لماذا نغضب ؟
بقلم / حمــدة خميـــــس ..
لماذا يغضب الإنسان ؟ لماذا يحتدم ويعنف ويتخذ سلوكاً عدوانياً أو انتقامياً من الآخرين ؟
هل الغضب نزوة عابرة وحماقة وطيش لا يصدر إلا عن أحمق وطائش ؟
يعرف علم النفس الغضب على أنه شكل من أشكال رد الفعل تجاه التهديد الذي يتعرض له الإنسان ،
وهو استجابة طبيعية مشتركة بين الإنسان وجميع الكائنات لرد التهديدات والحفاظ على النفس .
كما يتدرج المفهوم إلى تعريف أنواع الغضب والتغييرات التي تطرأ على أحوال الجسد حين يمر الإنسان
بالحالات الانفعالية حين الغضب .
لكن علم النفس لا يشير إلى أن الغضب حالة انتقال للإنسان من رضا مستتب وتسليم بأمر واقع يحيط به وينشئ عليه
بوسائل تربوية واجتماعية وسياسية ودينية ، تجعل منه إنساناً مستقبلاً وقابلاً ، إلى إنسان رافض وطامح لتغيير
ما يحيط به والانتقال من وضع لا يستجيب لطموحه ، إلى وضع يرغب في أن يكون من اختياره .
كان الغضب منذ عصور الإنسان البدائية إلى عصور التطور هو العصا السحرية والجسر الذي امتد ويمتد لعبوره
نحو مستقبل يريد فيه أن يكون من صنعه ووفق شروطه . والرغبة في التطور كما تشير كثير
من النظريات الاجتماعية والفلسفية حقيقة تدل على قدرات الإنسان وإمكانياته غير المحدودة ،
لتغيير الواقع المادي والاجتماعي الذي يعيش فيه ، وكذلك تغيير نفسه ليصبح أكثر إنسانية .
ولأن الواقع ينبغي أن يكون دائم التغير ولا ينبغي أن يتسم بالسكون والثبات كما تدعي النظريات المحافظة ،
يصبح الغضب هو رد الفعل الأكثر قوة وفعالية لرفض الواقع المستتب وتغييره .
فما دامت هناك مصالح متعارضة ومتضاربة داخل المجتمع فلا بد أن يكون هناك غضب يعبر عنه بالصراع
بين تلك القوى المتناقضة . ومجد الغضب أو فضيلته ، إذا أخذنا بالمصطلح الأخلاقي ،
هو المنعطف الأكثر قيمة وفعالية في تغيير واقع الإنسان فردا أو جماعة من وضع قائم ،
سواء كان الوضع مفروضا عليه أو من اختياره في مرحلة ما من مراحل عمره أو حاجته ،
إلى وضع مغاير يتسم بالاختلاف ، ويرتسم وفق طموح أو حلم كامن في النفس تاق إلى تحققه .
ورغم أن الغضب يعتبر في التقييم الأخلاقي مرذولا ومنهيا عنه ، بطرق متعددة الوسائط تتخذ تعبيراتها القسرية
منذ التنشئة الأولى وعبر مسار العمر كله، حيث يمجد الحليم والمتروي والكاتم لغضبه ، والمتسامح .
وصيغ هذا التمجيد وتكريس المفهوم الأخلاقي للخضوع والخنوع يتجلى في نصائح تتردد على أسماعنا
منذ لا وعينا الطفولي حتى وعينا المسيطر عليه ، ومنها : من صفعك على خدك الأيمن قدم له خدك الأيسر !
* من اقوال السيد عيسى بن مريم عليه السّـــــلام *
واغفر لمن أساء إليك وسامحه . فالمسامح كريم ، والغفران مكرمة تجازى عليها بمثلها .
وحين نتأمل في هذه المفاهيم سندرك ان المراد منها أن نرضى بما نكون عليه وصرنا إليه دون رفض أو سعي لتغييره .
لكن حقيقة الوقائع عبر مسيرة البشرية تؤكد أن من دون الغضب لا تستقيم طرقات الإنسان ،
ولا تتزحزح العراقيل التي تحول دون تحقق تطوره ! .
المصدر / جريدة الأتّحــــــاد .