القمص أثناسيوس جورج يكتب : دماءهم ليست رخيصة ؛
داعش يذبح اربعة أطفال في سهل نينوى
الخميس 04 ـ 02 ـ 2016
قام دواعش هذا الزمان بذبح أربعة أطفال في سهل نينوى
التي يسكنها المسيحيون منذ فجر التاريخ .وقبل ظهور الإسلام ،
ذبحوهم بدم بارد لأنهم رفضوا قطعيًا ترك إيمانهم المسيحي ؛ مفضلين الشهادة
عن الإنكار؛ مقدمين وثيقة إعترافهم الإيماني مخضَّبة بدمائهم البريئة ،
وبذبيحة أعضائهم الغضة ، نائلين الحياة عوض الموت ؛ والفوز بدل الخسارة ،
حافظين الوديعة الخلاصية ؛ رافضين معقولات إبليس وسمة الوحش ،
وسط آلات الشر والإرهاب والإرعاب مجتمعة .
وقد قال شهود العيان لصحيفة ( ميرو ) البريطانية Mirror :
بإنّهم رفضوا الاسلام ، وقالوا أنّ هم يحبون المسيح يسوع ولايعرفوا غيره ،
فنحروهم بالسيوف والتكبير ، علي الطريقة الوحشية المعتادة لهؤلاء القتلة وقطاع الطرق .
إنّ الإنسان ؛ ذلك الكائن العجيب الفريد المخلوق على صورة الله ومثاله ؛
دماؤه ليست رخيصة ، ووجوده هو عطية حرة من الله ، لا يجوز أنْ تُسلب منه أبدًا ،
لأنه لا يمكن أنْ يمتلك هذه العطية بقوته الخاصة ؛ لأنها نعمة من الله ،
والله وحده خالقها وهو مصدرها وسبب وجودها ، وكل الخليقة تنطق بعظمته وقدرته
التي لا تُستقصىَ . صاغ الله الإنسان بيديه كفخّارﻱ أعظم ؛ وجَبَلَهُ على غير فساد ،
ونفخ فيه روحًا عاقلة مفكرة حرة ، لم يخلقه ليُقمَع ويُستعبَد ويُذل ، لأنه عملُ يديه ،
وقد ميزه بالعقل والإرادة . فالإنسان أجمل صنائع الله
على صورته في الخلود والسلطة وعدم الفساد .
إنه مخلوق عجيب ؛ مدعو ليحمل الكون كله في كيانه ، ويضع الخليقة كلها في وعيه ،
إنه عالم كوني مصغر، وله هدف كوني ، وهو ليس رخيصًا حتى يُهدر ويُسحل أو يُقتل .
إنساننا اليوم يتلفت حوله يمينًا وشمالًا ، فإذ هو في بحر من التناقضات ،
وفي لُجة من الهدر والتعذيب والقمع والشجار؛ لا يعرف حقيقة مَن هو،
ولا إلى أين يتجه ، وإذ به يجترّ الصورة التي يعيشها ؛
والهُوة التي بينها وبين الصورة التي أرادها الله له عند خلقته .
حياة الأنسان فريدة ؛ لا يكتمل معناها في ذاتها ؛ بل في خالقها .
فمَنْ ذا الذي يتجاسر ليُنهي حياة إنسان ؟ ! بينما هو مخلوق ليعيش حرًا ،
وحريته تنبع من كينونته ووجوده كإنسان !! إذا فَقَدَ حريته فقد إنسانيته ؛
وكلما تحرر حقق كمال إنسانيته ، وبإنسانيته الحقة نبع حريته ،
لأن إنسانيته مختومة وموسومة بالصورة الإلهية التي جُبل عليها .
لذلك الدماء التي أُريقت والتي لازالت تُهرق ،
هي ليست رخيصة عند خالقها وعند خاصتها ،
وكان لها أنْ لا تكون رخيصة عند بني البشر جميعًا ، إلا عند الأشرار والأثمة
الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية . فالشر بالمعنى الحصرﻱ هو غياب الخير،
هو الظلامية والعدم والدموية والخراب واللاشيء والإنتحار والفناء .
ولا يمكننا وصف القتلة ومَنْ يحرضهم ومن يبرّئهم ؛ إلا أنهم جميعًا في سلة واحدة ؛
شنيعون رجسون يدمرون عباد الله بسفكهم دماء الأبرياء ، والتي هي عندنا دماء غالية وثمينة ؛
وقد صارت بذارًا للإيمان وبذارًا للحصاد . سيقضي الله لهم ؛
وسيقوم هؤلاء الشهداء بجراءة عظيمة في وجوه الذين أزهقوا أرواحهم وهدروا دماءهم ،
حينئذ سينوح القتلة ويقرعون على صدورهم منْ أجل الإثم والظلم الذي آقترفوه ؛
ولأنّ أرجلهم كانت سريعة في سفك الدماء ، وقد جلبوا على أنفسهم دماءًا بريئة .
بل سينذهلون من العقاب الأبدي الذي لنْ يفلتوا منه ؛ أمام الذين آتّخذوا منهم سُخرة وغنيمة ،
أما الذين آستشهدوا فحالما أُغلقت أمامهم الأرض آنفتحت السماء .
ضد المسيح يهدد ؛ لكن المسيح يضم ، الموت اقترب منهم فتبعه الخلود اُنتُزعوا
من الأرض ووُضعوا في الملكوت ؛ ورشاقة الحياة الأبدية .
لقد صار هؤلاء الأطفال شهودَ دمٍ ؛ ولم تنقصهم الغيرة الملتهبة مقابل التعصب الوحشي ،
مقطِّرين دماءهم على قارعة الطريق بقوة روحية وبصفة دفاعية أخلاقية صِرفة ؛
قائلين هاانذا شاهدين لمسيحهم بقوة مذهلة ، فأرسلتهم كنيستهم للسماء
ومعهم شهادات كثيرة صامتة وبليغة ؛ ضمن سلسلة افتراءات وتقتيل ومذابح وتهجير
وسلب وآغتصاب وحرائق وآضطهادات طويلة المدى ولا تنتهي ،
في شهادة قدموها ؛ تاركين ورائهم كل مالهم وأوطانهم ؛ من أجل حقهم الجوهري
لحفظ الإيمان وحق الوجود والعيش وبقاء الكنيسة أمام أشرس وباء شهدته البشرية .
وبالرغم من كل ذلك ؛ فالمسيحي لا يبغض حتى الذي يضطهده ؛
بل يصلّي من أجله ؛ لأنّ المحبة المسيحية ، ليست مقايضة بأنْ لا نحبّ
إلا الذين يحبوننا ، فالمسيحي يحب محبيه وأعداءه .
وكلام المسيح هو لنا نفخة البوق التي بها نصبر ونحيا ونجتهد ونتشجع ونجاهر بالحق ؛
ونحفظ الإيمان من دون خوف ، لأنه لا خائفون يدخلون ملكوت السموات ،
وكل من يقدم شهادة وآعترافاً ؛ غير هيّاب ولا مرتاع ؛
سيُلبسه المخلص ثوب الأرجوان حسب قياسه ؛ مع كل الذين أتوا
من الضيقة العظيمة وغسلوا ثيابهم وبيَّضوها في دم الحمل .
أليس هذا هو إيماننا وإنجيلنا الذي به آمنا وبه نعيش ونعترف ونبشر؟ !! .