أ - أن يكون إنسانا ، والرسول أوضح أن سبب اتخاذ الأقنوم الثاني لله ،
طبيعة البشر لا طبيعة الملائكة ، هو أنه أتي ليفدينا ، فكان ضروريا
أن يولد تحت الناموس ، الذي خالفناه لكي يكمل
كل بر ، وأن يتألم ويموت ذبيحة ، لكي يكفر عن خطايانا .
وأن يشترك في حياتنا البشرية ، لكي يشعر بضعفاتنا
( عبرانيين 2: 14 ) .
ب - أن يكون بدون خطية . فإن الذبيحة التي كانت تقدم على المذبح ، كان يجب
حسب الناموس أن تكون بلا عيب .
بمعني أنه من المستحيل أن يكون المخلص
من الخطية خاطئا ، لأنه لا يقدر أن يصل إلى الله .
ولا يمكن أن يكون مصدرا للقداسة والحياة الأبدية لشعبه ، إن لم يكن هو بارا قدوسا .
ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا قدوسا ،
بلا شر ولا دنس ومنفصلا عن الخطية
(عبرانيين 7: 26 ) .
ج - أن يكون إلها ، لأنه لا يقدر أن ينزع الخطية ، إلا دم من هو أعظم من مجرد مخلوق .
والمسيح في حال كونه إلها ، بتقديم نفسه مرة واحدة ذبيحة . أكمل إلى الأبد المقدسين
( عبرانيين 7: 27، 9: 26 ) .
وكذلك لا يقدر إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان الشيطان ، وينقذ الذين قد سباهم ،
ولا يقدر على إتمام عمل الفداء العظيم ، إلا من هو قادر على إتمام عمل الفداء العظيم ،
إلا من هو قادر على كل شيء ، وله حكمة ومعرفة غير محدودتين ، ليكون رئيس كنيسته
وديانا للجميع . ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المفديين ،
إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت جسدا .
( 8 ) فجميع هذه الصفات التي نص الكتاب المقدس على ضروريتها ،
لتأهيل الوسيط للقيام بالوساطة بين الله والناس ، قد اجتمعت في المسيح ،
حسب مقتضى العمل الذي جاء لإتمامه .
ونتج من ثبوت تلك الصفات للمسيح ، أن وساطته التي تشمل كل ما فعل وكل ما زال يفعل
لخلاص البشر ، هي عمل شخص إلهي . فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته ،
كانت أعمال وآلام شخص إلهي . فالذي صلب هو رب المجد ، والذي سكب نفسه
للموت هو الأقنوم الثاني لله .
البيّنة التاريخية :
( 9 ) إذا التفتنا إلى التاريخ ، علمنا منه أنه عاش على هذه الأرض إنسان ،
كانت حياته مظهرا جليا تاما للعنصرين ، اللذين يتألف منهما صلاح البشر الكامل .
وهما الارتباط الدائم بالله والمحبة المنقطعة النظير لبني جنسه . لقد جال يعظ ويبشر ،
ويصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس .
وأطلع الناس على رأي جديد في الله قائلا أنه عز وجل يهتم بكل إنسان على حدة ،
كما يهتم الأب بأولاده ، وأن الله يستقبل كل خاطئ تائب مرحبا به كما يرحب الأب
بابن تائه ضال عائد إلى أحضانه .
( 10 ) و ( 11) وعلاوة على ما أبداه من تعاليم المحبة وأعمال الرحمة ، دعا إليه جماعة
من التلاميذ ليقيموا معه ويتعلموا كلمات فمه وقوة مثاله .
فكانوا يوما بعد يوم ، يزدادون نموا
في معرفتهم له وتعمقا في الوقوف على كنه أفكاره ، وتضلعا من فهم معني أمثاله الخفية .
فارتشفوا من زلال روحه ، وتعلموا ثقته وشاركوه في اتصاله بالله .
ولكن العالم الشرير اضطرب خوفا منه ،
وأولئك الذين أغمضوا عيونهم عن الحق ،
واتكلوا على برهم الذاتي ، ثاروا عليه وساقوه إلى المحاكمة ، واتهموه بالتجديف وكسر الناموس ،
وتمكنوا من إصدار الحكم عليه بالموت ، فماذا فعل ؟ أبي الدفاع عن نفسه ،
على شدة ثقته بأ،ه لم يكن عليه سوى إصدار أمره فيأتي اثنا عشر جيشا من الملائكة لإبادة أعدائه .
ولكنه لم يشأ أن يستعمل شيئا مما كان لديه
من وسائل النجاة ، ولكي يعلن جليا معني المحبة – محبة الله – أسلم نفسه إلى النهاية .
ولكي يرسخ في عقول الناس شدة هول الخطية وفرط فظاعتها في عيني الله ،
أذن لها في تعذيب إنسانه الكامل ، زهرة الإنسانية نفسها ، المنزه عن كل عيب .
ولكي يغلب الشر ، تحمل كل غاراته وغزواته حتى الموت ، لكي يشارك الإنسان
في جميع منازعاته ويمهد له سبيل الغلبة والظفر . وهكذا انتصر .
( 12 ) ففي اليوم الثالث قام ، وكان قد قال " لأني أضع نفسي لآخذها أيضا .
ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي ، لي سلطان أن أضعها
ولي سلطان أن آخذها أيضا "
( يوحنا 10: 17و 18) .
وهكذا فعل . فكمل العمل وتم الإعلان الإلهي ، إذ بذلت المحبة إلى أقصى درجة منها ،
وقوة الشر على أشدها كوفحت وغلبت ، وتمت نصرة الخير على الشر .
* يُتبع في الجزء 3 لطفا ...