القديس يوحنا إبن زبدى الرسول ( يوحنا الإنجيلى )
القديس يوحنا الإنجيلى ( بالعبرية يوحانون ومعناه الله يتحنن، أسمه بالإنجليزية John)) ويعرف ايضاً
بيوحنا الرائى وبيوحنا الحبيب ، هو إبن زبدى وسالومة وشقيق يعقوب وكان الشقيقان
من تلاميذ المسيح الإثنى عشر، وبحسب التقليد المسيحى فإنه كاتب إنجيل يوحنا وكاتب الرسائل الثلاث
التى تنسب إليه وأخيراً كاتب سفر الرؤيا . بعض علماء العهد الجديد يقارنون بين النصوص الواردة فى
( يوحنا25:19 ) و( متى56:27) و ( مرقس 40:15 )
( وقد ذكرنا هذا عندما تكلمنا عن القديس يعقوب بن زبدى أخو يوحنا ) بحسب الإنجيل فإن يوحنا هو إبن زبدى
وشقيق يعقوب الكبير واسم أمه سالومة وكان الأخوان يعملان مع والدهما زبدى بصيد السمك فى بحيرة
جنيسارات - بحيرة طبرية - ، كان فى البدء من تلاميذ يوحنا المعمدان وبعد ذلك أصبح واحداً من تلاميذ
يسوع الإثنى عشر، وهو من القديسين الكبار بالنسبة لمعظم المسيحيين وتعيد له الكنيسة الكاثوليكية فى
الـ 27 من ديسمبر/ كانون الأول بينما تعيد له الكنائس الأرثوذوكسية فى الـ 26 ستمبر/ أيلول
كان ليوحنا موقع بارزز بين الرسل الإثنى عشر فكان يسوع يختصه مع بطرس ومع يعقوب
لمعاينة أحداث مهمة وخاصة ، فقد شهد هؤلاء الثلاثة حادثة إقامة يسوع لإبنة أحد رؤساء اليهود من الموت
وحادثة تجلى يسوع على الجبل، والآلام فى بستان جثسيمانى ، وقد كان يوحنا وبطرس هما الوحيدان اللذان
أرسلهما يسوع إلى المدينة لتحضير عشاء الفصح أو العشاء الأخير، وفى أثناء العشاء كان ليوحنا مركزاً مميزاً
على المائدة فقد كان جالساً بجانب يسوع ومتكئاً على صدره، وبحسب معظم تفاسير الإنجيل فإن يوحنا كان
" التلميذ الآخر" الذى تبع مع بطرس يسوع بعد القبض عليه وأخذه إلى بيت رئيس كهنة اليهود ويوحنا
كان التلميذ الوحيد المتواجد عند أقدام الصليب وأثناء وجود يسوع على الصليب طلب منه الأعتناء
بأمه مريم من بعده ، وبعد القيامة ذهب يوحنا مع بطرس عدوا إلى قبر يسوع للتأكد من خبر قيامته ووصل يوحنا
إلى هناك أولاً وكان أول من آمن من التلاميذ بقيامة المسيح ولاحقاً عندما ظهر يسوع لسبعة من تلاميذه
على شاطىء بحيرة جنيسارات كان يوحنا مرة أخرى أول من تعرف على يسوع
كان يوحنا معتاداً أثناء كتابة إنجيله على عدم ذكر أسمه بل كان يكتب " التلميذ الذى كان يسوع يحبه "
وبعد صعود يسوع إلى السماء أخذ يوحنا مع بطرس مكانة هامة فى قيادة الكنيسة الناشئة
ومع بطرس قام بشفاء كسيح على باب الهيكل ، ومع بطرس أيضاً ألقى فى السجن
بسبب تبشيرهما بالمسيح ،كما أنه كان أيضاً برفقة بطرس عندما زارا السامرة لمباركة المهتدين الجدد
بعد صعود يسوع بقى يوحنا مع تلاميذ آخرين فى فلسطين قرابة الإثنى عشر عاما وبعد أن بدأ أضطهاد
الملك هيرودس أكريبا للمسيحيين تفرق الرسل فى مختلف الإمارات الرومانية ، ويعتقد أن يوحنا كان
قد توجه حينها إلى آسيا الصغرى للمرة الأولى حيث بشر هناك
وعلى كل حال كان يوجد جماعات مسيحية فى أفسس قبل وصول بولس الرسول إليها ، ولكن من المؤكد
بحسب الإنجيل أن يوحنا عاد مع عدد من التلاميذ إلى أورشليم وعقدوا فيها ماعرف بمجمع الرسل حوالى
عام 51م وقد ذكر الرسول بولس فى رسالته إلى الغلاطيين بأنه زار أورشليم والتقى فيها ببطرس
ويوحنا ويعقوب الصغير وسماهم بـ "أعمدة الكنيسة" وأخذ منهم يمين الشركة أى أعترفوا به كرسول للمسيح
( غلاطيين2 : 9 ) وهذا يدل على أهمية يوحنا فى جسم الكنيسة الأولى
يعتقد بأن يوحنا هو كاتب خمسة أسفارمن أسفار كتاب العهد الجديد وهى إنجيل يوحنا رسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا
بحسب التقليدين الارثوذكسى والكاثوليكى فأن يوحنا أنتقل وبرفقته مريم والدة يسوع إلى
مدينة أفسس جنوب آسيا الصغرى ،حيث أعتنى يوحنا بالعذراء كإبن متفان حتى وفاتها
ويعتقد أنه كتب فى تلك المدينة الرسائل الثلاث المنسوبة إليه ، بعد ذلك ألقى القبض عليه
من قبل السلطات الرومانية ونفى إلى جزيرة بطمس اليونانية ويظن أنه كتب هناك سفر الرؤيا
وبحسب كتابات ترتليانوس فإن الرومان حاولوا تعذيب يوحنا قبل إرساله إلى منفاه وذلك بوضعه
فى قدر زيت مغلى كبيرولكن ذلك لم يؤذه بشىء ، يعتقد أنه الوحيد الذى مات موتاً طبيعياً بين
التلاميذ الإثنى عشر ويعتقد أن قبره موجود فى مدينة سيلجوك Selcuk التركية فى الإيقونات واللوحات والأعمال
الفنية يصور القديس يوحنا وهو حامل إنجيله ويوجد نسر أو ملاك خلفه دلالة على فكر يوحنا اللاهوتى الكبير.
بعد النجاح الكبير الذى حققته رواية دان براون ( شفرة دافنشى ) أثيرت أسئلة كثيرة حول شخصية يوحنا فى
لوحة العشاء الأخير للفنان ليوناردو دافنشى والذى كان موقعه فيها إلى جانب المسيح حيث قدمته الرواية
على أنه مريم المجدلية ولكن بكل الأحوال جنح معظم الفنانين المعاصرين لدافنشى بإيحاء من روايات
التقليد الكنسى على تصوير يوحنا فى لوحاتهم على أنه شاب يافع جداً لم تنبت لحيته بعد وهو ذو
ملامح أنثوية تماماً كالعادة التى درجوا عليها برسم شبان إيطاليا فى ذلك الوقت، وتجدر الملاحظة إلى
وجود بعض اللوحات لهؤلاء الرسامين تظهر الرسل الآخرين أيضاً بذات المظهر الإنثوى
نشأته شقيق يعقوب بن زبدى المعروف بيعقوب الكبير. كان أبوه يحترف مهنة الصيد
ويبدو أنه كان فى سعة من العيش ، لأنه كان له أجراء
( مر20:1 ) ، وكانت أمه سالومى بين النساء اللاتى كن يخدمن الرب يسوع من أموالهن
( مت 55:27 ،56 ؛ ( مر 40:10-41 ) ويغلب على الظن أن أسرة يوحنا كانت تقيم فى بيت
صيدا القريبة من بحر الجليل. أحد التلاميذ الأخصاء يبدو أنه تتلمذ بعض الوقت للقديس
يوحنا المعمدان وكان يتردد عليه
( يو35:1-41 ) . دعاه السيد المسيح للتلمذة مع أخيه يعقوب فتبعه
وبناء على رواية القديس جيروم فإن يوحنا فى ذلك الوقت كان فى الخامسة والعشرين من عمره
وهو التلميذ الذى كان يسوع يحبه
( يو26:19 )
أتكأ على صدره فى العشاء الأخير. وهو التلميذ والرسول واللاهوتى والرائى ، جمع فى شخصه
بين حب البتولية والعظمة الحقيقية. والبساطة القلبية مع المحبة الفائقة العجيبة
كان يوحنا واحداً من التلاميذ المقربين إلى الرب يسوع مع يعقوب أخيه وبطرس ، الذين صحبوا السيد المسيح
فى معجزة إقامة أبنة يايرس من الموت
( مر37:5 )
وفى حادث التجلى
( مت1:17 )
وفى جثسيمانى ليلة الآمه
( مت37:26 )
وبكر مع بطرس وذهب إلى قبر المخلص فجر أحد القيامة
( يو2:20-5 ) وكان حماسه وحبه ظاهرين ، حتى أنه سبق بطرس ووصل أولاً إلى القبر وهو الوحيد بين التلاميذ
الذى أستطاع أن يتعرف على الرب يسوع حينما أظهر ذاته على بحر طبرية عقب قيامته المجيدة وقال لبطرس :
" هو الرب " يو7:21 . ويذكر القديس أغسطينوس أن عفة يوحنا وبتوليته دون بقية التلاميذ كانت هى سر محبة المسيح له
وكان هو مع أندراوس أول من تبعه فى بشارته
( يو40:1 )
وآخر من تركه عشية الآمه من بعد موته. أنفرد من بين التلاميذ فى سيره بدون خوف وراء المخلص فى الوقت العصيب
الذى تركه الجميع وأنفضوا من حوله . وكان واسطة لإدخال بطرس حيث كان الرب يسوع يحاكم
نظراً لأنه كان معروفاً عند رئيس الكهنة
( يو15:18،16 )
رافق الرب إلى الصليب فسلمه أمه العذراء مريم ، ومن تلك الساعة عاشت معه يو
25 :19-27
أنفرد بين الإنجيليين بتسجيل حديث الرب يسوع الرائع عن الإفخارستيا يو6 ، ولقائه مع السامرية
( يو4 )
وموقفه من المرأة الزانية التى أمسكت فى ذات الفعل
( يو8 )
وشفاء المولود أعمى
( يو9 ) وإقامة لعازر من الموت
( يو11 )
وصلاة الرب يسوع الوداعية
( يو17 )
وكان يوحنا أحد الأربعة الذين سمعوا نبوة المخلص عن خراب أورشليم والهيكل وانقضاء العالم
( مر3:13 )
وأحد الإثنين اللذين أعدا له الفصح الأخير. كان للقديس يوحنا وضع بارز فى الكنيسة الأولى
تقرأ عنه فى الإصحاحات الأولى من سفر الأعمال ، ونراه جنباً إلى جنب مع بطرس أكبر الرسل سناً
نراهما متلازمين فى معجزة شفاء المقعد عند باب الهيكل
( أع3 )
وأمام محكمة اليهود العليا ( السنهدرين ) يشهدان للمسيح
( أع4 )
وفى السامرة يضعان أياديهما على أهلها ليقبلوا الروح القدس
( أع8 )
يبدو أن خدمته الكرازية فى الفترة الأولى من تأسيس الكنيسة كانت فى أورشليم والمناطق القريبة منها
فالتقاليد القديمة كلها تجمع على بقائه فى أورشليم حتى نياحة العذراء مريم التى تسلمها من الرب كأم له ليرعاها
ومهما يكن من أمر، فأن يوحنا الرسول . بعد نياحة العذراء مريم، أنطلق إلى آسيا الصغرى ومدنها الشهيرة
وجعل إقامته فى مدينة افسس العظيمة مكملاً عمل بولس الرسول الكرازى فى آسيا الصغرى
( أع24:18-28، 1:19-12 )
أخذ يشرف من تلك العاصمة القديمة الشهيرة على بلاد آسيا ومدنها المعروفة وقتذاك من أمثال ساردس
وفيلادفيا واللاذقية وأزمير وبرغامس وثياترا وغيرها وهى البلاد التى وردت إشارات عنها فى سفر الرؤيا
نفيه إلى جزيرة بطمس بسبب نشاطه الكرازى قبض عليه فى حكم الإمبراطور دومتيان
( 81-96م )
وأرسل مقيداً إلى روما، وهناك ألقى فى خلقين ( مرجل ) زيت مغلى فلم يؤثر عليه بل خرج منه أكثر نضرة
مما أثار ثائرة الإمبراطور فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس . وهى إحدى جزر بحر إيجه وتقع إلى الجنوب الغربى
من مدينة أفسس وتعرف الآن باسم باتوما Patoma أو بالموسا Palmosa ومازال بالجزيرة بعض
معالم أثرية عن سكنى القديس يوحنا بها . وقد مكث بالجزيرة حوالى سنة ونصف كتب أثناءها رؤياه
حوالى سنة 95م . ثم أفرج عنه فى زمن الإمبراطور نرفا ( 96-98م ) الذى خلف دومتيان
فقد أصدر مجلس الشيوخ الرومانى قراراً بعودة جميع المنفيين إلى أوطانهم . وبالإفراج عنه عاد إلى أفسس
ليمارس نشاطه التبشيرى . من الالقاب اللاصقة بيوحنا لقب " الحبيب " فقد ذكر نفسه أنه " التلميذ الذى يحبه يسوع "
وقد ظل يوحنا رسول المحبة فى كرازته ووعظه ورسائله وإنجيله ، وكتاباته كلها مفعمة بهذه الروح
روى عنه القديس جيروم هذه القصة أنه لما شاخ ولم يعد قادراً على الوعظ ، كان يُحمل إلى الكنيسة ويقف بين
المؤمنين مردداً العبارة " ياأولادى حبوا بعضكم بعضاً " فلما سأم البعض تكرار هذه العبارة وتساءلوا لماذا يعيد
هذه الكلمات ويكررها، كان جوابه لأنها هى وحدها كافية لخلاصنا لو أتممناها
حبه الشديد لخلاص الخطاة قاد إلى الإيمان شاباً وسلمه إلى أسقف المكان كوديعة وأوصاه به كثيراً
لكن ذلك الشاب مالبث ن عاد إلى حياته الأولى قبل إيمانه ، بل تمادى فى طريق الشر حتى صار رئيساً لعصابة قطاع طرق
عاد يوحنا بعد مدة إلى الأسقف وسأله عن الوديعة وأستخبره عن ذلك الشاب
تنهد الأسقف وقال لقد مات ولما أستفسر عن كيفية موته ، روى له خبر ارتداده حزن يوحنا حزناً شديداً واستحضر
دابة ركبها رغم كبر سنه . واخذ يجوب الجبل الذى قيل إن هذا الشاب كان يتخذه مسرحاً لسرقاته
أمسكه اللصوص وقادوه إلى زعيمهم الذى لم يكن سوى ذلك الشاب ! تعرف عليه الشاب
وللحال فر من أمامه وأسرع يوحنا خلفه وهو يناشده الوقوف رحمة بشيخوخته ، فوقف الشاب وجاء وسجد بين يديه
فأقامه ووعظه فتاب عن إثمه ورجع إلى الله . حرصه على أستقامة الإيمان كان يمقت الهرطقة جداً ويظهر هذا الأمر
واضحاً فى كتاباته المليئة بالتحذير من الهراطقة . ذكر عنه أنه دخل يوماً حماماً فلما وجد فيه كيرنثوس الهرطوقى الغنوسى
الذى أنكر تجسد الرب، صاح فى المؤمنين : " لاتدخلوا حيث عدو المسيح لئلا يهبط عليكم الحمام
" قال ذلك وخرج يعدو أمامهم فخرجوا وراءه مذعورين ! وقد روى هذه القصة إيريناوس على أنه سمعها
من بوليكاريوس تلميذ يوحنا الرسول نفسه. يشير بولس الرسول إلى وضع يوحنا المتميز فى الكنيسة الأولى
فيذكره على أنه أحد أعمدة الكنيسة وانه من رسل الختان
( غل9:2 )
يذكر بوليكاربوس أسقف أفسس أواخر القرن الثانى أن يوحنا كان يضع على جبهته صفيحة من الذهب كالتى
كان يحملها رئيس أحبار اليهود ليدل بذلك على أن الكهنوت قد أنتقل من الهيكل القديم إلى الكنيسة
بعد أن دون لنا هذا الرسول إنجيلاً ورؤيا وثلاث رسائل تحمل أسمه رقد فى الرب فى شيخوخة وقورة حوالى
سنة 100م ودفن فى مدينة أفسس . يذكر لنا الإنجيلى غاية كتابنه للسفر قائلاً
" لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح إبن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه "
( 31:20 )
ويلاحظ فى هذا النص الإنجيلي
(1) - جاءت كلمة " تؤمنوا " فى اليونانية Pioteonte وذلك فى النسخ السينائية
والفاتيكانية Koredethi فى صيغة الحاضر لا الماضى ، لتعنى أن الإنجيل كتب لتثبيت إيمان قائم فعلاً
فهو لم يقدم إيماناً جديداً إنما أراد تثبيت إيمان الكنيسة الذى تعيشه حتى لاينحرف أحد عنه . (2) - موضوع الإيمان أن يسوع هو المسيح وأنه إبن الله . وكما يقول Unnik W.C.VAN أن
كلمة " المسيح " لا تعنى لقباً مجرداً إنما تعنى بالضرورة " الواحد الممسوح " الأمر الذى كان اليهود يدركونه
دون الأمم ، أما كلمة " إبن الله " فيدركها بالأكثر العالم الهيلينى . على أى الأحوال أرتباط اللقبين معاً كان
ضرورياً لتثبيت إيمان من كانوا من أصل يهودى أو اممى إذ يدرك كل مؤمن أن يسوع هذا هو موضوع كل النبوات القديمة ، وهو إبن الله الواحد معه فى ذات الجوهر، قادر على تقديم الخلاص وتجديد الخلقة . هذا وقد لاحظ الدارسون أن كلمة " المسيا " قدمت
فى هذا الإنجيل وحده دون ترجمة بل كما هى . وكأن القديس يوحنا أراد أن يؤكد أن اللقب هنا إنما عنى ما فهمه اليهود
لذا نجده يقدم لنا حديث فيلبس لنثنائيل : " وجدنا الذى كتب عنه موسى فى الناموس والأنبياء "
(45:1 )
ودعوة أندراوس لأخيه سمعان بطرس : " قد وجدنا مسيا ، الذى تفسيره المسيح "
( 41:1 ) .
هذه هى صورة ربنا يسوع فى هذا الإنجيل منذ بدايته صورة مسيانية . هذه الصورة عن يسوع بكونه المسيا الملك الذى
طال أنتظار اليهود لمجيئه أكدها الإنجيلى فى أكثر من موضع . ففى دخول السيد أورشليم " كانوا يصرخون
أوصنا مبارك الآتى باسم الرب ملك اسرائيل .. هذا الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً ولكن لما تمجد يسوع
حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه "
( 13:12-16 )
وأمام بيلاطس أعترف السيد بمملكته
( 33:18-37 )
وقد دين كملك لليهود
( 3:19-12-15 ،19،20 ) .
القديس يوحنا وحده هو الذى أخبرنا أن الجموع طلبته لتقيمه ملكاً فانسحب من وسطهم
( 15:6 )
لأن فهمهم للملك المسيانى مختلف عن قصده هو. هذه الصورة التى قدمها الإنجيلى يوحنا عن ربنا يسوع بكونه
" المسيا الملك " الذى طال أنتظار اليهود لمجيئه ، جعلت بعض الدارسين ينادون بأن يوحنا كرجل يهودى
كان مر النفس بسبب العداوة التى أظهرها اليهود نحو يسوع . هذا مانادى به لورد شارنوود
charnwood Lord سنة 1925 ، غير أن بعض الدارسين مثل ف . تيلور فيرى أن هذا الهدف
لم يكن رئيسياً ، إنما كان القديس يوحنا مر النفس من نحو كل من حمل عداوة ليسوع سواء كان يهودياً أو غير يهودى
ودارسون آخرون مثل J.A.T.Robinson نادوا بأن الرسول قصد المسيحيين الذين من أصل
هيلينى ولم يوجه إنجيله لليهود
- غاية هذا السفر تأكيد لاهوت السيد المسيح ، بكونه إبن الله الوحيد الجنس ، لكن لا لمناقشات نظرية أو مجادلات فلسفية
( 3 ) انّما للتمتع بالحياة بأسمه . إيماننا بلاهوته يمس حياتنا وخلاصنا نفسه ، لذلك جاءت أول عظة بين أيدينا
بعد كتابة العهد الجديد تبدأ بالكلمات : ( يليق بنا أيها الأخوة أن نفكر فى يسوع المسيح بكونه الله، ديان الأحياء والأموات
يلزمنا إلا نقلل من شأن خلاصنا ، لأننا عندما نقلل من السيد المسيح إنما نتقبل منه القليل )
كأن هذا السفر جاء
يعلن بأكثر وضوح وإفاضة ماقدمه لنا الإنجلييون الآخرون ، معلناً لنا الجانب اللاهوتى . وكما يقول العلامة آوريجينوس
( أن أحداً من هؤلاء لم يعلن لنا لاهوته بوضوح كما فعل يوحنا ، إذ خلاله يقول : " أنا هو نور العالم "
" أنا هو الطريق والحق والحياة " ، " أنا هو القيامة " ، " أنا هو الباب " ، " أنا هو الراعى الصالح "
وفى الرؤيا : " أنا هو الألف والياء ، البداية والنهاية الأول والآخر " . بمعنى آخر، قدم لنا هذا السفر علاقة الإبن
الأزلية مع الآب ، ومعنى هذه العلاقة الفريدة فى حياة المؤمنين ، ودورها فى خلاصهم
أراد الإنجيلى بالكشف عن شخصية السيد المسيح كإبن الله الوحيد أن نؤمن به فنخلص ، ونحيا أبدياً
وقد أبرز الإنجيلى أن معاصرى السيد المسيح أنفسهم لم يدركوا كمال حقيقته كما ينبغى ولامغزى كلماته وتصرفاته الفائقة لعقل
اقرباؤه حسب الجسد مثل أمه وأخوته ( ابناء خالته ، وأصدقاؤه ، ومعلمو اليهود ، والكهنة ، وأيضاً المرأة السامرية
وبيلاطس بنطس ... هؤلاء جميعاً لم يدركوا كلماته وذهلوا أمام تصرفاته
( أن يوحنا نفسه لم يتحدث فى الأمر كما هو إنما قدر أستطاعته فقط لإنه كان أنساناً يتحدث عن الله
حقاً موحى إليه من الله، لكنه لايزال إنساناً القديس أوغسطينوس )
4 - حافظ الله على حياة هذا الرسول ولم يسمح باستشهاده مبكراً مع بقية التلاميذ ليقدم للكنيسة الصبية الحق فى شىء
من الإيضاح ( أنجيل يوحنا ) ، ويدخل بها إلى يوم الرب لتعاين السماء المفتوحة
( سفر الرؤيا )
( إلا ترون أنه ليس بدون سبب اقول أن هذا الإنجيلى يتحدث الينا من السماء ؟ أنظروا فقط فى البداية عينها
كيف يسحب بها النفس ، ويهبها أجنحة ، ويرفع معها ذهن السامعين . فيقيمها فوق كل الأشياء المحسوسة
أعلى من الأرض والسماء ويمسك بيدها ، ويقودها إلى أعلى من الملائكة أنفسهم والشاروبيم والسيرافيم والعروش
والسلاطين والقوات ، وفى كلمة يحثها على القيام برحلة تسمو فوق كل المخلوقات . القديس يوحنا الذهبى الفم )
( كان بولس سماء عندما قال : " محادثتنا فى السماء " ( فى 20:3 ) . يعقوب ويوحنا كانا سماوات
ولذا دعى إبنى الرعد
( مر17:3 ) ،
وكان يوحنا كمن هو السماء فرأى الكلمة عند الله . القديس أمبروسبوس . ) عاش القديس يوحنا حتى نهاية القرن الأول
كآخر من رقد بين تلاميذ السيد المسيح ورسله . وقد عاصر الجيل الجديد من المسيحيين فكان هو - إن صح التعبير-
حلقة الوصل بين العصر الرسولى وبدء عصر مابعد الرسل . لقد أراد أن يقدم الكلمة الرسولية النهائية عن شخص المسيا
وأن يحفظ الكنيسة من تسلل بعض الأفكار الخاطئة . يرى بعض الدارسين أن الإنجيلى قصد مواجهة
بعض الحركات الغنوسية مثل الدوناتست ( الدوسيتيون ) Docetism إذ نادى هؤلاء بأستحالة
أن يأخذ الكلمة الإلهى جسداً حقيقياً ، لأن المادة فى نظرهم شر. لذلك اكد الرسول فى إنجيله أن يسوع
وهو أبن الله بالحقيقة قد تجسد ايضاً حقيقة ، ولم يكن خيالاً إذ يقول : " الكلمة صار جسداً " ماكان يمكننا
أن نتمتع بالخلاص مالم يحمل طبيعتنا فيه ويشاركنا حياتنا الواقعية . لقد أبرز الإنجيلى السيد المسيح فى
عرس قانا الجليل وهو يقوم بدور خادم الجماعة . لقد حول الماء خمراً ، وهو عمل فيه خلق لكنه قام به
خلال الخدمة المتواضعة غير منتظر أن يأخذ المتكأ الأول . وعلى بئر سوخار ظهر متعباً وعطشاناً
وعند قبر لعازر تأثر جداً بعمق وبكى وفى العلية غسل أقدام التلاميذ وعلى الصليب عطش .
غاية هذا السفر الربط بين يسوع التاريخى والمسيح الحاضر فى كنيسته .
محولاً الأحداث التى تمت فى حياة ربنا يسوع للإعلان عن شخصه بكونه رب المجد العامل فى كنيسته .
هذا هو التلميذ الشاهد بهذه الامور، وهو الذى كتبها ونحن نعلم أن شهادته حق هى .
لايسمى الإنجيل الرابع أسم كاتبه ، وهو بهذا يشبه الأناجيل الثلاثة الباقية .
بيد أن حاتمة الكتاب تعود عوداً صريحاً إلى شخصية " تلميذ " محدد : ذاك الذى دل عليه مراراً :
والتلميذ الذى كان يسوع يحبه " ( 7:21 ،20 ) ذاك الذى أستند إلى صدر يسوع وقال له :
رب من هو الذى يسلمك ( 25:13 ) . ذاك الذى قال عنه الرب لبطرس :
" إن شئت أن يثبت إلى أن أجىء . فماذا لك ؟ أنت أتبعنى " فشاع بين الأخوة أن ذاك التلميذ لايموت
( 23:21 )
وحين نشر الإنجيل تبين أن تفسير كلمة يسوع كان خاطئاً لهذا جاء التحديد : " لم يقل يسوع لبطرس
إن ذاك التلميذ لايموت "
( 23:21 )
. وهكذا يكون من المعقول أنه حين ظهر الإنجيل الرابع كان التلميذ
الذى كان يسوع يحبه قد مات بعد حياة طويلة جداً . وإليه نسبوا أبوة الإنجيل الرابع :
" فهذا هو التلميذ الشاهد بهذه الأمور، وهو الذى كتبها . ونحن نعلم أن شهادته حق هى " ( 24:21 ) .
من هو هذا التلميذ ؟ منذ الربع الأخير من القرن الثانى ، قال التقليد كلمته : إنه يوحنا وأوضح شهادة
هى شهادة القديس إيريناوس فى نهاية القرن الثانى . هو لايشك بأن هذا الشخص هو الرسول يوحنا بن زبدى ،
وأحد الإثنى عشر. ويؤكد أن كنيسة أفسس التى اسسها بولس قد أقام قيها يوحنا حتى أيام ترايانس الأمبراطور الرومانى ،
فكان شاهداص حقيقباً لتقليد الرسل . وفى رسالته إلى البابا فكتور ساعة الجدال حول عيد الفصح أعلن
أنه يستند فى كلامه إلى أقوال الرسل ومنهم يوحنا تلميذ الرب . وتحدث بوليكراتيس الأفسسى فى الحقبة عينها عن
" أنوار عظيمة أنطفأت فى آسيا ( أى تركيا الحالية ) : فيلبس وهو أحد الأثنى عشر رسولاً ويوحنا الذى أستند
إلى صدر الرب ورقد فى أفسس " وشهد أكلمنضوس الأسكندرانى
( +215 ) على مجىء " الرسول يوحنا "
إلى أفسس فيوحنا بن زبدى هذا قد ألح عليه أصدقاؤه فكتب بالهام من الروح " الإنجيل الروحانى" .
وينسب قانون موراتورى ( 180-200 ، يرتبط بهيبوليتس ) تأليف الإنجيل الرابع إلى " يوحنا " أحد التلاميذ "
شجعه التلاميذ الآخرون والأساقفة لأنه شاهد عاين وسمع كل المعجزات التى أتمها الرب .
إن كاتب الإنجيل الرابع هو شاهد فى العصر الرسولى ، كما هو شاهد لحياة الكنيسة فى نهاية القرن الأول .
فبعد موت المسيح وقيامته بعشرات السنين ، توسع عمل المعلم فى أعماله تلاميذه العظيمة
( 12:14 ) .
وبدأت الكرمة الحقيقية تحمل ثماراً فى أغصانها ( 5:15 ) لقد تحققت المحن والمضايقات التى أعلن
عنها يسوع
( 18:15-4:16 )
وأرتسمت صراعات خاصة مع العالم اليهودى .
هذا مايشهد له إنجيل يوحنا : يشهد ليسوع التاريخى ، يشهد لحضوره ولعمله فى جماعة تلاميذه .
والأستنارة متبادلة : فحياة الكنيسة الحاضرة فى كل مكان تعود إلى ينبوعها ، إلى مسيح التاريخ .
ومسيح التاريخ الذى نذكره ونردد كلماته وفعلاته على ضوء القيامة ؛
26:14،16:12،22:2
يحيلنا دوماً إلى حياة الكنيسة كما إلى ثمرته . هذا الأمر هو حقيقى فى سائر الأناجيل . إلا أن يوحنا يبقى من
هذا القبيل شاهداً لايضاهى . من هنا هذا التأثير الخاص الذى يتركه " الإنجيل الروحانى " فى النفوس
فى اللاهوتين الكبار والصوفييين العظام والمؤرخين الحقيقيين . قال أوريجانس :
الأناجيل هى باكورة الكتب المقدسة كلها . وإنجيل يوحنا هو باكورة سائر الأناجيل ولايستطيع أن يدرك معناه
إلا ذاك الذى أستند إلى صدر يسوع ونال مريم أماً له من يسوع . وبحماس مماثل أفتتح القديس أغوسطينس سلسلة
عظاته لشعب عنابة بهذه الكلمات : " أيها الأخوة والأحباء كان يوحنا من تلك الجبال التى كتب عنها :
لتنقل الجبال السلام لشعبك والتلال البر. لقد كان يوحنا من هذه الجبال وهو الذى قال :
فى البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله ، وكان الكلمة الله . هذا الجبل ( الذى هو يوحنا ) تقبل السلام
فشاهد لاهوت الكلمة ". ( الرسول يوحنا الإنجيلى اللاهوتى الحبيب ) تعيد له الكنيسة فى 26 أيلول
هو إبن زبدى الصياد وسالومة وأخو يعقوب الرسول . هما من بيت صيدا .
دعاه الرب يسوع وأخاه يعقوب " أبن الرعد " بعد رقاد العذراء ذهب للتبشير فى آسيا الصغرى وعاش فى أفسس .
عذبه الإمبراطور دوميتيانوس فلم يتأثر فخاف الإمبراطور ونفاه إلى جزيرة بطمس .
رقد فى الرب بعمر متقدم . تعزى إليه عدة أسفار من العهد الجديد وهى إنجيل يوحنا ،
رسائل يوحنا الثلاث ورؤيا يوحنا . نياحة القديس يوحنا الإنجيلى فى 4 طوبة سنة 100 ميلادية
حسب السنكسار فى مثل هذا اليوم من سنة 100م تنيح القديس يوحنا البتول الإنجيلى الرسول
وهو إبن زبدى ويقول ذهبى الفم أنه تتلمذ أولاً ليوحنا المعمدان وهو أخو القديس يعقوب الكبير الذى
قتله هيرودس بالسيف وقد دعاه المخلص مع أخيه ( بوانرجس ) أى أبنى الرعد لشدة غيرتهما وعظيم
إيمانهموهو التلميذ الذى كان يسوع يحبه وقد خرجت قرعة هذا الرسول أن يمضى الى بلاد أسي
ولأن سكان تلك الجهة كانوا غلاظ الرقاب فقد صلى إلى السيد المسيح أن يشمله بعنيته
وخرج قاصداً أفسس مستصحباً معه تلميذه بروخورس وأتخذ لسفره سفينة وحدث فى الطريق أن السفينة أنكسرت
وتعلق كل واحد من الركاب بأحد الواحها وقذفت الأمواج بروخورس إلى إحدى الجزر
أما القديس يوحنا فلبث فى البحر عدة أيام تتقاذفه الأمواج حتى طرحته بعناية الرب وتدبيره إلى الجزيرة
التى بها تلميذه فلما التقيا شكرا الله كثيراً على عنايته بهما . ومن هناك مضى القديس يوحنا إلى مدينة أفسس
ونادى فيها بكلمة الخلاص . فلم يتقبل أهلها بشارته فى أول الأمر إلى أن حدث ذات يوم أن سقط أبن وحيد
لأمه فى مستوقد حمام كانت تديره فأسرعوا لإخراجه ولكنه كان قد مات .
فعلا العويل من والدته وعندئذ تقدم الرسول من الصبى وصلى إلى الله بحرارة ثم رشمه بعلامة الصليب
ونفخ فى وجهه فعادت إليه الحياة فى الحال . فأبتهجت أمه وقبلت قدمى الرسول ودموع الفرح تفيض من عينيها .
ومنذ تلك اللحظة أخذ أهل المدينة يتقاطرون إليه ليسمعوا تعليمه . وآمن منهم عدد كبير فعمدهم .
وأثار هذا الأمر حقد كهنة الأوثان فحاولوا الفتك به مراراً كثيرة ولم يتمكنوا لأن الرب حافظ لأصفيائه
وأخيراً بعد جهاد شديد ومشقة عظيمة ردهم إلى معرفة الله ورسم لهم أساقفة وكهنة .
ومن هناك ذهب إلى نواحى آسيا ورد كثيرين من أهلها إلى الإيمان . وعاش هذا القديس تسعين سنة
وكانوا يأتون به محمولاً إلى مجتمعات المؤمنين ولكبر سنه كان يقتصر فى تعليمه على قول :
( ياأولادى أحبوا بعضكم بعضاً ) وقد كتب الإنجيل الموسوم بأسمه وسفر الرؤيا التى رآها فى
جزيرة بطمس المملوءة بالأسرار الإلهية وكتب الثلاث رسائل الموسومة باسمه أيضاً . وهو الذى كان مع
السيد المسيح عند التجلى والذى أتكأ على صدر الرب وقت العشاء وقال له من الذى يسلمك ..
وهو الذى كان واقفاً عند الصليب مع العذراء مريم وقد قال لها السيد المسيح وهو على الصليب :
هوذا إبنك وقال ليوحنا هوذا أمك وهو الذى قال عنه بطرس يارب وهذا ماله فقال له يسوع :
أن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجىء ماذا لك . ولما شعر بقرب أنتقاله من هذا العالم دعا إليه الشعب
وناوله من جسد الرب ودمه الأقدسين . ثم وعظهم وأوصاهم أن يثبتوا على الإيمان ثم خرج قليلاً من
مدينة أفسس وأمر تلميذه وآخرين معه فحفروا له حفرة هناك . فنزل ورفع يديه وصلى ثم ودعهم وأمرهم
أن يعودوا إلى المدينة ويثبتوا الأخوة على الإيمان بالسيد المسيح قائلاً لهم :
أننى برىء الآن من دمكم لأنى لم أترك وصية من وصايا الرب إلا وقد أعلمتكم بها .
والآن أعلموا أنكم لاترون وجهى بعد. وأن الله سيجازى كل واحد حسب أعماله .
ولما قال هذا قبلوا يديه ورجليه ثم تركوه ومضوا . فلما علم الشعب بذلك خرجوا جميعهم إلى حيث القديس
فوجدوه قد تنيح فبكوه بحزن عميق وكانوا يتحدثون بعجائبه ووداعته وإنه لم يكن قد مات بالسيف
كبقية الرسل إلا أنه قد تساوى معهم فى الأمجاد السماوية لبتوليته وقداسته .
صلاته تكون معنا . ولربنا المجد دائماً أبديا
المصدر / موقع كنيسة السيدة مريم العذراء