نيما يوشيج
ولد الشاعر علي اسفندياري الذي اختار لنفسه لقب نيما يوشيج، سنة 1897 في "يوش" التابعة لمحافظة مازندران في شمال ايران، فيما بعد دخل مدرسة "سن لوئيس" في طهران، حيث تعلّم الفرنسية فيها، وتعرف من خلال معلمه «نظام وفا» الذي كان شاعراً مبرزاً علی الشعر، فانشد على غرار معلميه. جائت قصائده الاولی محاكات للأقدمين. لکنه كان يستخدم مصطلحات و تعابير جديدة لم تأت في قصائد من سبقوه. نشر فی عام1922 قصيدته المطولة «افسانه» فشق طريقاً جديداً امتاز به عن بقية الشعراء فلقب بـ«ابو الشعر الايراني الحديث». طبعت اعماله الکاملة في مجلد ضخم يحتوي علی قصائده باللغة الطبرستانية کذلك. توفي في طهران في سنة 1959
عازف الناي
بيتي غائم
والأرض كلها غائمة معه.
الرياح العاتية
تنساب من أعلى الجبال
محطمةً معربدة يباباً
والعالم منها هشيم
وحواسي ايضاً
آه
أيا عازف الناي
أيها المأخوذ بالعزف بعيداً
أين أنت؟!
بيتي غائم ولكن
الغيم ممطر
وها أنا أرنو في فسحة البحر
الى مطلع الشمس
متذكراً أيامي المضيئة
التي ولّت.
فالعالم بيد الرياح حطام وهشيم
و في هذا العالم المفعم بالغيوم
عازف الناي
الغارق في العزف دوماً
يعزف على الطريق.
الليل
الليل يغلي
والتربة شاحبةٌ
الرياح
تقود غيوماً جديدةً
من وراء الجبال
باتجاهي.
الليل، كأنه جسد منتفخ من الحرارة
في هواء راكد
ولهذا السبب
لا يعثر التائه على طريقه!
بجسمه المحرور هذا، والصحراء
الطويلة
يشبه ميتاً راقداً في قبره الضيق
وكأنه قلبي المحترق
وكأنه جسمي المرهق من هيبة
الحمّى
الليل، نعم هذا الليل.
الضفدع
مزرعتي أصابها الجفاف
وكذلك مزارع الجوار
ولكن يقال
على الساحل القريب
يبكي المفجوعون بين المفجوعين
أيها الضفدع
أيا بشير الأيام الغائمةِ
متى يهطل المطر؟
على بساط لا يشبه البساط
في كوخي المظلم الذي ليس فيه
ذرةً من النشاط
وجدار اضلع القصب
المرتمي على حائط غرفتي
ينفجر من الجفافِ
كقلوب الأحباب
في هجرة الأحباب
أيها الضفدع
أيا بشير الأيام الغائمةِ
متى يهطل المطر؟
القمر ينضح
القمر ينضح
الحباحب تلمع
لا ينكسر النوم في عيون الآخرين
حتى للحظة
لكن حزن هؤلاء النائمين
يذود النوم عن عيوني.
الفجر واقف معي بقلق
والصبح يطلب مني
أن أبشر هؤلاء القوم
- ذوي الأرواح الفائضة –
بأنفاسه المباركةِ
ولكن في كبدي
تنكسر شوكة
جراء هذا السفر.
وتلك الرشيقة القوام
ذات السيقان الوردية
التي زرعتها بروحي
وسقيتها من روحي
وا أسفي تذبل بين يديّ.
أمل بعيد
لعل باباً تفتح
عبثاً اترقب
ان يفتح احد
فأبوابهم وجدرانهم المحطمة
تنهار على رأسي.
القمر ينضح
الحباحب تلمع
حروق الأقدام
حجبت الرجل عن مواصلة
الطريق الطويل.
فوقف وحيداً
امام القرية
وزوّادته على ظهره
يده على الباب تطرق
ويتمتم في نفسه:
حزن هؤلاء القلة النائمين
يذود النوم عن عيوني.
ضيق
الاصفر لم يحمّر عبثاً
والاحمرار
لم يلق بلونه على الجدار
بلا سبب.
طلع الصبح من وراء جبل ازاكو
لكن قمة وازنا لا ترى
غبار الضوء المتلألىء دوماً
استقر على زجاج النوافذ
هامداً مثلجاً.
قمة وازنا لا ترى
وانا متضايق جداً
من دار الاستضافة القاتلة
للضيوف هذه
المظلمة نهارها
التي حثت على التخاصم
من لا يعرف بعضهم بعضاً
اناساً ناعسين
اناساً غير سويين
اناساً غير واعين
في انتظار لقياك
في المساءات
حين تخيّم العتمة
على اغصان "التلاجن"
ويهبط الحزن منها
الى القلوب المتيمة
سأترقب لقياك.
في المساءات
حين ترقد الوديان
كالافاعي الميتة
وفي تلك اللحظات التي
تحكم المتسلقات شباكها
حول أرجل السروة
اذا ذكرتني ام لا
فأنا لا أقلل من ذكراك
وبأنتظار لقياك
ارنو الى الطريق.
اللّيل والمطر
ليلٌ
ويؤنسه الظلام
ضفدع يغني
من على شجرة التين الهرمة
ويبشّر بالمطر والفيضان.
ليلٌ
والعالم
كأنه ميت في قبر
وانا غريق أفكاري:
_ ماذا اذا زخ المطر
من كل الجهات ؟
_ ماذا اذا قذف بالعالم
زورقاً الى البحار ؟
لم الاستغراق في هذا الليل المغدق بالظلام
وليكن التفكير بما سيحدث في الصباح
حين يرتقي الصبح صهوة الجبال
هل سيهمل هذا الطوفان ؟
ذكرى
في ليل الشتاء
موقد الشمس
لا يدفئ كمدفأتي الحامية
ولا يضئ مثل مصباحي
أيّ مصباح
ولا ذلك القمر
الذي إرتدته الثلوج.
في ليله ظلماء
أضأت مصباحي
في عبور الجار
وكانت الرياح
تقتحم الصنوبرات
والبيوت المطفئة.
وجارنا قد ضاع
في الطريق الوعر البعيد
وانا ما زلت أحمل الذكريات وأردد هذه الكلمات:
من ذا الذي يضئ؟
من ذا الذي يضرم؟
ومن ذا الذي يخبأ هذه القصة
في قلبه؟.
في ليلة الشتاء
موقد الشمس
لا يدفئ كمدفأتي الحامية.
نقلا عن كتاب (الشعر الإيراني الحديث)