفروة
التي ألبسها هي له أيضاً ؟ فارتبك اليهودي وغرق في حيرته فقال :
أو ليست هذه الفروة فروتي إيضاً ؟
هنا نهض القاضي ووضـع حـدّاً لهذا الخلاف بين جحــا واليهودي وقال لليهودي :
أخرج من هنا .. لقد ظهر خداعك وبطلان قضيتك .. أنت تريد ان تسلب جحـا كل ما يملك !.
فخرج اليهودي وهو يلطم خديه ويبكي .. لم يضع ماله فحسب .. بل وضاعت منـه فروته
وحصانه أيضاً .. أما جحـا فقد ركب الحصان وعاد إلى بيته ضاحكاً ومطمئناً ..
ولما وصل داره .. أرسل يطلب اليهودي وعندما جاء اليهودي متوسلاً منكسراً خيّره جحـا بين
دنانيره وبين حصانه وفروته ! .. فآختار اليهودي الدّنانير ..
وطلب منه جحـا انْ لا يتدخل بعد اليوم بين مخلوق وخالقه ..
فكان درسٌ لليهودي أكبر من كـلّ درس في حياتــــــهِ !!! .