في قصة مذهلة من قصص النضج النفسي و الوعي الروحي، وقف أحد الأبناء أمام أبيه ليقول له:
"أنا الآن مدير أعمالك الذي منحتني ثقتك و استأمنتني على مالك تعرف السارق؟، لقد كنت أنا سارق خزانتك! وقد جئت لأقول إنني لست أهلاً لثقتك أو البقاء في بيتك"!
هذه قصة نادرة الحدوث، و صاحبها كان سارقاً و غشاشاً، و لكنه عرف الطريق الصحيح لقطع روابط الخداع من حياته. غنه لم يستند إلى إخفاء الحقيقة وراء الزمن، و لم ينخدع بالثقة التي منحت له، و لم يعبأ بالعار الذي سيلحق به من وراء اعترافه، بل رأي أن خداع النفس يقود إلى الضياع، فأنقذ نفسه بالمواجهة الجريئة و فتح لها باب العزة و الحق!
و نحن نخطئ كثيراً إذا قلنا إننا لا نمارس الغش أبدا، فالواقع هو إننا كثيراً ما نلبس الأقنعة الملونة، التي نظهر بها أمام الناس على غير حقيقتنا! و كثيراً ما يقول الممثل الذي فينا بتقديمنا في أدوار بطولية لامعة نفتقر إليها في واقعنا الخفي!
ونجاحنا في إخفاء نقائصنا يغرينا بالاحتفاظ بصورتنا المغشوشة أمام الناس، بل وقد يغرينا بتصديقها، فتظل طول العمر محبوسين داخل صورتنا المزيفة، و الأشنع من ذلك أنه قد يغلق أمامنا باب الاعتراف و التوبة!
قد نغش الناس، و قد نغش أنفسنا، و لكننت لا نقدر أن نغش الله!