نتيجة الانتخابات .. جناح عراقي وآخر إيراني!
سائرون إذا ما توافقت مع الكتلة الإيرانية الفتح المبين والقانون ستخذل الجمهور الذي انتخبها لأن مواجهة التدخل الأجنبي والغالب منه إيراني واحترام القرار العراقي أحد أبرز ما جذبت به هذه الكتلة الناخبين.
الثلاثاء 22 أ 05 ـ 2018
ميدل ايست أونلاين :
بقلم: رشيد الخيُّون
جرت الانتخابات النيابية العراقية يوم 12 مايو أيار / 2018، بتنافس ستة آلاف وتسعمائة وستة وثمانين مرشحاً ومرشحة، على ثلاثمائة وتسعة وعشرين مقعداً، وهذه هي الدَّورة الرَّابعة للانتخابات العامة، سبقها ( 2005، 2010، 2014). عند انتهاء كلِّ دورة يأتي الاختلاف والنزاع على تشكيل الحكومة، وكانت الأشد في انتخابات ( 2010 ) عندما فازت القائمة العراقية (إياد علاوي) بالمرتبة الأولى، وبعد تأخير لشهور صارت رئاسة الوزارة مِن حصة نوري المالكي، بعد أن اتخذت المحكمة العليا قرارها باعتبار الكتلة الأكبر هي التي تُشكل تحت قبة البرلمان، وهنا لا معنى للفوز، فيمكن أن تتشكل الكتلة الأكبر من قوائم صغيرة، لكن ما هو معلوم أن المحكمة كانت طوع رئاسة الوزراء، وقد غلب عليها المالكي خلال وزارته الأولى (2006-2010).
أما انتخابات ( 2014 ) وقد تزامنت مع اجتياح داعش للمنطقة الغربية والموصل؛ وآنذاك استمات المالكي على دورة ثالثة في الوزارة، لكنه لم يتمكن مِن ذلك، فأسندت الوزارة إلى رفيقه في قيادة حزب “ الدَّعوة الإسلامية ” حيدر العبادي، وبهذا حصل شرخ داخل الحزب، يمكن اعتباره انشقاقاً.
لعلَّ هذه الانتخابات ( 2018 ) ستكون الأصعب في انتخاب رئيس الوزراء، وذلك بظهور كتلة كبرى تحت عنوان “سائرون”، يمكن اعتبارها كتلة عراقية التوجه، وكتلة كبرى أُخرى وهي “ا لفتح المبين ” لنا اعتبارها كتلة إيرانية في انتماء قيادتها قلباً وقالباً، فهي تتشكل مِن منظمة بدر، الجناح العسكري للمجلس الإسلامي الأعلى سابقاً، تأسست داخل إيران تحت عنوان “فيلق بدر”، كفرع من فروع الحرس الثَّوري الإيراني. اعتمدت هذه الكتلة في فوزها على الدعم الإيراني المباشر، وعلى دور الحشد الشعبي في محاربة داعش، وكل أعضاء “الفتح المبين” من ميليشيات الحشد، وتأتي في المقدمة “بدر”، و” عصائب أهل الحق ” وبقية الميليشيات.
بينما بدأت بوادر تشكيل “سائرون” تحت قوس نصب الحرية في ساحة التحرير، حيث التظاهرات المتواصلة في أيام الجمع ضد الفساد ومِن أجل الإصلاح، وشارك فيها بقوة التَّيار الصدري والتيار المدني، وخلال ذلك النشاط ظهر التقارب بين الطرفين، بالاتفاق على تحقيق “الإصلاح” والحرب على الفساد، حتى أُعلن عن هذا التحالف رسمياً في 17 يناير كانون الثَّاني/ 2018. قد يسأل سائل: كيف تحالف التيار الصدري الإسلامي مع التيار المدني واليساري الشيوعي؟! الجواب: ليس هذا بعسير، لسبب أن إسلامية التيار الصدري غير عقائدية أو أيديولوجية، كبقية الإسلاميين من الإخوان أو الدَّعوة، فلما سُئل زعيمه مقتدى الصدر عن تحالفه مع الشيوعيين، أجاب بالقول : “ أليسوا عراقيين ” ؟!
في هذه الانتخابات ليس الاختلاف على شخص رئيس الوزراء، إنما على هويته وميوله، إيراني أم عراقي، ولهذا الغرض حضر الجنرال قاسم سليماني إلى بغداد، حسب ما تناقلت خبره الأنباء، فمثل هذا الرَّجل لا تُعلن زيارته، ناهيك عن أنه ما زال يعمل مستشاراً لدى الحكومة العراقية، وهذه واحدة من الغرائب أن يكون ضابط كبير في دولة، ومستمر في الخدمة، وبهذه الخطورة، مستشاراً لدى دولة أُخرى.
بلا شك، إن " سائرون " إذا ما توافقت مع الكتلة الإيرانية “الفتح المبين” ستخذل الجمهور الذي انتخبها، لأن مواجهة التدخل الأجنبي، والغالب منه إيراني، واحترام القرار العراقي، أبرز ما جذبت به هذه الكتلة الناخبين، ولهذا يكون الأصلح لها الائتلاف مع قائمة “النصر”، قائمة حيدر العبادي، وهي الأخرى تعمل على إبعاد العراق عن النزاعات الإقليمية، ولا تريد للعراق أن يبقى تحت الوصاية الإيرانية غير المعلنة، فإيران لا تحبذ إعادة انتخاب العبادي رئيساً للوزارة، كما تعمل ما في وسعها لعرقلة انتخاب رئيس وزراء من كتلة سائرون.
غير أن تكتل “ الفتح المبين ” و” دولة القانون ” ، وهما يشكلان الجناح الإيراني، وإن كان ولاء الأخيرة أقل مِن الأولى لإيران، تعملان على الاصطفاف مع كتل أُخرى، ومنها الكردية، وربَّما تكون مفاجأة للداخل والخارج بانضواء “القائمة العراقية” وكُتل سنية معها. بحساب أن كلّ القوائم السابقة كانت قد جربت السلطة، وابتليت بالفساد المالي، وبهذا تخشى هذه الكتل مِن “ سائرون ” و”النَّصر” وحماسهما في الكشف عن حيتان الفساد. وإلا فالأوفق عراقياً أن تتشكل كتلة كبرى من “ سائرون ” و” النصر” والكتل الكردية والسُّنية لمواجهة كتلتي إيران “الفتح” و”القانون”! لكن ذلك يبقى على سبيل التمني، فالمصالح وتداخلها، والتستر على ملفات الفساد، وإملاء كل كتلة شروطها الخاصة وليست الوطنية، يجعل ذلك عسيراً بل مستحيلاً. هذا ما تستفيد منه إيران، وما سيكون أمام أنظار مبعوثها قاسم سليماني للاطمئنان على تعيين حكومة، إذا لم تكن طوع إرادتها وصوتها في الخارج، لا تقف ضد مصالحها داخل العراق.
ماذا عن الأمريكان، الذين لم يواجهوا إيران عندما تدخل سفيرها آنذاك، وأشعر أحمد الجلبي (ت2015) وإياد علاوي بعدم رغبة بلاده بهما لرئاسة الوزارة، لأنهما غير إسلاميين ؟ ! هذا ما سمعته شخصياً منهما. لكن لا ندري هذه المرة، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن مواجهة صريحة مع إيران، والبداية بإلغاء الاتفاق النووي معها، وإصدار عقوبات على الحرس الثوري والجماعات المرتبطة به، وما نعتقده أن إبعاد إيران عن شؤون العراق أمضى من الاتفاق النووي والعقوبات، لأنه من دون تدخل أمريكي سيبقى العراق حديقة خلفية لنظام الولي الفقيه، يُصرف عبرها كل أزماته. نعم، النزاع في هذه الانتخابات، ليس كالسابقات، إنه بين جناح إيراني وآخر عراقي.