دراســـة : فيروس “ كورونا ” ؛ نعمة أم نقمة ؟ !
بقلم / ديانا محمود :
وكأنه لا يكفي العالم ما فيه من مصائب ، لكي يأتي شبح الكوفيد - 19 ويلف بجناحين أسودين عملاقين ،
العالم بأسره ،أطبق على أنفاس البشر أجمعين ، أجبرهم على التزام منازلهم ، فقد أصبح الخروج بمثابة
الرمي بالنفس إلى كرة من نار ، من يمر بها لنْ يعود كما ذهب ، قد يكون حاملا شعلة يمكن أنْ تحرق عائلته بأكملها .أغلقت المدارس والجامعات والمؤسسات على آختلاف أنواع خدماتها ، وبقيت بعض الاستثناءات محكومة بشروط وقتية وصحية معقدة ، المصانع ، الشركات ، المعامل ، جميعها أقفلت حتى إشعار آخر، ما من قطاع نجا من هذا الكابوس الصحي الاقتصادي العالمي ، أكثر من مليوني إصابة بالفيروس حول العالم ، أكثر من مائة وسبعين حالة وفاة جراءه ، وما من علاج محدد حتى الساعة لهذا الفيروس المستجد مالئ الدنيا وشاغل الناس ،توقفت حركة الملاحة في العديد من الدول ، في سابقة لم تحصل حتى خلال أشد الحروب ضراوة ، مدنٌ عزلت عزلا تاما، آلاف المواطنين حجروا في منازلهم ، منهم من يتابع عمله عبر الإنترنت ومنهم من خسر عمله ، فالفقير الذي يعمل يوميا فقط ليقتات وعائلته ، أصبح مسجونا ، ينظرإلى عيون أطفاله الجياع ، ويتمنى لو يستطيع الاقتطاع من أحشائه وإطعامهم ، والغني ما زال يتمتع بنمط حياته المترف ، تقلصت أرقام أرباحه في البنوك بصفر أو اثنين ، لكنه مسجونٌ أيضا ، فالمرض والموت لا يفرقان بين رائحة العطور الغالية ورائحة التّراب المجبول بعرق الجبين ، بطريقة أو بأخرى ، لقد لقننا هذا الوباء الكثير من الدروس ، وذكر الناس بكينونتهم وحقيقة أنهم متساوون ، أعادهم إلى هدوئهم وحجة قلة الوقت دفنت مع وفيات الكورونا ، أصبح للأولاد أهل ! أمّ وأب موجودان يوميا وبدوام كامل ، جعلهم هذا الوباء يعودون إلى جوهر حياتهم وجودهم ومسؤولياتهم في تنشئة جيل صحيح نفسيا ، وليس فقط تأمين متطلباتهم ومستلزمات نمط حياة مترف لم يطلبه الأطفال أبدا
على حساب لعاطفة والاهتمام والوقت .
وماذا عـنْ الطبيعة ؟
منذ بدء الأزمة ، أي من خمسة أشهر تقريبا ، تنفست الطبيعة من جديد ، بصدر كان مختنقا بسموم الصناعات وآنبعاثاتها والتلوث وكل ما آقترفته أيدي البشر، عادت الحياة البرية تدريجيا إلى طبيعتها ، فشهدت بعض شوارع العالم عودة الطيور وغيرها من الحيوانات في ظل غياب الناس من الشوارع
في ظل الحجر، كم أنّ وجود الإنسان ثقيل على هذا الكوكب ! ، ألم يكف ما وصل إليه من تطور
وثورات فيما يمكن أنْ يتوصل إليه العقل البشري ؟ إنه الجشع ، والرغبة في المزيد دوما ، اللذان جعلا الخطر الوحيد على الإنسان في هذه الدنيا ، هو الإنسان نفسه ! ، حَربٌ بيولوجية ، أم صنيعُ الطبيعة ،
مما لا شك فيه أنّ فيروس كورونا له وجه إيجابي لا يمكننا تجاهله ، فلنهدأ نحنُ البشر ونتفكر ، ونعودُ
إلى عمق وجودنا فعلا ونعيـدُ جدولة أولوياتنا ، هناك حقيقة واحدة ، هي الفناء ، فلنجعل من وجودنا قيمة تذكر بعد غيابنا ، ولنرفق بهذا الكوكب ونساّمه بحال أفضل لأولادنا .
المصدر / جريدة عُمــــان .