ما معنى عبارة " المسيح إبن الله " ؟
بقلم : ابراهيم عرفات :
للمفكر التونسي والأستاذ الجامعي محمد الطالبي عمل شهير يضمن فيه أفكار جديدة
في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين بعنوان " عيال الله " ، وجاء في الحديث عن أنس
عن النبي أنه قال : { الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله } .
لا شك أن هذا القول يثير الاحتجاج التلقائي عند سماع أحدنا أن الله سبحانه وتعالى له " أبن " ،
وهذا من حق السامع وخاصة إن تبادر للذهن أن الكلام بصدد[ ولادة تناسلية ] ! ،
ولكن لو تأملنا في الكلام ورأينا أنه يحدث في سياق إيماني روحي غيبي وليس ماديًا أو بيولوجيًا
أو تناسليًا ، فأبسط بديهيّات المنطق هي قراءة الفكرة في سياقهاالمتصل بهاإتصالاً وثيقًا ،
وعليه نقرأ بنوة المسيح لله قراءة صحيحة مجردة عن أي تفكير مادي .
لا شيء مادي يلازم الحديث عن كنه الباري وإنما الحديث
في غيبيات وروحانيات ، ليس الكلام إطلاقًا عن الأبوّة المادية التي يخشى المسلمون
أنها المقصودة عندما نقول : إن المسيح هو إبن الله بل أنّ قولنا « الكلمة »
هو مرادف لقولنا إبن الله ، وأنّ الإنجيل قد دعاه الكلمة مثلما دعاه القرآن أيضاً ،
وإبن الله تدلّ على ولادة المسيح من روح الله القدوس ، نحن نقول بأن المسيح هو إبن الله
رمزياً ومعنوياً لا مادياً مبتذلاً ، وهذا يجب التأكيد عليه في البداية ، عندما يدعو المسيحي
يسوع ابن الله ، فإنه بهذه التسمية يشير إلى إيمانه بأن الله أدخل يسوع في علاقةٍ معه حميمةٍ فريدة ،
وأنّ رسالة الله الأزليّة وغير المخلوقة سكنت في يسوع ، ولقب « إبن الله »
يشير إلى معرفة متبادلة حميمة ( يسوع يَعرف الآب ) ، وإلى وحدةٍ في الإرادة
( يسوع لا يعمل إلا مشيئة الآب ) .
قطعًاالكلام هناعن ولادة روحانية كولادة الشعاع من الشمس وولادة النور من النور
وولادة الشرّر من الاحتكاك وولادة الطاقة وولادة أشياء عن الطاقة نفسها والطاقة التي تفنى
ولا تستحدث بل تتحول من شكل إلى آخر ، وكيف يكون تحولها ؟ إنها الولادة وولادة كهذه
ليس فيها ما ينتقص من الطاقة أو يقلل من قيمتها أو يصفها مثلا
بالـ " نجاسة " إذ أنه لابد أن تولد أشياء عن الطاقة الشمسية ، قياسًا عليه ، والكلام هنا
على المستوى الروحاني ، لابد أن يولد المسيح من أبيه فينبثق عنه في ولادة روحية ، أزلية أبدية ،
وهذا معنى قول المسيح : من عند أبي " خرجت " ، بعض المبشرين يصيبهم الإحباط
ومن ثم يحاولون التقريب بإيجاد ألفاظ بديلة لعلها تحل محل لقب " ابن الله "
فيقولون مثلاً أنّ المسيح هو " وليّ الله " ، ولكن هل من الممكن أن نتخلّى عن الاعتقاد
بأن المسيح إبن الله في أمل التوفيق في الحوار ؟ في الحقيقة ، هذه القناعة الإيمانية
هي العقيدة الرئيسية والتي على أساسها تمّ الانفصال بين تلاميذ المسيح وسائر اليهود ،
وعليها نشأ الدّين المسيحي ، فمنذ بدء المسيحية كان السؤال الذي يـُطرَح على من يريد
إعتناق الدين المسيحيّ هو التالي : « هل تؤمن بأن يسوع المسيح المسيح إبن الله ؟ » .
هذا السؤال طرحه الشماس فيلپس على قيّم كنداكة ملكة الحبشة ، ولما رد بالإيجاب عمـّده فيلپس .
( راجع أعمال الرسل 8: 37 ) .
والأناجيل برواياتها الأربع كـُتبت لغاية رئيسية ، كما يقول يوحنا في نهاية إنجيله ،
« لتؤمنوا أنّ يسوع هو المسيح إبن الله ، وتكون لكم ، إذا آمنتم ، الحياة باسمه »
( يوحنا 20: 31 ) .