لماذا يسمح الله بالألم ؟
بعد آنتهاء احدى المعارك العنيفة في منطقة مزقتها الحرب ، دُفن آلاف الضحايا المدنيين
من النساء والاولاد في مقبرة جماعية ، وأُحيطت هذه المقبرة بصلبان صغيرة كُتب
على كل منها كلمة « لماذا ؟ » ، إنّ هذا السؤال الذي يحزّ في النفس يعكس
مدى الألم والعذاب الذي يشعر به الناس عندما يواجهون ظروفا مأساوية لا مبرر لها
- كالحروب ، الكوارث ، الامراض ، او الجرائم .
فلمَ يسمح الله بالألم ؟ وإذا كان الله كليّ القدرة ومحبّا وحكيما وعادلا ، فلمَ نعيش
في عالم ملآن بغضا وظلما ؟ لربما خطرت مثل هذه الاسئلة ببالك انت ايضا .
لماذا يعاني الانسان كل هذا الألم ؟ يلجأ الناس من مختلف الديانات الى قادتهم ومعلميهم الدينيين
ليعرفوا لماذا يعاني الانسان كل هذا الألم ، ولكن غالبا ما يكون الجواب أنّ هذه هي مشيئة الله ،
وأن لا شيء يحدث إلا بقدَر من الله ، حتى المآسي ، او قد يجيب البعض
أنّ طرق الله تفوق فهمنا او انه يميت الناس ، حتى الاولاد الصغار ، ليأخذهم اليه الى السماء ،
ولكن يستحيل ان يكون الله مصدر اي شرّ ، فالكتاب المقدس يقول :
« حاشا لله من فعل الشر ، وللقادر على كل شيء من إتيان الظلم ! » .
( ايوب : 34:10 ) .
كثيرا ما يلوم الناس الله القادر على كل شيء لأنهم يعتقدون انه الحاكم الفعلي لهذا العالم .
فهم يجهلون حقيقة بسيطة - ولكن مهمة - يعلّمها الكتاب المقدس أنّ الحاكم الفعلي لهذا العالم
هو الشيطان ابليس ، يقول الكتاب المقدس بوضوح :
‹ العالم كله هو تحت سلطة الشرير › .
( 1 يوحنا 5: 19) .
وعندما تتأمل مليا في الامر ، ستجد ان ما يقوله الكتاب المقدس منطقي جدا ،
فالشيطان قاسٍ ومخادع وملآن بغضا ، والعالم الخاضع لسيطرته مليء بالقسوة والخداع والبغض ،
وهذا احد اسباب الألم المتفشي في العالم ، فلمَ لا يتدخل الله ويضع حدّا لكل هذا العذاب والألم ؟
هنالك سببا وجيها لذلك . قضية مهمة جدا تنشأ : لكي نعرف لمَ يسمح الله بالألم ،
علينا ان نعود الى الزمن الذي بدأ فيه الألم ، فعندما دفع الشيطان آدم وحواء الى عصيان الله ،
نشأت قضية مهمة جدا ، فالشيطان لم يشكك في قدرة الله ، لأنه يعرف جيدا أنّ لا حدود
لهذه القدرة ، بدلا من ذلك ، شكك الشيطان في حق الله في الحكم ،
فقد نعت الله بأنه كذاب وأنه يحرم رعاياه امورا جيدة ، وبذلك اتهم الله بأنه حاكم شري .
( تكوين 3:2-5 ) .
وأوحى الشيطان ان البشر سيكونون افضل حالا بدون الله ، وهكذا شنّ الشيطان هجوما
على سلطان الله ، اي حقه في الحكم . بتمرد آدم وحواء على الله ، كانا في الواقع كأنهما يقولان :
« لسنا بحاجة الى الله ليكون حاكمنا .
فبإمكاننا ان نقرر نحن بأنفسنا ما هو صواب وما هو خطأ » ،
فكيف كان الله سيسوّي هذه القضية ؟ وكيف يُعلّم كل المخلوقات الذكية أنّ المتمردين على الله خطإ ،
وأنّ طريقته في الحكم هي حقا الفضلى ؟ قد يقول البعض أنّ الله كان يجب أنْ يقضي
على المتمردين في الحال ويخلق البشر من جديد ، لكن الله سبق فحدّد أنّ قصده
هو أنْ يملأ المتحدرون من آدم وحواء الارض ويعيشوا عليها في فردوس ،
والله سيتمم قصده لا محالة ، فضلا عن ذلك ، فإن القضاء على المتمردين في عدن
ما كان ليحسم المسألة التي أُثيرت حول حق الله في الحكم .
لفهم المسائل المشمولة بهذه القضية ، لنتأمل في المثل التالي :
تخيّل ان معلما يشرح لتلاميذه طريقة حلّ مسألة صعبة ، فينهض تلميذ ذكي - ولكن متمرد -
ويدّعي أنّ طريقة الحلّ التي يعرضها المعلم خاطئة ، كما يوحي هذا التلميذ المتمرد لرفاقه
أنّ الاستاذ غير كفؤ ، ويصرّ انه يعرف طريقة افضل لحلّ هذه المسألة .
فيظن بعض التلاميذ انه محقّ ويتمردون هم ايضا ، فكيف يجب أنْ يتصرف المعلم ؟
إذا طرد التلاميذ المتمردين من الصف ، فكيف سيكون وقع ذلك على التلاميذ الآخرين ؟
ألن يُصدقوا ان رفيقهم والتلاميذ الذين انضموا اليه هم على حق ؟ وقد يفقد كل التلاميذ
في الصف احترامهم للمعلم ، معتقدين انه يخشى أنْ يبرهن التلميذ المتمرد انه على خطإ ،
أفلا يكون من الافضل السماح للمتمرد بأن يُظهر للصف كيف سيحلّ هو المسألة ؟
فعل الله امرا شبيها بما قام به المعلم ، لا تنسَ أنّ المتمردين في عدن لم يكونوا
الوحيدين المعنيين بهذه المسألة ، فقد كان هنالك ملايين الملائكة يراقبون ما يحدث ،
وكانت طريقة تعامل الله مع المتمردين ستؤثر الى حدّ بعيد في هؤلاء الملائكة
وفي كل المخلوقات الذكية ، فماذا فعل الله ؟ لقد سمح للشيطان أنْ يُظهر كيف سيحكم هو البشر ،
كما سمح الله للبشر أنْ يحكموا انفسهم تحت توجيه الشيطان .
يعرف المعلم في المثل اعلاه ان المتمرد والتلاميذ الذين انضموا إليه هم على خطإ ،
لكنه يدرك ايضا انه اذا اعطاهم الفرصة ليحاولوا اثبات ادّعائهم ، فهذا سيعود بالفائدة على التلاميذ كافة .
فعندما يخفق المتمردون ، سيدرك التلاميذ المخلصون ان المعلم هو الوحيد المؤهل لإدراة الصف .
وسيتفهمون الاسباب التي تدفع المعلم بعدئذ الى طرد المتمردين ، على نحو مماثل ،
يدرك الله أنّ كل البشر والملائكة المستقيمي القلوب سيستفيدون عندما يرون أنّ الشيطان
وأتباعه المتمردين قد فشلوا ، وأن البشر عاجزون عن حكم انفسهم ،
وعلى غرار ارميا قديما ، سيتعلمون هذه الحقيقة ، المهمة :
« عرفت يا الله انه ليس للبشر طريقهم ، ليس لإنسان يمشي أنْ يوجه خطواته » .
( ارميا : 10:23 ) .
لمَ الانتظار كل هذا الوقت ؟ ولكن لمَ سمح الله ان يدوم الألم كل هذه الفترة ؟
ولمَ لا يحول دون حدوث البلايا ؟ تأمل في امرين لن يفعلهما المعلم المذكور في المثل :
اولا : لن يمنع التلميذ المتمرد من عرض دعواه .
ثانيا : لن يساعد المتمرد على اثبات ادّعائه ، على نحو مماثل .
هنالك امران قرر الله لا يفعلهما :
اولا : لم يمنع الشيطان وكل الذين آانضموا اليه من محاولة البرهان انهم على حق ،
لذلك كان مرور فترة من الزمن عاملا لا غنى عنه لبت المسألة ،
فطوال آلاف السنين ، جرّب الانسان كل اشكال الحكم الذاتي او الحكومات البشرية ،
صحيح أنّ الانسان حقق بعض التقدم في مجال العلوم وغيره من المجالات ،
لكن الظلم والفقر والجريمة والحرب آزدادت ،
وهكذا ثبت بشكل قاطع أنّ حكم الانسان فاشل .
ثانيا : لم يساعد الله الشيطان على حكم هذا العالم .
فلو تدخل الله مثلا ليمنع وقوع الجرائم العنيفة ، أفما كان بذلك يساهم في دعم المتمردين ليثبتوا ادّعائهم ؟
أوَ لن يجعل ذلك الناس يفكرون أنّ البشر قد يكونون قادرين على حكم انفسهم دون
أنْ تكون النتيجة مأساوية ؟ لو تصرف الله على هذا النحو ، لأصبح شريكا في الكذب ،
لكن الله « يستحيل أنْ يكذب » ، ولكن ماذا عن الضرر الناجم طوال فترة التمرد على الله ؟
يجدر بنا ان نتذكر دوما ان الله كليّ القدرة ، لذلك ، فهو قادر ان يُصلح او يُبطل آثار الألم
الذي يعانيه البشر ، وهذا ما سيفعله بالتأكيد ، فسيُصلح الله الدمار الذي لحق بكوكبنا
ويحوّل الارض الى فردوس ، كذلك الامر بالنسبة الى آثار الخطية ، وكل هذه الامور
سيحققها الله في الوقت المناسب .
المصدر : قنـــاة الكرمــــة الفضائيـــة .