علوم وتقنيات :
..............
يعد الكثيرون ( جيمس واط ) من المهندسين العظماء ليس لاختراعاته المهمة
المتعلقة بتطوير الماكنة البخارية التي وضعت اساس التطور التكنولوجي اللاحق
للجنس البشري ولكن ايضا لما ادت اليه هذه الاختراعات من سيطرة الانسان
على قوى الطبيعة الى درجة لم يكن احد في السابق يحلم بها .
ثروة بين أصابعه :
ان سر نجاحه الكبير يعود الى قدرته الفذة على الاختراع والى مهارته اليدوية
كصانع حرفي ماهر للادوات ، ولعل العمال الذين كانوا يعملون لدى والده لم
يجانبوا الصواب حين قالوا له : ( ان ولدك جيمس يملك ثروة بين اصابعه ) .
ولد (جيمس واط) في غرينوك التي كانت مهدا للهندسة وبناء السفن على
ساحل (رينفريو شاير) في ( اسكتلندا ) وذلك في كانون الثاني من العام
1736، وكان والده حاذقا في بناء السفن واصلاحها كما عمل تاجرا ووكيل
مزرعة وامين صندوق .
حصل (جيمس) على خبرة ثمينة من خلال عمله في ورشة والده ، حيث
كانت له منضدة العمل الخاصة به مع معداتها الكاملة ، وعندما تخرج من
المدرسة الثانوية عمل في ( غلاسكو ) لحساب صانع للعدسات حيث
تعززت خبرته كصانع ماهر للادوات .
أجور الكفاف :
بعدها قرر ان يذهب الى ( لندن ) ليجمع ثروة من عمله وعندما وصل هناك
وجد نفسه بلا عمل ، بعد ان كان احد اصدقاء والده قد وعده باستخدامه لديه ،
الا انه لم يف بوعده ، واحتاج الفتى الى وقت طويل ، قبل ان يجد عملا ،
الا انه في النهاية كان قد استخدمه صانع للادوات الرياضية ، لم يكن يدفع له
اجور الكفاف مما يكفيه فقط لسد رمق العيش وبعد سنة من الحرمان والعوز
رجع الى ( غلاسكو ) حيث دخل في شراكة لصنع الادوات
العلمية للجامعة هناك .
وفي سنة 1746 تزوج من احدى بنات عمه تدعى ( مارغريت ميلين ) .
شراكة مربحة :
كان احد اعماله الاولى هو تصميم وبناء جهاز للرسم المنظوري وبعدها
بدأ في سنة 1765 بتحديد احدى نماذج العمل للماكنة البخارية ، لقد
لمعت لديه فجأة فكرة تطوير كفاءة الماكنة من خلال استعمال دثار
من البخار ( Steam Jacket ) حول الاسطوانه واستعمال مكثفة للبخار
المستهلك من اجل خلق فراغ (Vacuum) .
وفي العام 1768 قابل رجل الصناعة البريطاني ( ماثيو بولتون ) الذي استطاع ان يمدد فترة
عمل براءة الاختراع التي كان ( واط ) قد حصل عليها جراء صنعه لماكنته البخارية
المطورة لمدة خمس وعشرين سنة اخرى .
بعدها دخل معه في شراكة لانتاج الماكنة الجديدة التي احتاجت الى سنوات عديدة لتصل الى حالتها المثالية
وبدأت هذه الشركة بتحقيق الارباح .
منظم واط والقوة الحصانية :
وبين العام 1775 او العام 1790 حقق العديد من التحسينات في ماكنة ،
كما اخترع الماكنة المزدوجة الفعل وقد كانت عبارة عن ماكنة تدويرية
مزودة بترس كوكبي ومنظم للماكنة ، لا يزال يعرف حتى الان باسم
منظم واط اضافة الى ترس الحركة الوصلية المتوازية .
كما ادخل فكرة قياس القدرة بدلالة القدرة الحصانية لاول مرة وذلك
بافتراض ان حصان المطحنة عندما كان يقطع محيط دائرة نصف قطرها
24 قدما مرتين ونصف المرة في الدقيقة، فانه كان يبذل الجهد نفسه
لسحب كتلة مقدارها 180 باوند .
ان الاسس التي اعتمدها في هذه الارقام قد اصبحت اليوم غير معروفة
الا ان كل ما يعرف انها كانت تعطي معدلا من القدرة مقداره 32.400
باوند قدم/ دقيقة والتي قام بتعديلها فيما بعد لتصبح 33.400.
وحصل واط على عدد من براءات الاختراع منها الحركة المعروفة باسم
( الشمس التابع ) وقاعدة التمدد والمحرك المزدوج ، والحركة المتوازية
وجميع هذه الاختراعات تدخل في نطاق المحركات البخارية ومن بين
اختراعات واط المهمة مؤشر الماكنة البخارية (Landietor)
الذي كان يظهر بدقة متناهية ما يحدث في داخل الاسطوانه للماكنة خلال تشغيلها .
وخلال وجوده في مدينة ( بيرمنغهام ) حصل على مكانة مهمة في جمعية (لونار) العلمية الشهيرة ،
حيث استطاع ان يلتقي بالعديد من العلماء ورجال الصناعة البارزين من امثال
( بريستلي ) و ( هيرشل ) و ( ويدغوود ) الذي اشتهر في صناعة الخزف .
بولتون واط واولادهما :
في سنة 1790 سلم ( واط ) و ( بولتون ) الجزء الاكبر من اعمالهما الى اولادهما
واصبح اسم الشركة ( بولتون واط واولادهما ) وبحلول سنة 1800 كان واط قد تقاعد عمليا ،
الا انه ظل يواصل اختراعاته حتى وفاته .
وفي سن متأخرة قام بانتاج ماكنة ذات قدرة بارعة على استنساخ
المنحوتات والتماثيل ، حيث مات ، في ( هيثفيلد ) الواقعة في ( برمنغهام ) .
لقد كان واط سعيد الحظ بحيث انه استطاع ان يعيش ليرى نتاجات اعماله
وان يحصل بسبب ذلك على الشهرة والمردود المالي
بعد حياة مليئة بالكفاح ، ان اسمه سيخلد الى الابد وخاصة في وحدات
القدرة وهي الـ ( واط ) التي حلت محل القدرة الحصانية والتي كانت هي الاخرى قد استحدثت اصلا من قبله ،
كما يعد صاحب ثورة حقيقية في مجال الطاقة ووصف بانه زعيم الثورة الصناعية .
قصة الآلة البخارية :
ان جيمس واط باختراعه للالة البخارية او ( المحرك البخاري المكثف ) اعطى
للعالم اعظم اختراع والذي فجر الثورة الصناعية ولم يكن هو اول من اخترع
الالة البخارية ، فقد سبقته محاولات كثيرة ، لكتن تلك الالات السابقة
كانت ضعيفة الجهود بدرجة انهم كانوا يستخدمونها فقط في ضخ الماء من المناجم ،
فما هي حكاية الالة البخارية ؟
ذات يوم عرض عليه تصليح
آلة لرصد الجو عجزت جامعة الفيزياء في لندن عن اصلاحها فلاحظ جيمس واط ان السير الطبيعي لهذا
الجهاز الحقيقي هو كميات كبيرة من البخار لما يتبخر من حرارة ، ثم اجرى عدة اختبارات على تبخير
المياه وتمكن في النهاية من ان يحفظ لهذه الاسطوانة كل حرارتها في
الجهاز الحراري وجعل البخار يتجمد في نطاق خاص اطلق عليه ( مجمد البخار ) ثم يبرده شيئا فشيئا .
وبهذا الاختراع تمكن واط من الاستغناء عن الهواء واستخدم بديلا
عنه بخار الماء في البداية وهكذا تحولت الالة الراصدة للجو الى الة بخارية .
عبقرية أصيلة :
تم تشييد تمثال له في دير ( ويستمنستار ) حيث نقشت عليه العبارة الاتية :
( الى جيمس واط الذي ، وجه قوة عبقريته الاصيلة في استخدام البحوث
الفلسفية المبكرة التي قام بها لتطوير الماكنة البخارية التي وسعت
كثيرا من موارد الدخل القومي لبلاده وزادت من قدرات الانسان بالاضافة
الى انها رفعته الى مرتبة عظيمة بين العديد ممن تبعه من العلماء اللامعين والذين قدموا
خدمات جليلة للبشرية ) .
المصــدر / مجلّــــة بغدادي الحبيبـــــة .