مسيحيون في سوريا ؛ يبحثون عن وطن بديل !
الأربعاء 23 ـ 12 ـ 2015
بعدما أفرج عنها تنظيم " الدولة الإسلامية " ، استمرت العمة سارة في إرتداء حجابها الأسود ،
حيث إنها تخشى عودة جهاديي التنظيم إلى قريتها ، فالحرب الدائرة في سوريا
والتي أودت بحياة أكثر من ربع مليون مواطن ، لازالت مستمرة .
العمة سارة في بداية عقدها الخامس ، إلتزمت باللباس الشرعي الذي فرضه عليها مقاتلوا
تنظيم " الدولة الاسلامية " طيلة فترة احتجازها عندهم .
تحدثت عن اللحظات الأولى عند سماعها نبأ الافراج عنها إذ لم تصدق أنّ اسمها من بين
الذين يشملهم قرار الإفراج ، " نادوا على اسمي عدة مرات ؛
وقتها أيقنت أنني من بين اللواتي سيفرج عنهنّ " .ذكريات الماضي :
شن عناصر " الدولة الاسلامية " هجوماً واسعاً فجر يوم 23 شباط / فبراير من العام الماضي ،
على القرى التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية ببلدة تل تمر، والتي تقع
على بعد 45 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة الحسكة ( اقصى شمال سوريا ) .
وتتبع للبلدة ثلاثون قرية ينتمي سكانها للسريانية الآشورية المسيحية .
العمة سارة تنحدر من قرية تل شاميرام ، احدى القرى التي تعرضت للهجوم آنذاك ،
حيث بقيت محتجزة على مدى عشرة أشهر وأفرج عنها في دفعة أخيرة .
وكان مقاتلوا التنظيم قد خطفوا 234 من سكان تلك القرى ،
حيث افرج عن نصف عددهم على ثمان دفعات كانت آخرها نهاية الشهر الماضي .
عادت سارة بذاكرتها الى لحظات خطفها من منزلها لتروي لـ DW عربية قصتها وقالت :
" حبست أنفاسي على مدى خمسة أيام " ، وتابعت :
" بتنا ليلتنا الأولى في جبل عبدالعزيز، وفي اليوم التالي آقتادونا الى
منطقة الشدادي وبقينا هناك حوالي أربعة اشهر" .
لحقت أضرار مادية جسيمة بكنسية " السيدة مريم العذراء " في قرية تل نصري .
بعدها قام عناصر التنظيم بنقل جميع المختطفين المسيحيين الى مدينة الرقة ( شمال سوريا ) ،
" عندما وصلنا قال لنا أحد أمرائهم أنّ معاملتنا ستكون حسنة ومختلفة عن الاخريين
لأننا من أهل الكتاب " ." لا اكراه في الدين "
: وقام عناصر التنظيم بفرزهم حسب قراهم ، وفصلوا الرجال عن النساء ،
وبقي الأطفال دون سن العاشرة مع أمهاتهم ، وما فوقهم سنا بقي مع الرجال .
كما آحتفظت الأخت جانيت بنقابها الأسود ، وكلما طرق باب منزلها تذهب
الى خزانة الملابس لتتفقده ، وأضافت في حديثها مع DW عربية :
" عندما كانوا يأخذوننا الى المشفى يطلب منا لباسه ، وقد منع علينا إستخدام
أسمائنا الحقيقية " ، وقد حذرهم المقاتلون العرب من الجهاديين الأجانب ،
باعتبار أنهم يكرهون المسيحيين ويودون قتلهم .
وعندما مرضت إحداهنّ وآستوجب نقلها الى المستشفى ، كان يأتي مقاتل من التنظيم
بصحبة زوجته ، وفي إحدى المرات سالت جانييت زوجة المقاتل
والتي كان يبدو عليها أنها حامل ، عن سبب مجيئها رغم وضعها الصحي فأجابت :
" يمنع على النساء ركوب السيارة بدون محرّم ، وفي حال مخالفة القوانين
يوضع الجاني في السجن ، وبما أنكنّ محتجزات يجب مرافقته .
وذكرت أنّ التنظيم كان يرسل اليهم كل خمسة عشر يوماً ، شيخاً يدعوهم
لدخول الدين الإسلامي ، وأوضحت أنهم " لمْ يجبروا أحدا على إعتناق الإسلام ،
وكانوا يؤكدون لنا دائماً انه لا إكراه في الدين " .
ووفق تقارير دولية ومصادر اشورية مسيحية ، يبلغ عدد السريان الآشوريين المتبقين
في سوريا نحّو مائة ألف من بين مليون ونصف مليون مسيحي في سوريا ،
يعيش معظمهم في مدينتي الحسكة والقامشلي ، وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية
المناهضة لنظام الحكم في سوريا ، نزح الكثيرون منهم خصوصا الآشوريون
خلال الصراع المستمر منذ حوالي خمسة أعوام .
الكاتب والباحث في شؤون الأقليات سليمان اليوسف :
أجراس لا تقرع : صمتت أجراس الكنائس بسبب الخراب والدمار التي لحق بها
من طرف عناصر تنظيم الدولة الاسلامية من حرق ومن تفجير، وينذر هذا المشهد
بقتل التنوع في مدينة الحسكة السورية وإرغام الأقليات الدينية على مغادرة
المشرق نهاية الأمر، ووصف الكاتب والباحث في شؤون الأقليات سليمان اليوسف
حديثه مع DW عربية المشهد بأنه " أليم وقاتم جداً " ، ويرى أنّ الآشوريين
وأفراد الأقليات عموماً " وقعوا ضحية صراعات وحروب الآخرين
على السلطة وعلى من يحكم المنطقة ، خاصة في الصراع ( السني - الشيعي )
في سوريا والعراق وأيضا بسبب التدخلات الإقليمية والدولية في هذه الصراعات " .
ولحقت أضرار مادية جسيمة بكنسية " السيدة مريم العذراء " في قرية تل نصري
بريف بلدة تل تمر، وطال الدمار والخراب كنيسة " الربان بثيو " في قرية تل هرمز،
وأحرقت كنيسة " قبر شامية " المعروفة باسم مار جرجس ،
وأصيب عدد من كنائس ريف الحسكة الغربي بالحرق والدمار ،
ويرى اليوسف أنّ وجود الأقليات بات مهدداً في دول المشرق العربي في ظل
الحروب الأهلية المفتوحة والطويلة المدى ، كما طالب بضرورة
" توفير الحماية الدولية للمسيحيين في الوقت المناسب ، وإلا سنرى شرقاً
دون مسيحيين ودون إيزيديين ، حيث إنهم يغادرون أوطانهم للبحث
عن أوطان بديلة توفر لهم الأمان والاستقرار والمستقبل لأجيالهم " .