خادم المسيح مشرف (ة)
الجنس : عدد المساهمات : 24257 التقييم : 4957 تاريخ التسجيل : 11/08/2012 البلد التي انتمي اليها : العراق
| موضوع: ♣ تكريس القلب ♣ الخميس يونيو 28, 2018 1:35 pm | |
| تكريس القلب يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي ( أمثال 23: 26 ) . الحياة السليمة مع الله لا تستقيم أو تستمر سوى بالتكريس، والتكريس الحقيقي ليس مجرد شكل مظهري خارجي ، بل لهُ أصل وأساس ، لأن التكريس الخارجي بدون تكريس داخلي يُعتبر مجرد مظهر كاذب ليس لهُ أي قيمة تُذكر، وكل ما يأتي به من ثمر هو مديح الناس ، ومحصلته النهائية الكبرياء ، لذلك علينا أن نعي أن التكريس الحقيقي وهو تكريس الداخل بصدق الإيمان الحي العامل بالمحبة ، أي تكريس القلب لله ، وهذا التكريس القلبي هو أساس وقاعدة الحياة الواقعية مع الله ، لأن بدونه لن نستطيع أن نسير في الطريق السماوي بجدية لنوال المجد الإلهي والسكنى الدائمة مع الله إلى الأبد ، أو الحصول على تحقيق الوعد الذي وعدنا به وهو الحياة الأبدية ، بل ستظل محصورة في معرفة المعلومة كمجرد فكرة حلوة تعجبنا وتشدنا ، ولكنها تظل فكرة ولن تتحول لواقع في حياتنا العملية ، وبالتالي لن تسعفنا وقت الشدة أو الضيق أو في حالة شدة التجارب التي نمر بها . وتعبير القلب القصد منه بحسب الإنجيل : [ أَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ تَخْرُجُ الأَفْكَار؛ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ . اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُور] ( مرقس 7: 21؛ متى 12 ) . والقصد هو أعماق الإنسان الداخلية الخفية والغير ظاهرة، أي إنسان الباطن ، فالقلب تعبير عن مركز شخصية الإنسان الداخلية ، أو يُمكننا أن نقول أنه الجانب الروحي العميق من الإنسان ، أي هو أساس شخصية الإنسان ، أي أنه مركز التفكير والمشاعر الحقيقية والرغبات والميول الخفية ، ومنه تخرج الأفكار وكل الأفعال الظاهرة في النهاية ، لأن ما في قلبي هو الذي يُحركني ويُحدد اختياراتي ، واختياراتي النابعة من داخلي تحدد مصيري . " يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ " ( 1كورنثوس 4: 5 ) . فأن كان قلبي صالح وحي بالروح فسأُخرج الصلاح ، أما أن كان شريراً وروحي ملوثة ساقطة سأُخرج الشرور، لأن كل ما يحدث في الخارج يُعبر عما هو في الداخل ، في أعماق النفس الخفية، وبالطبع لو أن الداخل ميتاً بالخطايا والذنوب وعين الذهن الروحية الداخلية مُطفأة فالظلام هو المسيطرعلى الذهن ، وبالتالي حينما أحيا – بهذا الحال المُذري – الحياة الروحية ، وتطبعت بطابع الروحيين من الخارج سأعيش بالرياء ، لأنه سيكون لي صورة التقوى وأنكر قوتها . " إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ ؛ هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَع ، بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ " ( مزمور 66: 18؛ إشعياء 59: 1 – 2 ) . أما أن كنت قد سمعت إنجيل الخلاص وتبت وآمنت وتغيرت بالروح القدس ، وطعت طاعة الإيمان الحي العامل بالمحبة، فأني سأقدم قلبي مكرساً لله الحي ، وسأدخل في سر عهد النعمة وأعيش متمسكاً بوعد الحياة الأبدية. وبناء على ذلك سأعيش حافظاً تكريس قلبي منتبهاً لحياتي : فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ ( فوق كل حرص ) احْفَظْ قَلْبَكَ ( كن حريصاً واحرس قلبك ) لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ ( أمثال 4: 23 ) . ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ أولئك الذين يختبرون النعمة ولكنهم مع ذلك يتهاونون مع الخطية فإن الخوف يُسيطر عليهم فيعيشون حياتهم في اضطراب وقلق . لأنه كما أن التجار أثناء سفرهم والبحر هادئاً ، ولكنهم لأنهم لم يصلوا بعد إلى الميناء فإنهم لا يزالون معرضين للخوف لئلا تهب فجأة ريح معاكسة ، فتُهيج البحر وترتفع الأمواج وتُصبح السفينة في خطر، هكذا المسيحيون أيضاً حتى وإذا كان لهم في نفوسهم ريحاً موافقة من الروح القدس ، إلا أنهم يحترسون لئلا تثور عليهم روح القوة المضادة وتُسبب الاضطرابات وتُثير العواصف على نفوسهم . لذلك ، فهناك حاجة إلى سهر كثير ويقظة، لكي ما نصل إلى ميناء الراحة في العالم الكامل ، وإلى الحياة الدائمة السعادة الأبدية ، إلى مدينة القديسين ، أورشليم السماوية ، إلى " كنيسة أبكار" ( عبرانيين 12: 23 ) ، ( عظات القديس مقاريوس الكبير 40: 4 ) . فالحياة الإلهية تبدأ فينا بجذب القلب لله بالروح ، وحينما نستجيب للدعوة الإلهية بالتوبة والإيمان ، في التو تُزرع فينا كلمة الحياة ، وندخل في سرّ التبني بيسوع المسيح ويظهر فينا نوره الخاص ، ومن هنا يتضح معالم الطريق ويصير إلينا صوت الله في أعماق القلب : يا ابني أعطيني قلبك ولتلاحظ عينك طرقي ، ومن ثم نكرس قلبنا لله جالسين عند كلمته لنتشرب منها الحياة فتصير لنا قوة تطهير وتنقية ، ليصير قلبنا طاهراً صالحاً ليكون مقراً لسُكنى الله حياتنا كلنا . ومن هنا تبدأ حياة تكريس القلب والحفاظ على الزرع الإلهي فينا لكي يُثمر في أوانه ، ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ فإن كل الذين نالوا الزرع الإلهي فإنهم ينالونه في الخفاء بطريقة غير منظورة ، وبسبب الخطية الساكنة فيهم أيضاً فإنهم يخفون الزرع الإلهي في أماكن خفية في داخلهم . فإذا حفظوا نفوسهم وحفظوا الزرع الإلهي فإنهم في الوقت المناسب يُولدون ثانية بشكل منظور ( يظهروا كنور في العالم كأبناء الله في المسيح ) ، وبعد ذلك عند انحلال الجسد تستقبلهم الملائكة وكل الأرواح السماوية بوجوه فرحة ، ولكن إن كان الإنسان بعد أن ينال أسلحة المسيح ليُقاتل بشجاعة، يتكاسل ويُهمل ، فإنه يقع في أيدي الأعداء ، وعند انحلال الجسد يعبُر من الظلمة التي تُحيط به الآن إلى ظلمة أردأ، وإلى الهلاك ] ، (عظات القديس مقاريوس الكبير 40: 5 ) فلزاماً علينا الآن أن نفهم معنى تكريس القلب وندرسه حسب الإنجيل لكي نكرس قلبنا تكريساً حقيقياً حسب قصد الله لا الناس ، لأننا لن نتأمل في الموضوع ونكتب كلام فكري ولا فلسفة شخصية ، بل نُريد ان ندخل في خبرة تكريس القلب في حياتنا الواقعية ، ومن ثم نحافظ على تكريسنا هذا لكي نستطيع ان نكمل الطريق للنهاية . المصدر / منتديات الكنيسة .
| |
|