قصة حذاء الطنبوري :
يحكى أنه كان ببغداد رجل يدعى بأبي القاسم الطنبوري ، معروف بالنوادر والحكايات ، وله حذاء لم يبرح قدميه أبد السنين والأعوام ، لدرجة أنه كلما انقطع منه موضع جعل عليه رقعة فصار ثقيلا جدا ، حتى أصبح مضرب الأمثال عند عامة الناس وخاصتهم فيقال : أثقل من مداس ( حذاء ) أبي القاسم الطنبوري .
دخل مرة سوق الزجاج فاستوقفه سمسار وقال له : يا أبا القاسم ، قد وصل تاجر من حلب ، ومعه قوارير من زجاج مذهّب قد كسد ، فابتعها منه ، وأنا علي بيعها بمكسب مضاعف فتربح الخير الوفير وآخذ أجرة سمسرتي ، فابتاعها بستين دينارا .
ثم دخل سوق العطارين ، فقصده سمسار آخر وقال له : يا أبا القاسم ، لقد ورد علينا تاجر يبيع ماء ورد في غاية الحسن والرخص ، فابتعه منه وأنا أبيعه لك بربح كبير ، فابتاعه منه بستين دينارا أخرى ، ثم جعل ماء الورد في القوارير الزجاجية المذهبة ، ووضعها على أحد رفوف المنزل حتى يتفق مع السماسرة لاحقا .
ثم دخل الحمام ليغتسل ، فقال له بعض أصدقائه : يا أبا القاسم ، أتمنى أن تغير حذاءك فإنه في غاية السوء والوحاشة ، وأنت ذو مال ! ، فقال : السمع والطاعة .
ولما خرج من الحمام ولبس ثيابه ، وجد إلى جانب حذائه حذاء جديدا ، فلبسه ومضى إلى بيته . وتزامن ذلك مع وجود القاضي بالحمام كذلك ، فلما خرج لم يجد حذاءه ، فقال : هذا الذي لبس حذائي ، ألم يترك عوضه شيئا ؟ . فوجدوا حذاء أبي القاسم لأنه معروف ، فالتحقوا ببيته فوجدوا حذاء القاضي عنده ، فعوقب بالضرب والسجن مع تغريمه .
وبدأت حوادث الحذاء المنحوس !
لما خرج أبو القاسم الطنبوري من السجن أخذ حذاءه وألقاه في نهر دجلة فغاص في الماء . وحدث يومها أن بعض الصيادين رمى بشبكته فطلع فيها الحذاء فقال : هذا حذاء أبي القاسم ، والظاهر أنه سقط منه . فحمله إلى بيت أبي القاسم فلم يجده ، فرماه من نافذة بيته المفتوحة ، فسقط على الرف الذي عليه القوارير ، فانسكب ماء الورد وانكسرت القوارير .
فلما رأى أبو القاسم ذلك لطم على وجهه وصاح : وافقراه أفقرني هذا الحذاء ! . ثم قام يحفر له في الليل حفرة ، فسمع الجيران حس الحفر فظنوا أنه ينقب على حائطهم ، فشكوه إلى الوالي فأرسل إليه من اعتقله ، وقال له : ‘ تنقب على الناس حائطهم ! اسجنوه ‘ ، ففعلوا فلم يخرج من السجن إلى أن دفع غرامة مالية كبيرة .
فأخذ حذاءه المنحوس ورماه بجانب مرحاض عمومي للمسافرين ، فسد فجوة به نتج عنها تسرب للمياه وضياعها وانبعاث روائح كريهة منها . فلما وقف الصناع على موضع الفجوة وجدوا حذاء أبي القاسم فحملوه إلى الوالي وحكوا له ما وقع ، فحكم عليه بدفع غرامة مالية ، فقال وهو في قمة اليأس : ما بقيت أفارق هذا المداس .
حذاء عنيد لا يفارق صاحبه !
فغسل حذاءه وجعله على السطح حتى يجف ، فرآه كلب ظنه عظمة كبيرة ، فحمله وعبر به إلى سطح آخر فسقط على امرأة حامل فارتجفت وأسقطت ولدا ذكرا . فنظروا ما السبب فإذا حذاء أبي القاسم .
فتم رفع أمره إلى القاضي فقال : يجب عليه غرمه ، فابتاع لهم غلاما وخرج وقد افتقر ولم يبق معه شيء . فأخذ الحذاء وجاء به إلى القاضي ، وحكى له جميع ما وقع له من مصائب مع حذائه المنحوس ، وقال : أترجاك مولانا القاضي أن تكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارأة بأنه ليس مني ولست منه ، وأنا بريء منه ، ومهما فعله يؤاخذ به ويلزمه فقد أفقرني .
فضحك القاضي ، وتعجب من قصته ، وأمر له بمال ، وانتشرت قصة حذاء الطنبوري بين الناس ، فأكسبه على نحسه شهرة كبيرة