قانون حظر النقاب.. اختبار للإرادة السياسية المصرية
أولوية الاستقرار الأمني تتفوق على الأبعاد الفقهية والحقوقية التي أثارت جدلا كبيرا.
العرب / القاهـرة :
الواقع يفرض التغيير:
يستعد البرلمان المصري لمناقشة مشروع قانون يمنع النقاب في الأماكن العامة، وسط جدل كبير خاصة
في ما يتعلق بالجانب الفقهي للقضية. لكن النقاش الذي أشعله مشروع القانون طرح اختبارا للعلاقة
بين الحكومة والسلفية، لا سيما بعد قرارات اعتبرت محاولات للتضييق على التيار وتقوية المناوئين له.
يمثل الاقتراب من قضية حظر النقاب في الأماكن العامة بمصر اقترابا من عش للدبابير،
إذ خشيت الكثير من الحكومات المصرية والأغلبية البرلمانية منه بجدية، قبل أن تطرقه نائبة تنتمي
للتيار الداعم للرئيس عبدالفتاح السيسي في مجلس النواب، بمشروع قانون يحظر ارتداءه في الأماكن العامة.
وطالبت النائبة غادة عجمي، عضو ائتلاف “دعم مصر” في مشروع القانون الذي قدمته مطلع
نوفمبر الحالي للبرلمان، بحظر ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة والحكومية في أي وقت وتحت أي ظرف،
مع معاقبة من تعاود ارتداءه بغرامة لا تقل عن ألف جنيه (55.5 دولار)، مثيرة اعتراضًا من تيارات سلفية اعتبرته
مشروعًا للحكومة ، وحظيت مسألة حظر النقاب، بدعم 60 نائبًا خلال ثلاثة أيام فقط، ما يؤهله وفقا للائحة
الداخلية لمجلس النواب للإحالة إلى اللجان النوعية المختصة لمناقشته، قبل إحالته للجلسة العامة لإبداء الرأي النهائي
والتصويت عليه، وعندما يحصل على النصاب المطلوب والموافقة عليه يصدق عليه رئيس الجمهورية.
يوسع مشروع القانون دائرة الحظر لتشمل جميع الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس والمباني الحكومية
والشركات الخاصة، ووسائل النقل وأماكن الترفيه والمؤسسات الثقافية.
يحتاج حظر النقاب إلى إرادة سياسية للتنفيذ وتعميمه في المجتمع، مهما كان موقف البرلمان، فالمعركة ليست
سهلة مع السلفيين وأتباعهم، والذين يتمترسون حول نصوص تعتبره فريضة، ولا زالوا يحملون ضغينة
مع الناشطة هدى شعراوي التي تزعمت حركة خلع البرقع في مصر قبل نحو قرن.
السلفيون يتجنبون المواجهة المباشرة مع الحكومة، فيرفضون منع النقاب بأدوات شعبية دون تبني خطاب سياسي
ومنع تحاشي الصدام مع التيارات الإسلامية حكومات متعاقبة من تطبيق لائحة تم وضعها منذ عشرين عاما،
وتعتبر النقاب غير ملائم بالمؤسسات التربوية، لكن الحكومة الحالية تبدو جاهزة لخوض المعركة بعد نجاح
تجارب سابقة حققت نجاحا لافتا ، وقد منعت جامعة القاهرة التدريس بالنقاب أو ارتداءه أثناء العمل بمستشفياتها
الجامعية، وحظرته وزارة التربية والتعليم داخل الفصول لأنه يمنع التواصل المباشر بين المعلمات والطلاب
ويتسبب في قصور توصيل المعلومات ، وإذا كانت الحجج السابقة تقر بوجود دواعي عملية، فإن هناك جانبا مهما
يتعلق بتوجهات النظام المصري حيال التصورات والممارسات التي تحمل وجها متطرفا، وبينها النقاب،
الذي يثير ريبة لدى الشارع المصري. ويقول أحمد بان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن الوضع
الأمني تحسن بمصر إلى حد كبير، فالإرهاب انحصر بشكل كبير، وجرى كسر أهم مظاهر العنف المسلح
في الشارع، ما جعل البيئة المصرية مهيأة لاتخاذ قرار من هذا النوع ، وتمنح الحوادث الإرهابية والجنائية، التي كان للنقاب
دور غير مباشر فيها مسوّغات لحظره، ما بين استعماله كوسيلة لنقل سلاح أو توصيل معلومات أو تهريب مطلوبين
من بين تجمعات المتظاهرين، أو حتى استغلاله في وقائع اختطاف رضع من داخل المستشفيات أو الغش
في امتحانات المدارس، أو أعمال التسول والسرقة والدعارة.
ترى النائبة غادة عجمي أن الظروف الأمنية بمصر هي المحرك وراء مشروع حظر النقاب الذي يستخدمه
الإرهابيون للتخفي ما يهدد حياة المواطنين ، وأكد بان، لـ“العرب”، أن القضية تنظيمية بحتة تتعلق بأمن المجتمعات،
وأجهزة الدولة طوال تاريخها في موقف قوة، لكن في الظروف الصعبة تنحني للعواصف عن وعي وإدراك
لأوزان القوى، ولا يوجد فصيل أو حزب إسلامي يفرض رؤيته.
تلمـح قرارات أخيرة للحكومة إلى توجيه رسائل مبطنة للسلفيين، فقد وافق مجلس الوزراء، في أكتوبر الماضي،
على تقنين أوضاع 120 كنيسة ومبنى دينيًا مسيحيا، ليبلغ بذلك عدد الكنائس والمباني التي تم تحسين أوضاعها 340.
كما تبطل هذه القرارات حججا طالما استغلها التيار السلفي لمنع المسيحيين من مزاولة عباداتهم داخل تلك المنشآت
بحجة أنها غير مرخصة ، وتعرضت المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية التي يمتلكها سلفيون لقصف من وكيلي لجنتي
“الثقافة والإعلام” و“الشؤون والدينية” بمجلس النواب، طالبا في تصريحات تلفزيونية، الأحد الماضي، بغلقها استنادًا
إلى قانون تنظيم الإعلام الصادر مؤخرًا، باعتبارها خطًرا على الأمن القومي المصري وتدعو للتطرف.
يحاول نواب حزب النور السلفي اجتذاب نواب آخرين للوقوف ضد تمرير القانون بالبرلمان، وشنت مواقع
وصفحات سلفية هجمات على مقدمته النائبة غادة العجمي رافعين لافتة بأن هناك “حربا على الدين”.
في مواجهة تلك المحاولات تدخل الحكومة المعركة محصنة بدعم مؤسستي الأزهر ودار الإفتاء، وأكدتا
أن الزيّ الشرعي للمرأة يستر الجسم كله عدا الوجه والكفين اللذين يعتبران حجبهما للمرأة المسلمة
ليس فرضًا، وإنما يدخلان في دائرة المباح ، ويرفض بان توصيف انتهاء شهر العسل بين الدولة والسلفيين،
معتبرًا أن أي نظام يمزج في سياساته بين الخشونة والنعومة، بحسب خياراته، معتبرا أن الاتجاه لبناء
دولة وطنية حديثة يتطلب اختيار الأولويات التشريعية الصحيحة التي تخدم مصالح القطاعات الأوسع من الناس
وتطبيق القانون على الجميع في كل المساحات والمناصب ، واعتبر سلفيو مصر أن دعمهم الإطاحة بنظام الإخوان
في خضم ثورة 30 يونيو 2013، أعطى تلك الإطاحة مشروعية دينية، وراهنوا على فوائد يحصلون عليها مباشرة
من بينها السيطرة على الدعوة ونشر أفكارهم ، لكن العلاقة تنقلت على مدار الخمس سنوات الماضية من التقارب
والدعم المطلق، إلى تحجيم الدور بمنع السلفيين من الخطابة واعتلاء المساجد، إلى التمهيد لخروجهم من المشهد السياسي
برمته، وتقليم أظافرهم من خلال وقف المظاهر العامة التي تدل على انتشارهم في المجتمع، وبينها حظر النقاب .
ويرى خبراء أن السلفيين في مصر سوف يتجنبون المواجهة المباشرة وسيبحثون عن وسيلة للبقاء في
“المنطقة الرمادية أو الدافئة” بما يجنبهم العداء مع الحكومة والمحافظة على مكتسباتهم الراهنة، وتمتعهم بممارسة السياسة
عبر حزب سياسي ( النور)، وتجنب ملاحقتهم أمنيًا، ما يجعلهم مضطرين إلى الانحناء لعاصفة منع ارتداء النقاب،
ومحاولة رفضها بأدوات شعبية دون تبني خطاب سياسي يدعمها ، لكن المشكلة قد تكون أكبر في البعض من الأماكن المغلقة
في جنوب مصر وشمالها، لأن ارتداء النقاب أحيانا يكون وليد طقوس وعادات اجتماعية بعيدة عن التدين،
والتي لن يكون تغييرها سهلاً في ظل ترسخ هذه القيم في الوجدان العام في هذه الأماكن والتصاقها بمعاني قريبة
من صون العرض والشرف بإبعاد السيدات عن أعين الغرباء.