يسوع يدخل أورشليم :
من انجيل البشير لوقا : ( 18 – 20 )
أصدقائي الأعـــزّاء :
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا
لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيق معه إلى الأب د. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ،
لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘ طريق البر’ .
في حلقتنا السابقة ، رأينا كيف أقام الرب يسوع جسداً ميتاً ، كان قد صار له أربعة أيام في القبر .
فقوة الموت لم تشكِّل مشكلة بالنسبة ليسوع ؛ لأنه هو نفسه القيامة والحياة .
واليوم ، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل ، لنرى كيف دخل يسوع أورشليم حيث كان سيموت .
لقد كان يسوع يعرف كل ما كان سيحدث له ، وعرف أن قادة الدين اليهود
سيسلِّمونه إلى الرومان ، الذين سيعذبونه ويسمِّرونه على صليب ، وبالرغم من هذا ،
لم تمنعه معرفته بتلك الأمور من الذهاب إلى أورشليم .
وعن هذا يقول الإنجيل : ‘‘ وحين تَّمت الأيام لارتفاعه ،
ثبَّت وجهه ( أي صمَّم بعزم ) لينطلق إلى أورشليم .
’’ ( لو 51:9 ) .
‘‘ وبينما كان يسير متجهاً نحو أورشليم ، قال يسوع لتلاميذه :
‘‘ لي صبغة أصطبغها ( أي صبغة الألم ) ، وكيف أنحصر حتى تُكمَل ! ’’
أو بمعنى آخر: ‘‘ لي معمودية عليَّ أن أعتمد بها ( أي معمودية الألم ) ،
وكم أنا متضايق حتى تتم ! ’’ ( لوقا 50:12 ) .
ولكن ، .. لماذا صمَّم يسوع على الذهاب إلى أورشليم ؟
لقد فعل هذا؛ كي يسلِّم نفسه لهؤلاء الذين أرادوا قتله ! إن هذا حقاً لعجيب !
فإن عرفت أنت مثلاً أنه في مدينة معينة ، يريد الناس فيها أن يعذِّبوك ويقتلوك ،
فهل تصمِّم على الذهاب إلى تلك المدينة ؟ هذا هو تماماً ما فعله يسوع المسيَّا .
لقد كان يسوع يعرف أنه وُلِد ليموت كذبيحة عن خطايا العالم ، فلم يأتي يسوع
إلى العالم ليبحث عن متعته الخاصة ، بل ، ليتمِّم ما كتبه الأنبياء عنه منذ القديم :
أي أنّ المسيَّا سيتألم ، ويسفك دمه خارج أورشليم ، علىالجبل الذي قدَّم عليه إبراهيم
خروفاً كذبيحةٍ بدلاً من إبنه ، لقد كان من الضروري أن يُتَمَّم
رمز الخروف المذبوح ، في يسوع .
ولهذا ، ذهب يسوع إلى أورشليم ، المدينة التي كانت له بمثابة جب الأسود الجائعة
التي تنتظر الفريسة. والآن ، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل .
يقول الكتاب : ‘‘ وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ، ويتقدَّمهم يسوع ،
وكانوا يتحيَّرون ، وفيما يتبعون ، كانوا يخافون ، فأخذ ( يسوع ) الاثني عشر أيضاً ،
وابتدأ يقول لهم عمَّا سيحدث له . ’’
( مر 32:10 ) .
‘‘ فقال لهم : ها نحن صاعدون إلى أورشليم ، وسيتمُّ كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان . ’’
( لو 31:18 ) .
‘‘ .. إذ يُسَلَّم ابن الإنسان إلى رؤساء الكهنة والكتبة ، فيحكمون عليه بالموت ،
ويسلِّمونه إلى الأمم ، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون
عليه ويقتلونه ، .. وفي اليوم الثالث يقوم . ’’
( مر 33:10 ،34 ) .
‘‘ .. وأما هم ، فلم يفهموا من ذلك شيئاً ، وكان هذا الأمر مخفيَّاً عنهم ، ولم يعلموا ما قيل .
ولما اقترب يسوع من أريحا ، كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي ،
فلما سمع الجمع مجتازاً ، سأل : ما عسى أن يكون هذا ؟
فأخبروه أن يسوع الناصري مجتاز .
فصرخ قائلاً : يا يسوع ابن داود ، آرحمني ! فانتهره المتقدِّمون ليسكت .
أما هو ، فصرخ أكثر كثيراً : يا ابن داود ارحمني ! فوقف يسوع ، وأمر أن يُقدَّم إليه .
ولما اقترب ، سأله قائلاً : ماذا تريد أن أفعل بك ؟ فقال :
يا سيد ، أن أبصر ! فقال له يسوع : ابصر؛ إيمانك قد شفاك ! وفي الحال أبصر،
وتبعه وهو يمجِّد الله . وجميع الشعب إذ رأوا، سبحوا الله . ’’
( لو 34:18-43 ) .
‘‘ ولما قربوا من أورشليم ، وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون ،
حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما :
إذهبا إلى القرية التي أمامكما ، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها ، فحلاهما وأتياني بهما ،
وإن قال لكما أحد شيئاً ، فقولا : الرب محتاج إليهما ؛ فللوقت يرسلهما .
فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل : قولوا لابنة صهيون : ه
وذا ملككِ يأتيكِ وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان .
‘‘ فذهب التلميذان ، وفعلا كما أمرهما يسوع ، وأتيا بالأتان والجحش ، ووضعا عليهما ثيابهما ،
فجلس عليهما ، والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق ، وأخرون قطعوا أغصاناً من الشجر،
وفرشوها في الطريق ، والجموع الذين تقدَّموا والذين تبعوا ، كانوا يصرخون قائلين :
أوصنَّا لابن داود ، مبارك الآتي باسم الرب ، أوصنَّا في الأعالي . ’’
( مت 1:21-9 ) .
‘‘ وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له : يا معلِّم ، انتهر تلاميذك .
فأجاب وقال لهم : أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء ، فالحجارة تتكلَّم .
‘‘ وفيما هو يقترب إلى أورشليم، نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلاً :
إنك لو علمتِ أنتِ أيضاً حتى في يومكِ هذا ما هو لسلامكِ ، ولكن الآن
قد أُخفيَ عن عينيكِ ، فإنه ستأتي أيام ، ويحيط بكِ أعداؤكِ بمِترَسة ، ويحدقون بكِ ،
ويحاصرونِكِ من كل جهة ، ويهدمونِكِ وبنيكِ فيكِ ، ولا يتركون فيكِ حجراً على حجر،
لأنكِ لم تعرفي زمان افتقادكِ . ’’
( لو 39:19-44 ) .
‘‘ ولما دخل أرشليم ، ارتجَّت المدينة كلها قائلة :
من هذا ؟ فقالت الجموع : هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل !
ودخل يسوع إلى هيكل الله ، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل ،
وقَلَب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام .
وقال لهم : مكتوبٌ بيتي بيت الصلاة يُدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص .
‘‘ وتقدَّم إليه عميٌ وعرجٌ في الهيكل ، فشفاهم ، فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة
العجائب التي صنع ، والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون :
أوصنا لابن داود ؛ غضبوا وقالوا له : أتسمع ما يقوله هؤلاء ؟
( فقد كانوا غاضبين لأن كلمة ‘ أوصنَّا ’ تعني ‘ الله يخلِّصنا ’ ،
وهي كلمة تستخدم لتمجيد الله وحده ) فقال لهم يسوع : نعم .. أما قرأتم قط :
من أفواه الأطفال والرضَّع ، هيَّأت تسبيحاً . ’’
( مت 10:21-16 ) .
‘‘ وسمع الكتبة ورؤساء الكهنة ، فطلبوا كيف يهلكونه ؛ لأنهم خافوه ،
إذ بُهِت الجمع كله من تعليمه .’’
( مر 18:11) .
‘‘ وأما يسوع فأجاب تلاميذه قائلاً :
قد أتت الساعة ليتمجَّد ابن الإنسان .
الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبَّة الحنطة في الأرض وتمت ، فهي تبقى وحدها .
ولكن إن ماتت ، تأتي بثمر كثير .
‘‘ .. الآن نفسي قد اضطربت ، وماذا أقول ؟ أيها الآب ، نجني من هذه الساعة ،
ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة ، أيها الآب ، مجِّد اسمك ، فجاء صوت من السماء :
مجَّدت ، وأمجِّد أيضاً ! فالجمع الذي كان واقفاً وسمع ، قال :
قد حدث رعد ! وآخرون قالوا : قد كلَّمه ملاك !
‘‘ فأجاب يسوع وقال : ليس من أجلي صار هذا الصوت ، بل من أجلكم .
الآن دينونة هذا العالم ، الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً ، وأنا إن ارتفعت عن الأرض ،
أجذب إليَّ الجميع ، قال هذا مشيراً إلى أيَةِ ميتة كان مزمعاً أن يموت . ’’
( يو 23:12-33 ) .
دعونا نتوقف هنا للحظة ، لنتأمل فيما حدث ! فلقد رأينا كيف دخل يسوع أورشليم راكباً
على جحش ابن أتان ، وكيف هتفت له جموع اليهود بالتهليل والتصفيق ،
راغبين في أن يجعلوه ملكاً لهم ، إلا أن الناس لم يفهموا لماذا دخل يسوع أورشليم ،
حتى تلاميذ يسوع ، لم يدركوا ما كان سيحدث ، إذ كانوا يأملون في أن يخلِّص يسوع
الشعب اليهودي من سيطرة أعدائه ، الرومان .
ولكن ، لم يكُن هذا هو السبب الذي من أجله جاء يسوع إلى العالم ،
إذ لم يأتِ يسوع لكي يحطِّم إمبراطورية الرومان ، بل ليحطِّم إمبراطورية الشيطان ،
فلم يأتِ كي يغيِّر هذا العالم الفاسد، بل ليغيِّر قلوب الناس ، حقاً ، ففي يوم ما ،
سيعود يسوع المسيح ليدين أناس العالم ، ويستعيد العالم المخلوق ويجدِّده .
إلا أنه عندما جاء إلى العالم في المرة الأولى ، جاء ليموت كذبيحة ،
جاء ليخلِّص نسل آدم من عقوبة خطيتهم ، كما وعد الله على لسان أنبيائه قديماً ،
وإذ نتابع القصة ، يقول الكتاب : ‘‘ وكان يعلِّم كل يوم في الهيكل ،
وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب ، يطلبون أن يهلكوه ،
ولم يجدوا ما يفعلون ؛ لإن الشعب كله كان متعلِّقاً به ويسمع منه .’’
( لو 47:19 ،48 ) .
‘‘ وفي أحد تلك الأيام ، إذ كان يعلِّم الشعب في الهيكل ويبشِّر ،
وقف رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ ، وكلَّموه قائلين :
قل لنا بأي سلطان تفعل هذا ؟ أو من هو الذي أعطاك هذا السلطان ؟
فأجاب وقال لهم : وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة ، فقولوا لي ، معمودية يوحنا ،
من السماء كانت ، أم من الناس ؟ فتآمروا فيما بينهم قائلين :
إن قلنا من السماء ، يقول فلماذا لم تؤمنوا به ؟ وإن قلنا من الناس ، فجميع الشعب يرجموننا ؛
لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي ، فأجابوا أنهم لا يعلمون من أين .
فقال لهم يسوع : ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا ! ‘‘ وابتدأ يقول للشعب هذا المثل ،
إنسانٌ غرس كرماً ، وسلَّمه إلى كرَّامين ، وسافر زماناً طويلاً ،
وفي الوقت ، أرسل إلى الكرَّامين عبداً ؛ لكي يعطوه من ثمر الكرم ،
فجلده الكرامون ، وأرسلوه فارغاً ، فعاد وأرسل عبداً آخر، فجلدوا ذلك أيضاً ،
وأهانوه وأرسلوه فارغاً ، ثم عاد فأرسل ثالثاً، فجرحوا هذا أيضاً وأخرجوه ،
فقال صاحب الكرم : ماذا أفعل ؟ أرسل ابني الحبيب ، لعلَّهم إذا رأوه ، يهابون ،
فلما رآه الكرامون ، تآمروا فيما بينهم قائلين :
هذا هو الوارث ، هلمُّوا نقتله ؛ لكي يصير لنا الميراث ، فأخرجوه خارج الكرم ،
وقتلوه ، فماذا يفعل بهم صاحب الكرم ؟ يأتي ويُهلك هؤلاء الكرامين ،
ويعطي الكرم لآخرين ، فلما سمعوا ، قالوا : حاشا ! فنظر إليهم ، وقال :
إذاً ما هو هذا المكتوب ‘ الحجر الذي رفضه البناؤون ، هو قد صار رأس الزاوية ،
كل من يسقط على ذلك الحجر، يترضَّض ، ومن يسقط هو عليه ، يسحقه ’ ؟
فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ، ولكنهم خافوا الشعب ؛
لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم . ’’
( لوقا 1:20-19 ) .
ومن خلال مَثَل الكرَّامين الأشرار ، كان يسوع يحذِّر هؤلاء الذين كانوا يتآمرون لقتله .
فهل تفهم عزيزي المستمع ، ما هو معنى هذا المثل ؟ .
إن تفسيره ليس بالأمر الصعب ! ففي هذا المثل ، يشبِّه الرب يسوع .. الله .
بصاحب الكرم. وحقل العنب ( أي الكرم ) .. هو شعب إسرائيل .
والكرامون الأشرار ، يرمزون إلى قادة الدين اليهود .
أما العبيد الذين أرسلهم صاحب الكرم ليجمعوا العنب ، والذين أساء الكرامون معاملتهم ،
هم الأنبياء ، وابن صاحب الكرمة ، الذي قتله الكرامون ، .
يمثِّل المسيَّا يسوع ، ونستطيع أن نفهم لماذا غضب الكهنة والكتبة غضباً شديداً .
فلقد كانوا يعرفون تمام المعرفة أن يسوع يتكلَّم عنهم ! وفهموا أن يسوع
كان يشبِّههم بالكرَّامين الأشرار الذين اضطهدوا عبيد صاحب الكرمة ، وفي النهاية ، قتلوا ابنه .
وهكذا ، اتَّهمهم يسوع بأنهم هؤلاء الذين تجاهلوا كلام الأنبياء ، والذين سيقتلون المسيَّا ،
ابن العليّ ، فلم يخبرهم يسوع بالمثل وحسب ، بل استشهد بما كُتِب عنه في المزامير،
قائلاً : ‘‘ الحجر الذي رفضه البناؤون ، هو قد صار رأس الزاوية .
كل من يسقط على ذلك الحجر، يترضَّض ، ومن يسقط هو عليه، يسحقه . ’’
( لو 17:20، 18؛ مز 22:118 ) .
وهكذا حذَّر يسوع قادة الدين أن المخلِّص الذين رفضوه وتآمروا على قتله ، سيصير في النهاية ، ديَّانهم ! .
فليبارككم الله ، وأنتم تتأملون فيما يعلنه لنا الكتاب المقدس عن يسوع المسيَّا ؛ إذ يقول :
‘‘ كان في العالم ، وكُوِّن العالم به ، ولم يعرفه العالم . ’’ ( يو 10:1 ) .