هل تعتمد ألمانيا الأسلوب الفرنسي تجاه تركيا ؟ !
الثلاثاء 13 ـ 10 ـ 2020
دبي / حسين جمو :
لم تكن الدبلوماسية الألمانية قد انتهت من تهنئة نفسها ، على دفع تركيا إلى التراجع في شرق المتوسط ،
حتى أعلنت تركيا ، " الاثنين" ، أنّـها أرسلت مجدّداً إلى شرق المتوسط ، سفينة تنقيب لاستكشاف الغاز البحري في المياه الإقليمية لجمهوريتي قبرص واليونان .
اكتسبت تركيا وقتاً مهماً من التراجع الظاهري الأسبوعين الماضيين ، فقد منحت « دول التهدئة » الأوروبية ، بقيادة ألمانيا ، ورقة رابحة خلال محادثات الأسبوع الماضي للاتحاد الأوروبي ، حين اتفق الأعضاء على تأجيل طرح العقوبات ، بعد خطوات إيجابية من جانب تركيا ، وخلال هذا الوقت أيضاً ، الذي يسبق الانتخابات الأمريكية ، هناك عرف عالمي سائد ، منذ أنْ أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة بعد عام 1990 ، وهو:
أنّ الدول الديمقراطية الليبرالية ، تنتظر إلى ما بعد الانتخابات ، من أجل التحرك ، أما الدول التسلطية فإنها تختار هذا التوقيت لاستغلال « فراغ الانتظار » ، ورداً على الخطوة التركية ، عادت ألمانيا بغضب ، لتحديد مسار ملف الأزمة شرقي المتوسط ، فبعد أنْ كانت فرنسا هي التي تدير الدفة من الجانب الأوروبي انتقل الملف إلى برلين ، بعد القمة الأوروبية ، مطلع الشهر الجاري ، فبعد أنْ نجحت في إبعاد مقترح العقوبات ضـدّ تركيا ، تواجه ألمانيا اختباراً لدبلوماسيتها ، التي يحرص المسؤولون الأتراك ، على عدم إستفزازها ، كما يفعلون عادة مع بقية الدول الأوروبية ، وفي خطوة رمزية ، زار وزير الخارجية الألماني ، هايكو ماس ، اليوم الثلاثاء ، أثينا ونيقوسيا ، متفادياً أنقرة ، وقال خلال زيارته ، إنه « لا بد أنْ تتوقف الآن لعبة التبديل من جانب تركيا ، بين التصعيد وسياسة التهدئة » ، وألمانيا من الدول القليلة التي لها تأثير كبيرغيرعلني في السياسات التركية ، وهي تجد نفسها في موقف حرج من شركائها الأوروبيين ، في حال آستأنفت أنقرة التنقيب فعلاً ، ويبدو من حديث وزير الخارجية ، ماس ، عنْ « انتكاسة شديدة » و« التضامن الكامل مع اليونان وقبرص » ، أنّ حدود التمادي التركي ليس واسعاً أمام العقوبات التي ستكون برلين مضطرة لوضعها على الطاولة بنفسها ، بعد أنْ دفعت فرنسا إلى سحبها ، كما أدت عوامل أخرى ، إلى تراجع الهبّة الفرنسية المتوسطية ، فقد فقدت خلال أسابيع ، دورين مهمين على الصعيد الإقليمي الدولي ، الأول ملف لبنان ، بدخول الولايات المتحدة على خط الأزمة ، وتصدر ترسيم الحدود مع إسرائيل الأولوية ، وفقدانها دورها في مجموعة مينسك ، الخاصة بإدارة الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا ، حيث
أدى اقتحام تركيا العنيف للأزمة ، ودعمها أذربيجان ، وإرسالها مسلحين متطرفين إلى القوقاز الجنوبي ،
تحت أعين - والمرجح أيضاً تفهّم - روسيا ، عطلت مجموعة مينسك ( روسيا - الولايات المتحدة - فرنسا ) ،
حيث يبدو هناك إجماع بين القوى العظمى ، على منع فرنسا من توسيع حدود مبادراتها وحضورها السياسي
على الصعيد الدولي .
أداة تفكيك أوروبا :
الحسابات التركية ، قد لا تصيب هذه المرة في المتوسط ، فهي لا تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ،
حيث قد يروق الأمر لفريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والبريطاني بوريس جونسون ، لحسابات ثنائية لكل بلد ، إنّما ألمانيا ، التي تستطيع إلحاق أذى بتركيا في قطاع الاقتصاد ، إلى حد كبير ، لكن في المقابل ،
ستتلقى هي الأخرى ارتدادات سلبية ، متعلقة بملف اللاجئين ، رغم أنّ حسابات استراتيجية دولية ، لديها مصلحة في تهشيم الاتحاد الأوروبي وتركيا ، كما هو واضح من مسار الأحداث ، أداة لتفكيك أوروبا ، كمنظومة سياسية ، وكذلك حقوقية ، وهذا يحقق مصلحة لدوائر يمينية عبر العالم في الشرق والغرب ، وبات بقاء تركيا خارج
الاتحاد الأوروبي في وضعها الحالي ، كأداة لمفاقمة الانقسام ، تدر عليها مكاسب أكبر بكثير من أنْ تتقدم
في ملف العضوية .
السياسات النباتية :
في مقالة نشرها بصحيفة « إندبندنت » ، في 21 سبتمبر الفائت ، كشف وزير الشؤون الأوروبية البريطاني السابق ، دينيس ماكشين ، بعض أساسيات التعامل الأوروبي مع تركيا . وكونه من أنصار القيم الحقوقية الأوروبية ،
فإنّ ماكشين حدد بوضوح ، مكمن الخطر الأكبر على المنظومة الأوروبية : تركيا ، كان الوزير البريطاني السابق ، قد شارك في ملتقى سياسي في أثينا حول الأزمات الأوروبية وذكر مقتطفات من حديث الرئيس الفرنسي الأسبق ، فرانسوا هولاند ، حول التهديد الذي يمثله أردوغان ، والحروب التي يخوضها ، وتحريكه المواطنين الأوربيين من أصول تركية ، كورقة تهديد اجتماعية ، في المقابل ، يرى زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق ، سيغمار غابرييل ، الذي شغل منصب وزير الخارجية الألماني من 2017 إلى 2018 ، موقفاً مختلفاً تماماً ،
أصر غابرييل في الندوة ذاتها ، حسب ما ينقل ماكشين ، على أنه إذا تم فرض عقوبات على تركيا لشرائها صواريخ S-400 الروسية ، أو اضطرت لمغادرة الناتو فستصبح تركيا - بحسب اعتقاد غابرييل - بسرعة ،
قوة نووية ، وأنه إذا أظهر الاتحاد الأوروبي تضامنه مع اليونان ، واتخذ أي إجراءات ضد أردوغان، فسيتعين على أوروبا بناء جدران جديدة على جميع حدودها ، بما في ذلك الحدود الداخلية في دول مثل المجر ، حيث سيرسل أردوغان مليون أو أكثر من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي ، بالنسبة لغابرييل ، كانت المشكلة الرئيسة ، هي أن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لفرض عقوبات على تركيا ، ونظراً لنفوذ الولايات المتحدة على الناتو ،
لنْ يكون هناك خط واضح بشأن عسكرة تركيا لشرق البحر المتوسط ، بالنسبة لغابرييل ، كان الجواب هو
« الصبر الاستراتيجي » ، والواقع أنّ الحجج التي ساقها السياسي الألماني ، جذابة للإقناع ، رغم أنها بمثابة
ترك وحش يسير في طريقه ، بحجة أنّ محاولة السيطرة عليه ستثير غضبه ، لكن فعلياً هذا ما تملك أوروبا
أنْ تفعله ، إذا صدق توصيف غابرييل للسياسة الأوروبية ، بأنها نباتية ، وقال كما يبدو ساخراً، بحسب ماكشين :
« إذا كانت السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي نباتية ( Vegetarian ) ، فإن السياسة الخارجية الألمانية نباتية صرفة ( Vegan ) » ، ويختتم ماكشين مقالته بالسؤال : هل سيترك النباتيون الأوروبيون ، آكل اللحوم أردوغان ، المضي قدماً في مخططاته في بحر إيجة ؟ ومن المؤكّد أنّ اليمين عبر العالم ، الذي يتخذ من تركيا سلاحاً
في أكثر من لا يعجبه الاتحاد الأوروبي ، الذي فقدت دوله أسنانها في الحرب العالمية الثانية .
المصدر / موقع البيان الألكتروني .