من كلمات المسيح هذه عن الصلاة نتعلم أن الصلاة ليست تمثيلية يقوم بها المصلّي أمام الناس لكي ينال مديحهم بل الصلاة علاقة شخصية بين الفرد وربه . كما نتعلّم أيضاً أن لا لزوم للتكرار المستمر لكلمات أو جمل يرددها البعض أثناء صلاتهم وكأنَّ في تكرارها استجابة أفضل . فالله يسمع ويرى ويعرف احتياجاتنا قبل أن نسأله ، ومع ذلك فهو ينصحنا بالصلاة وعرض احتياجاتنا لدى جلاله لأن في ذلك عبادة . وفيه اعترافٌ بسلطان وقدرة المولى على تسديد احتياجاتنا التي نعرضها عليه ، أما التكرار الممل الذي يمارسه الكثيرون فلا معنى له ، كأن يردد أحدهم صلاة أو كلمات يحفظها فيتمتمها عشرون مرة أو خمسون مرة ويظن أن في تكرارها استجابة أفضل أو عبادة أوفر !.. الصلاة المسيحية صلاة بسيطة ، وهي ليست صلاة تقليدية يرددها المصلّي بغرض تأدية فرض مفروضٍ عليه ، بل الصلاة المسيحية تقوم على إحساسٍ قلبي ، دافعها علاقة حبيِّة مع الله . ففي صلاته يتحدث المصلّي مع ربه كما يتحدث الحبيب مع حبيبه ، ولذلك تأتي كلمات الصلاة من انشاءٍ ذاتي عفويّ تحكمها ظروف المصلّي وأحواله ومشاعره . ولعلها مناسبة نجيب بها على السائل الكريم الذى يقول : هل للكنيسة أو لرجال الدين أو غيرهم سلطة ترغم الناس على الصلاة تحت طائلة المسئولية لمن يقصِّر أو يتهاون أو يغفل عن الصلاة أو الصوم ؟.. فنقول للأخ الكريم : إن الكنيسة ورجال الدين هم آباءٌ محترمون يؤدون خدماتهم بالإرشاد والتوعية بكلِّ إنسانيةٍ ولطف . فقضايا الإيمان أو الصوم والصلاة ، هذه أمور تَنْتُجُ عن تفاعلٍ داخليٍ في قلب الإنسان وفي أعماقه ولا يمكن أن تأتي بالعصا أو التهديد بالقصاص . فالعصا والتهديد ينتجان حتماً أمةً منافقة تحكمها العصا ويُرْغمها التهديد للقيام بالواجبات الدينية . فلو حصل ستصبح الممارسات الدينية عبارة عن تمثيلية يؤديها الفرد خوفاً من البشر ، ثم مع التكرار ستتملكه العادة فيؤديها دون إحساس ببهجة العبادة بل بحكم العادة . والكتاب المقدس يقول :" اعبدوا الرب بفرح ، ادخلوا دياره بالتسبيح ". ولذلك فالعبادة المسيحية عبادة تبهج الروح ويؤديها المصلّي بابتهاج وسرور . ووجوه العابدين غالباً ما تكون باشّه . لأن اللقاء بالله في وقت الصلاة لقاءٌ مبهج ، منعشٌ للروح . والسبب في ذلك أن الصلاة المسيحية ليست فرضاً بقدر ما هي تجاوباً قلبياً لصدى محبة الله في قلب المؤمن . ففي هذا الإطار الجميل يؤدي المؤمن المسيحي صلاته بكل خشوع وتقوى / تتوِّجُها بهجة العبادة، كما يؤديها بقناعةٍ قلبية وبحريةٍ دون إرغام أو تهديدٍ أو إكراه . وما نقوله عن الصلاة نقوله أيضاً عن الصوم ، فالصائم يصوم لله ، طاعةً لربه وتقرباً إليه . ولذلك فالصوم عملية قائمة بين الإنسان الفرد وربه ، يؤديها المؤمن المسيحي بحريته عندما يشاء، وكما يشاء ، فلا علاقة لتداخلات الناس في صيامه أو عدم صيامه فهو في الحالين لا يؤذي أحد ، والقضية ترتبط بعلاقة الفرد بربه ، وهذه دائرة تخص الله وحده لا دخل لها لا للدولة ولا لرجال الدين . وأما الصائم ، فلا يجوز في المسيحية أن يفاخر بصيامه أو يتظاهر به ، بمعنى أن لا يجعل من صومه مدعاةً للمفاخرة وكسب مديح الناس لأن الصوم لله . فإشهار الصائم لصيامه فيه رياءٌ ونفاقٌ يحذر الإنجيل منه بقوله :
ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين . فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس أنهم صائمين . الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم . وأنا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية .