3- تسليم يهوذا الإسخريوطي ليسوع :
استطاع يهوذا بدهائه أن يخفي - لبعض الوقت - طبيعته الحقيقية عن بقية التلاميذ، وأن يقضي
على أي استياء يمكن أن يحدث بينهم
(مر 14: 4) .
إلا أنه شعر هنا أنه لا يمكن أن يضمن استمرار مصدر دخله. أما كلمات سيده التي تضمنت
حديثه عن يوم تكفينه فقد كشفت لمسلمه أن يسوع قد عرف جيدًا القوى الشريرة التي كانت تعمل ضده
(مت 26: 12، مر 14: 8، يو 12: 7) .
وواضح مما جاء في متى ومرقس (فلوقا لا يذكر هذه الحادثة) أن يهوذا ذهب على الفور وتآمر
مع رؤساء الكهنة
(مت 26: 14 و15، مر 14: 10 و11، انظر أيضًا لو 22: 3 - 6) .
ولكنه اختفى إلى حين، فقد كان حاضرًا بعد ذلك عند غسل أرجل التلاميذ حيث ميزَّ يسوع مرة أخرى
بينه وبين بقية الاثنى عشر دون التصريح باسمه : " أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم " ،
" والذييأكل معي الخبز رفع علَّي عقبه "
(يو 13: 10 و18) .
ويبدو أن يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا كل فرصة للتوبة والاعتراف حتى في تلك الساعة المتأخرة.
وللمرة الأخيرة عندما جلسوا للأكل، تقدم إليه يسوع بهذه الكلمات :
" إن واحدًا منكم سيسلمني "
(مت 26: 21، مر 14: 18، لو 22: 21، يو 13: 21) .
وأخيرًا وردًا على تساؤلات التلاميذ الحائرة : " هل أنا ؟ " أشار يسوع إلى مسلمه، لابذكر اسمه ،
ولكن بالقول : " هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه "
(يو 13: 26) .
وحالما أخذ اللقمة، غادر يهوذا المكان، لقد حانت الفرصة التي كان ينتظرها
(يو 13: 30، مت 26: 26) .
إلا أن هناك بعض الشك فيما إذا كان قد أخذ الخبز والخمر قبل مغادرته أم لا، ولكن معظم المفسرين
يعتقدون أنه لم يأخذ من الخبز والخمر. وحالما خرج يهوذا ذهب إلى رؤساء الكهنة وأتباعهم،
وعندما جاء إلى يسوع في البستان، سلّم سيده بقبلة
(مت 26: 47 - 50، مر 14: 43 و44، لو 22: 47، يو 18: 2 - 5) .
4- موت يهوذا الإسخريوطي:
لا يذكر عنه شيء في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا، بعد أن أسلم يسوع. أما ما جاء في إنجيل متى
وسفر الأعمال عن ندامته وموته، ففيه اختلاف في بعض التفاصيل، فيذكر متى أن الحكم على يسوع
كان سببًا في إيقاظ إحساسه بالذنب، وفي يأسه المتزايد بسبب طرد رؤساء الكهنة والشيوخ له،
" طرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه " واشترى رؤساء الكهنة بالفضة
حقل الفخاري الذي سمي فيما بعد "حقل الدم" وبهذا تحققت نبوة زكريا
(11: 12-14) .
(1: 16 - 20) .
قصر كثيرا، فلا يذكر شيئًا عن ندامة يهوذا ولا عن رؤساء الكهنة، ولكنه يذكر فقط أن يهوذا اقتنى
حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها
(عدد 18) .
ويجد كاتب سفر الأعمال في هذا تحقيقًا للنبوة التي جاءت في مزمور 69: 25
وهي كما وردت في الفولجاتا : " إنه إذ شنق نفسه، انسكبت أحشاؤه "
وهي بذلك تربط بين الروايتين .
ثانيًا - شخصية يهوذا الإسخريوطي وما يدور حولها من نظريات:
1- يهوذا ينضم إلى الرسل ليسلم يسوع :
لقد دار حوار طويل وجدل كثير - ليس حول روايات الأناجيل عن يهوذا فحسب، بل وأيضًا -
حول شخصيته والمشاكل المتعلقة بها. فكون " يهوذا " مسلم يسوع واحدًا من الاثني عشر المختارين،
قد أعطي لأعداء المسيحية فرصة لمهاجمتها منذ العصور الأولى كما ذكر أوريجانوس.
كما أن صعوبة الوصول إلى حل حاسم، قد أدى بالبعض إلى اعتبار يهوذا مجرد تجسيد للروح اليهودية.
ولكن هذا الرأي - على أي حال - يقلل من القيمة التاريخية لكثير من الفصول الكتابية.
وهناك نظريات مختلفة لتفسير الموضوع، مثل أن يهوذا انضم لجماعة الرسل بهدف محدد،
هو تسليم يسوع. ويفسرون هدف هذا الاتجاه على وجهين، يعمد كلاهما للسمو بشخصية يهوذا وابرائه
من تهمة الدوافع الخسيسة ونذالة الخيانة. فيقول أحد الجانبين إن يهوذا كان وطنيًا غيورًا،
ورأى في يسوع عدوًا لأمته وعقيدتها الأصيلة، ولذلك أسلمه من أجل صالح أمته،
ولا يتفق هذا الرأي مع طرد رؤساء الكهنة ليهوذا
(مت 27: 3 - 10) .
أما الاتجاه الآخر فقد اعتبر يهوذا نفسه خادمًا أمينًا للمسيحية إذ أنه توجه إلى التسليم ليتعجل
عمل المسيا ويدفعه إلى اظهار قوته المعجزية بدعوة ملائكة الله من السماء لمعونته
(مت 26: 53) .
أما انتحاره فيرجع إلى يأسه، لفشل يسوع في حقيق توقعاته. ولقد راقت هذه النظرية -
في العصور القديمة - للغنوسيين القينيين، وفي العصر الحديث " لدى كوينسي والأسقف هويتلي،
لكن العبارات التي استخدمها يسوع وطريقة شجبه لتصرف يهوذا
(يو 17: 12) .
تجعل مثل هذا الرأي بلا قيمة.
* يتبع لطفا
المصدر / St.Takja.Org.