"ساحة الدام"، المسوّرة بأبنية تاريخية تحكي، من دون كلام، روعة هندستها وخاصة القصر الملكي وكنيستها ومتحفها ...في ساحة امستردام يتجمع الناس من مختلف اللغات والاجناس يفترشون الارصفة ومقاعد وكل يغني على ليلاه...وفي الساحة أيضاً مجموعة من الشباب متنكرين بأزياء مختلفة، هذا يرتدي زي غوريللا وآخر زي رجل آلي، وآخر زي هيكل عظمي، وشابة ترتدي زي ملاك...وآخر يمارس ألعابا بهلوانية... الخ
هذا ليس كل ما رأيناه في ساحة الدام في أمستردام...بل كانت فيها اسراب حمام بالمئات تعج بها الساحة، اسراب تطير واخرى تحط وسط الناس الذين يتفرجون عليها ويرمون إليها فتات خبز وحبوب أرز...والحمام يهدل كأنه يشكر من يكرمه بالطعام...حتى ان بعض من الحمام كان يحط على اكتاف وسواعد بعض من يرمي لهم الحبوب والخبز...
سرَّ المشهدُ ابني، وخاصة حين وجد نفسه وسط كم كبير من طيور الحمام...فطلب من أحد الاشخاص في الساحة يحمل علبة أرز، أن يعطيه القليل...فملأ كفيه منها فدنت منه الحمائم وراحت تنقد الأرز من يده، بينما ابني يضحك فرحاً، لا هو خاف منها ولا هي خافت منه وكأن بينهما صداقة وعشرة وألفة سنين...
بينما كنت أتأمل في اسراب الحمام في ساحة امستردام وهي تألف الناس وتسليهم مقابل طعامها...لا تهابهم ولا ترعبها كثرتهم...عادت بي الذاكرة الى رحلات صيد الطيور في بلادي، ولدقائق قمت بمقارنة بين طيور وحمام قريتنا وبين حمام امستردام...آه كم هو الفرق شاسع بين حياة ابناء الجنس الواحد...حمام مترف وحمام مجحف...حمام امستردام يتمتع بالطعام والسلام، وحمام قريتي يعاني الخوف والموت والآلام...
هذا المشهد الذي رسمته في بالي، يشبه كثيرا حالة البشر اذ قوم مترفون سعداء ينعمون برغد الحياة ولهم من خيرات الدنيا ما يفوق كفايتهم أضعافا مضاعفة...يأكلون فيشبعون، يشتهون فينالون، ينامون في قصور او بيوت فخمة بين جدرانها يشعرون بالأمن وراحة البال وسبل حياتهم سليمة وسالمة بشكل عام...(حمام امستردام)...أما قوم آخرون، فيرعبهم الجوع، وتقتلهم بنادق الأشرار، العراء مسكنهم والارض فراشهم والسماء غطاؤهم...تآلفوا مع الفقر والخوف وانمحى السلام من قاموس حياتهم...(طيور وحمام قريتي)...
لكن، في ختام الأمر، المترف والجائع، الغني والفقير، القاتل والقتيل، الظالم والبريء، الكبير والصغير، الصالح والطالح، الحلو والمالح،...الخ...ينتظرهم مصير واحد يجمعهم سواسية...ومصير ثانٍ يفرقهم...هذا في نعيم أبدي وذاك في جحيم أبدي...
الا توافقني صديقي القارئ؟...
قال النبي سليمان الحكيم: 13فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللَّهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ لأَنَّ هَذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ. 14لأَنَّ اللَّهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى الدَّيْنُونَةِ عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً. (جامعة12: 13)...
والرب يسوع قال: 25لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟...(لوقا9: 25)