النرجسية في التحليل النفسي :
كان فرويد أول من استخدم مصطلح النرجسية من الناحية النفسية ..
وقد استعمله بمعنى محدد وهو أن لدينا جميعاً رغبات نرجسية أو حب الذات ،
وهي طبيعية ومن الضروري إشباعها ، وأنها تشكل مرحلة من النمو تتطور فيما بعد إلى حب الآخر .
وفي حال عدم إشباع هذه الرغبات يحدث الإنكفاء على الذات والتثبت عند مرحلة حب الذات الأولى .
وقد طرح كاوت و كيرنبيرغKohut , Kernberger تفاصيل عن مفهوم النرجسية المرضية
من وجهة نظر تحليلية وأنها نتيجة لعلاقة باردة غير متعاطفة وغير ثابتة مع الأبوين
في مرحلة الطفولة الأولى ، وأنها تعويض مرضي على تلك المرحلة .
وبين كيرنبيرغر أن اضطراب النرجسية الشديد أو الخبيث لا يمكن علاجه
بينما يمكن علاج الحالات المتوسطة أو الخفيفة .
كثيرا ما نشجع وندعو لاحترام وتقدير الذات ولكن بشكل معقول ومنطقي بعيدا عن التطرف
وكلما استطاع الفرد ان يقدر ويحترم ذاته بشكل منطقي كلما كانت شخصيته قوية ومتزنة
ومقبولة من الاخرين ، اما اذا تطرف بتقدير واحترام ذاته ونظر الى الاخرين نظرة دونية
او استغلالية او اصبح متعالي على الناس فانه قد تحول الى نرجسي
ومضطرب الشخصية وغير واقعي ومرفوض من الاخرين .
ويناقش إريك فروم erich fromm النرجسية في كتابه " عظمة وقيود
فكر فرويد " ( 1980 ) greatness and limitations of freud thought
حيث يقدم عدداً من النقاط المهمة .
ويقترح أن النرجسية لها قيمة خالدة، فسنشعر بأهميتها لدرجة تجعلنا نعتني بأنفسنا ونحقق الأشياء وغيرها .
ويقترح أيضاً أن آراء فرويد عن النرجسية قد تشوهت بآرائه عن المرأة وطبيعة الحب ،
ووفقاً لفروم fromm فإن فرويد لم يستطيع رؤية أن النرجسية مضادة للحب وذلك لأنه
كانت لديه أفكاره الخاطئة عن الأسلوب الذي يحب به كل من الرجل والمرأة بعضهم البعض
ولقد نبع هذا جزئياً من النظام الطبقي والأسلوب الذي تعلمت به نساء الطبقات الوسطى كيف يتصرفن .
ويعد معظم النرجسيين من الأفراد الجذابين - ويقترح فروم ( 1980 ) froom أن معظم
الفنانين والكتاب المبدعين والراقصات والسياسيين من ذوي الشخصيات النرجسية إلا أن هذه النرجسية
لا تتداخل في فنهم بل تساعدهم فيه.
ووفقاً له فإن هؤلاء النرجسيين يجسدون صورة لما يجب
أن يكون عليه الإنسان العادي وهو ما ينطبق على الإنسان العادي
( والذي لا يقيم القلق الذي يعاني منه المريض بالنرجسية ) .
كما قام فرومfromm أيضاً بالتفريق بين النرجسية والأنانية .
فالأخير يشير إلى نوع من الأثرة والطمع وهو ما يختلف عن الرؤية المشوهة للواقع الموجودة
في النرجسيين والذين قد لا يكونون أنانيين ولكنهم مصابين بحب الذات . وقد يكون الشخص
المحب لذاته أنانياً ولكنه قد يكون واقعياً في الوقت ذاته ، يوجه بعض النرجسيين طاقاتهم نحو إخفاء
حبهم لأنفسهم حيث يرتدون قناع الخضوع ويشتركون في سلوكيات غير أنانية مثل القيام بأعمال
إنسانية عديدة كوسيلة لإخفاء نرجسيتهم .
وبشكل عام فإن كل هذا يجعل من الصعوبة اكتشاف النرجسية والتعامل معها ولا يميل النرجسيون
إلى أن يرتبطوا بالمعالجين ويرفضون العلاج وهناك ميل
في الفكر الاجتماعي لربط المصطلحات سوياً وتفسير الأنانية والاهتمام المتزايد بالنفس
وفرط الفردية كنرجسية. وبالطبع فإن الأنانية والنرجسية عادة ما يكونان مرتبطين ببعضهما البعض .
ويطرح فروم ( 1980 ) مناقشة مهمة لما يدعو له بالنرجسية الجماعية ونوع
الشيء الموجود داخل الناس والذين يؤكدون كما يفعل معظم الأمريكيين
( أو اعتادوا عليها على الأقل ) مع إحساس بالتقوى والأفضلية " نحن رقم واحد بالنسبة لشعوب العالم "
وسنرى هذا الأمر أيضاً لدى مشجعي الفرق الرياضية .
ووفقاً لفروم فإن النرجسية الجماعية ترتبط بالأنظمة الاقتصادية التي تقوم على الأنانية وتحاول
تحقيق الحد الأقصى من الأرباح على حساب الآخرين.
وهو ما يعني أن النرجسية الجماعية ترتبط بالإنحياز الذي يجده الفرد في المجتمعات الصناعية الحديثة.
إن الشخص العادي يعيش في ظروف اجتماعية تقيد من تنمية نرجسية مكثفة فما الذي يغذي نرجسية الفقراء
الذين لهم مظهر اجتماعي أقل والذين يميل أطفالهم إلى أن ينظروا إليهم باحتقار؟ فهو لا شيء
ولكن إذا ما كان يمكن أن يتعرف على دولته حينها يكون هو كل شيء .
وتعد النرجسية مفيدة جداً للحكومات عندما ترغب على سبيل المثال في حشد شعوبها وتجهيزها لخوض الحروب.
ويتساءل فروم إذا ما كان الرجل والمرأة المعاصرين سيموتان من النرجسية نتيجة لمشاركتهما بالأنا
في المجتمعات الصناعية شديدة الفنيات تماماً كما مات نرجس Narcissus نتيجة لوقوعه
في حب صورته في بركة الماء .
ويهتم المعالجون النفسيون بالنرجسية وعادة ما يرونهافي الأعداد المتزايدة من المرضى ،
ومن الصعب أن نقول إذا ما كان يوجد الآن نرجسية مقارنة بالعصور السابقة أو إذا ما كان المعالجون
أكثر براعة في التعرف عليها .
ومهما كانت الحالة فإن النرجسية بأشكالها العديدة الخفية – تظل مشكلة – لها أهميتها الكبيرة
لكل من الأفراد والثقافات الأمريكية والتكنولوجية الحديثة الأخرى .
وسواء ما إذا كانت أنانية أو نرجسية ( أو مجموعة من كليهما ) وهو ما يعتبر أمرا خاطئاً
حيث إن التركيز المتزايد في الثقافة الأمريكية وفي هيئاتنا السياسية قد كان على الفرد وحقوقه
والشركات الخاصة والطموحات الشخصية لاستثناء النطاق العام
وإحساساً بمسئوليتنا الجماعية والتزامنا الجماعي .
وكنتيجة لذلك يرى العديد من النقادعدم وجود أي توازن وأن علينا أن نجد أساليب جديدة للتخلص
من دوافعنا النرجسية وميولنا النرجسية وتوجيه اهتماماتنا إلى الخارج .
المصدر / موقع السيد احمد الكــردي .