من هنا نشاهد زينة مضيئة متلألئة بأضوائها الباهرة ومن هناك نشاهد مجموعات تحضّر نفسها للذهاب إلى الحفلات، من هنا رجل يلبس ثيابا حمراء يحمل هدايا لم يشتريها هو، وهناك مجموعة مرتبكة ومتحيرة تتمشى في السوق للتبضّع ما يحلو لها من أمور تخص بعيد الميلاد. ووسط كل هذا هناك بوق من السماء ينطلق منه نداء الرجوع إلى الأساسيات إلى حيث كان الحدث العظيم وإلى قصد الله في تجسد المسيح، صوت يذكر بذاك الملاك الذي نادى من الفي عام قائلا ".. لا تخافوا. فها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا 10:2).
ما أحوجنا جميعا في هذه الأيام ان نرجع في الذاكرة بالقلب والذهن معا إلى بيت لحم حيث هناك نزل الإله بتواضع كبير في مذود حقير، هناك احتاج المسيح وهو محرك كل شيء بكلمة من فمه والممسك الكون بسلطانه الباهر، هو احتاج لكي تتنفس على جسده البارد بعض من الحيوانات التي تحيط بالمكان فتمنحه الدفىء والحنان، ما أعظم هذا التواضع الذي لا مثيل له وما أرهب هذه المحبة التي جعلت مسيح الرب أن يهبط من عظمة العرش السماوي ومن مجده الغير محدود لا بالزمن ولا بالأفق الواسع فيكون بيننا "والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملؤا نعمة وحقا" (يوحنا 14:1).
في مواسم الميلاد كم نحتاج أن نغامر وندخل في تحدي مع الذات لكي نفهم أهمية هذا التجسد، ولماذا سمح المسيح لنفسه أن يشابهنا "لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس" (فيليبي 7:2)، ليت الجميع في هذه الأيام تفكّر بجدية وترجع إلى الله متصالحة معه وتائبة ومؤمنة بأن المسيح جاء إلى العالم لكي ينقذ الخطاة من فم الهاوية ومن داخل الجحيم، ليت كل فرد منا يدخل إلى أعماق وجدانه لكي نقّدم أمام المسيح خطايانا وشوائبنا التي تلاحقنا في أيام غربتنا.
إنها فرصة للتوبة وللرجوع إلى حياة النقاوة والقداسة، إنها فرصة لكي نتوب أمام الله بصدق وأمانة، إنها فرصة للجميع لكي يعلم علم اليقين اأن الميلاد ليس بزينته بل هو أعمق بكثير من ذلك، الميلاد هو نتيجة تشاور بين الآب والإبن والروح القدس عن إتمام القصد الإلهي في خلاص النفس البشرية.