شيئ موجز عن تاريخ الكلدان :
بقلم / الدكتور عبدالله مرقس رابي :
أستاذ وباحث أكاديمي ..
الاصل :
توصل علماء الاثار مؤخرا من تواجد شعب في منطقة وسط وجنوب العراق القديم
( ميسوپيتميا ) بلاد النهرين سبق وجود الشعب السومري بما يقرب من ثلاثة قرون .
كان يعيش حياة حضارية في المدن التي انشأها ومن اشهرها :
{ كيش ، أور ، أوروك ، وأريدو } ، وسمى عالم الاثار ( لاندزبيركر ) ذلك الشعب
( الفراتيّين الاوائل ) ، وردت تسمية سكان العصر البابلي القديم ( كلدايي )
وهي التسمية التي سماهم بها العلامة المطران ( يعقوب اوجين منا ) في معجمه الشهير
( دليل الراغبين قاموس كلداني عربي ) وسمى لغتهم ( كلديثا ) وآنتسابهم اللغوي والجغرافي
( كلديوثا ) وأمتهم ( بث كلدايي ) ، أي الامة الكلدانية .
اما الكتاب المقدس العهد القديم
فقد سماهم باسم ( كسديم أوكشديم ) وكلتا اللفظتين تعنيان ( الجبابرة أو المنتصرين )
وباللغة الاغريقية دعاهم أبناء اليونان وباقي الاورپيين ( كالدينس )
وترجمها العرب الى ( الكلدان ) وبهذه اللفظة آعتمدتها
ترجمات الكتاب المقدس العربية .
الموطن :
لقد أشار سجل التارخ البشري الى وجود الشعب الكلداني كأقدم شعب ظهر
في جنوب ووسط بلاد النهرين وسواحل الخليج – الخليج العربي اليوم -
منذ اقدم العهود الغابرة ولذلك سمي بالخليج الكلدي ، وقد دعي هذا الشعب بالكلداني
لتضلعه بمختلف أنواع المعرفة والعلوم وتفرده بعلم الفلك ، وقد آرجعت بعض
المصادر التاريخية ذكره الى أربعة الاف وخمسمئة عام قبل الميلاد ،
وهناك من يقول أنّ الكلدان هم أقدم الموجات البشرية ففي كتابه
( مروج الذهب الباب العشرين
يقول المسعودي : جاء ذكر ملوك بابل وهم من النبط وغيرهم الذين عرفوا بالكلدانيّين ) ،
وجاء ذكر الكلدان في كتاب – بوليطا - لارسطو طاليس ،
وكتب بصدد الكلدان المؤرخ – بطليموس -
قائلا : ( أمّة الكلدان ودار مملكتهم العظمى " كلواذي " من أرض العراق بلاد بين النهرين ) ،
ذكر أبو الحسن المسعودي في كتابه
( التنبيه والاشراف ) " أنّ الامم التي تفرع منها البشر بعرف الاولين هم :
الفرس ، الكلدان ، اليونان ، الروم ، الافرنج ، العرب ، أجناس الترك ، الهند والصين " ،
وكانت بلاد الكلدان تشمل : العراق ، ديار ربيعة ، ديارمضر، الشام ، اليمن ،
التهامة ، الحجاز ، اليمامة ، العروض ، البحرين ، الشحر ، حضرموت ، عمان ،
ويقول " أبن العبري " :
( أنّ أصول الامم من سالف الدهرسبعة هي : الفرس ، الكلدان ، اليونانيون ،
القبط ، الترك ، الهندوالصين ) ، وهم على كثرتهم نوعان ،
نوع عني بالعلوم كالكلدانيين والفرس وغيرهم ، ونوع لم يعتني
بالعلم كالترك والصين ) ، وقال الاب " انستانس الكرملي" في كتابه
( مجلة لغة العرب ) - المجلد الاول - : ( كان الكلدانيون في سابق عهدهم أمة عظيمة
بلغت من شأن الحضارة مبلغا بعيدا ، آستوطنت بلاد الرافدين من شمالها الى جنوبها ،
ويقول جاءت تسميتهم من " كسدي وكشديم " وتعنيان كثيري الكسب إذ كان الكلدانيون
مشهورين بكثرة كسبهم وكبر حبهم لعيالهم ، بداية المملكة الكلدانية بعد الطوفان :
أنّ أول ملك من السلالة الكلدية التي حكمت بعد الطوفان في مدينة ( كيش )
التي تقع في ضاحية بابلية محاذية لمدينة بابل كان الملك ( كورا )
الذي يعني إسمه مجازيا الجبار أو المقتدر ، وربما هو الذي اشار اليه الكتاب المقدس
– العهد القديم – بشخص نمرود بن كوش الجبار ، أول ملك ظهر على الارض ملك
في أرض بابل ، وكما ورد في ( ذخيرة الاذهان / بطرس نصري الجزء الاول
( ص 24 -25 ) ،
أنّ اول دولة نشأت بعد الطوفان هي الدولة الكلدانية ،
وملك عليها نمرود الجبار وبنوه وكان أورخامس أكثر شهرة ، وسقطت هذه الدولة
نحو عام 2449 ق . م بأيدي سلالة عيلامية بعد أنْ دام حكمها زهاء 224 سنة ،
إستمر حكم السلالة العيلامية نحو 225 سنة ، وتم سقوطها على أيدي الكلدان الاصليين
الذين آستعادوا حكم البلاد ثانية ولمدة 245 سنة وفرضت سلطانها على عموم
وادي الرافدين القديم على عهد الملك ميسالم ، حيث آمتدت حدودها حتى
جبال طوروس شمالا والى البحر الاسفل ( بحر الكلدان ) جنوبا وضمت مدينة ماري
وضواحيها غربا والتقت بجبال زاكروس شرقا . الكلدان في الكتاب المقدس :
جاء ذكر الكلدان في الكتاب المقدس – العهد القديم - اكثر من 66 مرة لتؤكد
بأنّ الكلدان شعب عريق وموغل بالقدم ، ولهم موطن وحضارة ،
واشارت بعض الايات منه الى عواصمهم وملوكهم ، وقد تردد أسم الكلدان
في أماكن عديدة وباسماء مختلفة مثل : جسديم كاسديم وكاشديم .
ويرى بعض العلماء بأن أسم ( أرفكشاد )
الوارد في سفر التكوين 10:22-24 و10:11-12 يرادفُ
( أريف كاسديم)
بمعنى حدود الكلدان أيْ أرض الكلدان ، وجاءت هذه الايآت بعضها لتشير الى أاصل الكلدان
وموطنهم في سفر التكوين وثم في أسفار اخرى جاءت لوصف طبيعتهم وحروبهم
وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية ، ومن هذه الآيات على سبيل المثال :
جاء ذكرهم في سفر التكوين ثلاث مرات مثلاً 11:28
( وولد لهاران لوط ومات هاران قبل أبيه تارح في مسقط رأسه أور الكلدانيين ) ،
وفي سفر الملوك الثاني خمس مرات 24:2
( فأرسل الربّ عليه غزاة الكلدانيين والاراميين .. الخ ) ،
وأما في سفرأخبار أيام الثاني ، فوردَ مرة واحدة 36:17 ( فاصعد عليهم ملك الكلدانيين ) ،
وفي سفر نحميا مرة واحدة ففي 9:7 ( أنت هو الربّ اله الذي آخترت أبرام وأخرجته
من أور الكلدانيين وجعلت آسمه ابراهيم ) .
وأما في سفر يهوديت ذكر مرتين حيث في 5-6
( إنّ أولئك الشعوب من نسل الكلدانيين ) ، بينما في سفر إشعيا جاء ذكرهم
سبع مرات فمثلا في ( 13:19يقول وتصير بابل بهاء المماليك وزينة فخر الكلدانيين ) ،
واكثر ما جاء ذكرهم في سفر إرميا وقد ورد 34 مرة فمثلا في 32:25
( وقد قلت لي أيها السيد الربّ آشتر لنفسك الحقل بفضة وآشهد شهودا
وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين ) ، وذكر الكلدان في حزقيال سبع مرات ففي 1:3
( صار كلام الرب الى حزقيال الكاهن أبن بوزي في ارض الكلدانيين ) ،
وفي سفر دانيال جاء ذكرهم خمس مرات ففي 5:30
( في تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين ) ، وأخيرا في سفر حبقوق جاء مرة واحدة
في ( 1:6فهأنذا مقيم الكلدانيين الامة المرة الفاحمة السالكة في رحاب الارض لتملك مساكن ليست لها ) ،
إنّ هذه الحقائق التاريخية التي جاء ذكرها في المصادر التاريخية المادية والروحية الكتابية
عن الكلدانية من حيث الملك والموطن ، تؤكد حقيقة راسخة واحدة ،
أنّ الكلدان شعب ذو عرق دموي واحد ، وأنّ لغتهم الام هي الكلدانية وموطنهم التاريخي الثابت
( القطر البحري ) ، وإنّ الاسم الكلداني هو الاسم القومي الحقيقي لقبائل سكان بلاد النهرين ،
حيث يقول الدكتور مورتكارت في كتابه ( تاريخ الادنى القديم ص44 ) :
أنّ مركز الحضارة الاستيطانية إنتقل منْ أقصى الجنوب قليلا نحو الشمال
أيْ تحـوّل منْ مدن أوروك وأريدو وأور.