القديسة ماري ألفونسين ، تُنقذ كاهن من الموت ذبحاً !
بعد صمت دام ثماني سنوات سرد الأب نيروان البنّاء ، كاهن رعية بيت لحم لطائفة اللاتين ،
حادثة نجاته من القتل على يد إرهابيين ، بعدما تم خطفه على الحدود العراقية ، وقد كتب تفاصيل الحادثة وأعلنها كما قال :
شهادة حياة اهديها للجميع لمناسبة إعلان قداسة الأم ماري ألفونسين ، مؤسسة رهبنة راهبات الوردية الاورشليمية المقدسة
حادثة من طي الكتمان الى وجه النور حتى وإن مرَّ على هذه الحادثة ثمان سنوات من الان
والتي أدليتُ بها قبل سنتين في المحكمة الكنسية في القدس يوم كانت روما تدرس وتتابع بكثف
موضوع تقديس الطوباوية ماري الفونسين ، وحتى وإن كنتُ قد تطرَّقتُ اليها ببعض الوعظات
التي أعطيتها في بعض المناسبات سواء في الاردن أو فلسطين من دون ذكر تفاصيلها الكاملة ،
ارتأيت الى كتابتها اليوم كشاهد عيان وبكامل ، تفاصيلها لسببين :
الأول : لمناسبة تقديس الأم ماري الفونسين كونها بإعتقادي الشخصي بطلة الحادث ان صحَّ تعبيري اللُغوي .
وثانيا : لإنّ الحادث هذا تم تناقله خلال هذه الايام عبر وسائل التواصل الإجتماعي والفيس بوك
والمواقع الالكترونية الأخرى وبسرد ربما أراه في بعض المحطات غير دقيق عن واقعه الحقيقي ،
فهناك امورا صحيحة وهناك أمور بحاجة الى توضيح وتدقيق اكثر، لذا وللامانة أحببت أن أسرد ،
هذه القصة بتفصيلها لانها تعنيني كثيراً ، وكثيراً جدا ، علما بانها كانت وحتى اليوم في طي الكتمان
لم يكن يعرف بها إلا النفر القليل جدا من الاشخاص ، حتى أهلي وأقاربي وأصدقائي .
ربما ما منعني في وقتها من السرد كانت الظروف الامنية الصعبة التي مرَّ بها بلدي وما يزال يمر ،
أو ربما لعدم رغبتي بادخال الخوف أو الرعب بين أفراد العائلة والاهل انذاك خصوصـاً اننا الرهبان
في سفر دائم ومستمر، فسردي اليوم للحادث سأعتبره إرادة الله التي شاءت في هذه الأيام المباركة
بان أخرجها الى وجه النور لكي يتمجد الرب دائماً بقديسيه ، فليكن اسم الرب ممجداً ومباركاً .
بدايةً قصة معرفتي لرهبنة الوردية بآختصار بدأت يوم كنت طالبا في الفلسفة ببيت لحم
سنة 2002 – 2004 وذلك من خلال حصولي على كتابين عن حياة المؤسسة والتي كانت
انذاك ( مكرَّمة ) المكرمة ماري الفونسين ، وأتذكر الكتاب الأول هو كتاب زنبقة مقدسية
والثاني كليمة العذراء كتاب واسع بفحواه يتحدث عن تاريخ الرهبنة بكامل تفاصيلها ،
حصلت عليها عن طريق الاخت ليتيسيا حداد احدى راهبات الوردية ، ومن خلال دراستي لروحانية المؤسسة
تبيَّن لي بأن الرهبنة تهدف بالدرجة الأساسية الى تثقيف البنات العربيات والإهتمام بهم وتعليمهم ... الخ ..
ذخيرة القديسة ماري الفونسين فكان السؤال الذي تبادر الى الذهن والموجه الى الاخت ليتيسيا هو :
لماذا لا تتوجهون الى العراق كرهبنة ، اليس العراق بلد عربي ؟
فنصحتني بمقابلة الرئيسة العامة للرهبة يوم ذاك وهي الاخت جيزيل حرب كي أناقش معها الموضوع
وفعلاً تم اللقاء وأبدت إستعدادها للذهاب الى العراق ولكن ربما الظروف التي كنا نمر
بها في العراق أحال بنا الى الإنتظار لرؤية مستقبل العراق ، والمهم في كل القصة يكمن
من خلال زيارتي الى دير راهبات الوردية بالقدس ( ماميلا ) سنة 2004 حيث ضريح
المؤسسة ماري الفونسين ، كانت الاخت الديفونس رحمها الله رئيسة للدير وكانت ايضاً مستشارة
في الرهبنة حيث أعطتني خلال هذه الزيارة الكثير من المعلومات والتوضيحات عن روحانية الرهبنة
ورسالة الرهبنة في أماكن تواجدها اضافة الى خبرتها الشخصية . وكم شجعتني بالمضي قُدماً
لايصال رسالة وروحانية رهبنة الوردية الى العراق وفي نهاية اللقاء الذي كان إيجابياً ولخوفها
عليَّ بسبب ما كانت تسمع من أحداث اليمة وآنفجارات من هنا وهناك وما الى ذلك ،
تفضَّلت باعطائي ذخيرة المؤسسة ماري الفونسين قبل مغادرتي الدير وقالت لي بالحرف الواحد :
ساعطيك هذه الذخيرة لكي تزيد عبادة لمؤسستنا ولكي تحميك من الخطر وأنت في العراق ،
وكان ذلك في تموز سنة 2004 ( علما بان هذه الذخيرة هي إحدى الذخائر
التي حصلنَ عليها الراهبات يوم نقل جثمان المؤسسة من حديقة الدير بماميلا الى داخل الكنيسة سنة 1986 ) .
وهذه الذخيرة ما تزال ترافقني في كل رحلاتي أينما كانت سواء داخل البلد أو خارجه حتى اليوم ،
حيث لها محل خاص في ثوبي الرهباني ..
قصة الحادثة :
كانت الحادثة في يوم 14 تموز 2007 وأنا بطريقي من عمان الى العراق ، كان سفرنا طريقاً برياً ،
ولكون الطريق ما بين الاردن والعراق كان يوم ذاك خطيرا جدا في الفترة الممتدة ما بين
سنة 2004 – 2008 ( حرب أهلية طالت البلاد وحصدت بموجبه الكثير من الأبرياء ) ،
أصبح السفر الى العراق ( من الأردن مروراً بسوريا التي كانت آمنة يوم ذاك ) ومنها الى العراق ،
كتُ في السيارة خلال الرحلة برفقة عائلة مسلمة سنيةَ ( أب وأم وطفلة صغيرة ) إضافة
الى شاب مسلم شيعي ، وبعد العبورالى الأراضي العراقية وقفنا خلال السفر باحدى
السيطرات العراقية ( حاجز التفتيش ) .
وهناك تم إستجوابنا من خلال أحد الأشخاص الأمنيين ( عسكر ) الذي طلب الجوازات من الجميع
مع طرح بعض الأسئلة علينا ، وكانت الساعة تقريباً 12.15 ظهرا ، وبعد الإستجواب والأسئلة الروتينية
طلب منا النزول من السيارة والذهاب معه الى مكاتب على حد قولهِ تبعد مسافة 20 دقيقة
عن الشارع الرئيسي مشياً ، لأمور أمنية مثلما أخبرنا ، وفعلا آرتأينا الى طلبه وآتّجهنا معه
الى المكاتب التي تظهر من بعيد وكأنها غرف مهجورة ومتروكة ،
سرنا مسافة 20 دقيقة ووصلنا الى المحل وفعلا كانت غرفتين مهجورتين ، لنتفاجأ بخروج شخصين ملثمين
منها وبلحية طويلة بدأ أحدهم باستجوابنا واحداًبعد الآخر ، ومن خلال لهجته تبين لي من أنه عراقي .
وبعد إنتهاء فترة الإستجواب ذهب الملثم الثاني الى الشاب المسلم ( الشيعي )
وربط يديه من الخلف أمام الجميع وقبل أن يذبحه قرأ على رأسه شئ من القرآن لا أتذكر !!
ثم قطع رأسه ووضعه على تصالب يديه المربوطتين ( فعلا مشهد لا يمكن وصفه ) ! .
بعدها توجه لي وقال لي : ” أبونا هل ترغب بقول شئ قبل الموت ؟
قلت له : " لا ، فقط أرغب بصلاة صغيرة إذا أذنت لي " ! فسمح لي بدقيقة واحدة ، لإنّه لم يكن
لديه من الوقت مثلما أخبرني ، ( أصعب موقف أمر به في حياتي كلها ، خوف ، رعب ،
إصفرار الرؤية أمامي ، ورنين قوي في آذاني نتيجة الخوف ، والباقي سأتركه لله )
طلب مني أن أصلي وأنا راكع على الأرض وبيده السكين التي كان يضغط بها على عنقي ،
أتذكر إنني صليت في وقتها ( الأبانا والسلام والمجد ) ولكن للحقيقة لا أعرف كيف صليتها أو ماذا قلت في وقتها ،
أو ماذا تمتمت من الكلمات !!! لا أتذكر ، الذي أتذكره جيدا هو بانني مسكت ذخيرة ماري الفونسين
التي كانت في جيبي العلوي للثوب ، وقلت يا ماري الفونسين إنني لا أعرفـكِ جيداً ، ولكن إذا كانت
هذه هي إرادة السماء بأن أموت هنا فانني أقبلها لأنّها مشيئة الربّ ، وإن أرادت السماء
إنقاذي فاشفعي لي وآنقذيني ، هذه الكلمات أتذكرها جيداً ، في هذه الاثناء كانت يده تضغط بالسكين
على رقبتي أكثر وأكثر بآنتظار الفاجعة – هنا دخلتُ تقريبا في لحظة شبيهة بفقدان الوعي ،
وما هي الاّ ثوان قليلة لأسمع صراخ الذابح ماسكاً بكتفي بقوة ليوقظني ويقول لي :
من أنت ؟ لماذا يصعب عليّ ذبحك ؟ ” أجبته : " أنا راهب مثلما ترى وجوازي معك فيه كل شئ
تريد معرفته عني " ! .. فنظر اليَّ نظرة إحتقار ثم أشار بيده بإتّجاه سيارتنا يطلب منا الانصراف ،
وأعطاني وللعائلة التي معي فترة الخمس دقائق فقط للتوجه والوصول الى السيارة
كانوا قد جلبوها قريباً منّـا ، والمغادرة من دون كلام وكأننا لم نرى شيئا مما حدث ،
وآنتهى المشهد الاليم ! .
لا تسألونني عن وضعنا بعدما أقلنا السيارة وأكملنا الطريق !! أستطيع إختصارها بكلمة
صدمة ممزوجة بجنون وصفنة . لتبقى هذه الاسئلة التي تراودني دون إجابة حتى اليوم ! .
لم يكونوا هؤلاء من الدواعش ( لم يكن هناك إرهاب آسمه داعش سنة 2007 ) ،
كانوا عراقيين من خلال لهجتهم بلحايا طويلة ، وبلباسهم العسكري ، لماذا قصدونا نحنُ
بالذات من بين كل المارة ؟ منْ هُم ؟ ومن أية جهة كانوا ؟ لأيّ جهة ينتمون ؟
ماذا كانت أهدافهم ؟ أيّ إله يعبدون ؟ وهل هذا الإلــه الذي يعبدونه يسمح بهذه الوحشية
التي رأيناها ؟ ! هل شفاعة القديسة لي بهذه الحادثة كانت لغرض أن أكون واحدا من اللجنة الطبية المختارة
من المحكمة الكنسية المحلية ولجنة الفاتيكان بآختصاصي المايكروبايولجي – التشريح ،
لفتح ضريحها الكائن في كنيسة راهبات الوردية ( ماميلا ) يوم الجمعة 5 نيسان 2013
لتقديم التقرير الدقيق برفقة د. رعد ، ود. سابيلا ورفعه الى روما ( مجلس دعاوي القديسين ) ؟
لا أعرف !!! وكم هناك من الاسئلة التي تجتاح رأسي – بحاجة الى إجابة !!! كم ؟؟؟
حتى اليوم وكأنني في حلم جراء ما حصل ! فليتمجد الله في قديسيه الى الابد .
أيتها القديسة ماري الفونسين ، صلي من أجلنا.
أيتها القديسة مريم ليسوع المصلوب ، صلي من اجلنا .