القديس الشهيد إيليا الجديد
كان استشهاد القديس ايليا في زمن الخليفة المهدي (775-789)، وحاكم الشام وقائد شرطتها، محمد، ابن اخي الخليفة، في الاول من شباط من السنة 779م.
اما سيرته فهي: ولد في بعلبك. كان حرفيا. ترك مسقط رأسه مع أمه الأرملة الفقيرة وأخويه وقصد الشام. هناك عمل أجيرا لدى شخص سرياني قيل عنه "فضولي منضو الى رجل عربي". ولم يلبث السرياني أن اعتنق الاسلام. وقد بقي ايليا عاملا عنده أجيرًا سنتين كاملتين. سنّه يومذاك لم تكن قد جاوزت الاثني عشر ربيعًا. فجعل المسلمون يحثونه على اعتناق الإسلام كمعلمه ليكون له ان يقيم عنده لا كأجير بل كابن، فلم يرض. في إحدى الليالي كان ايليا يتناول العشاء عند معلمه، وكان حاضرا أصحاب هذا الأخير فشرعوا يمرحون ويرقصون واذ بهم يمسكون بيدي ايليا للرقص ويدورون، فحل أحدهم زناره وألقاه على ظهر ايليا فيما حل هو الطرف الآخر من الزنار لكي لا يتعثر به من اجل الرقص. -الزنار في ذلك الحين كان مفروضًا على المسيحيين-. لما انقضى الليل وأطل الصباح نهض ايليا وتزنر كعادته، ثم غسل وجهه وهمّ بالخروج الى الكنيسة. فشاهده احد المتآمرين عليه وقال له: الى اين انت ذاهب؟ اجاب: للصلاة! الا ان ايليا سمع من محدثه كلاما غريبا فهم منه ان حادث الزنار أثناء الليل كان معناه انه انكر المسيح. لم يعر ايليا الموضوع اهتماما جديًا، لانه ظن ان محدثه كان يمازحه.
بعد ان صلى ايليا في الكنيسة توجه الى عمله كالعادة. واذ به يفاجأ بمعلمه يقول له بانه منع أصحابه من أذيته لانه بعد ان رفض المسيح -بحسب زعمهم- استمر على مسيحيّته. اذ ذاك أدرك ايليا خطورة الحادث فاستشار امه وأخويه فارتأوا ان يعود الى بعلبك. وعمل هناك في صناعة المحاريث، بقي فيها ثماني سنوات. ولأن فرص العمل في دمشق كانت افضل من بعلبك عاد ايليا اليها، واستأجر دكانا وبدأ يعمل لحسابه الخاص. الا ان معلمه السابق شعر بالغيرة منه ودبر له مؤامرة، فشكاه لدى والي المدينة وكان يدعى "الليثي" مدعيا ان ايليا سبق له ان أنكر المسيح وقبل الإسلام ثم عاد الى مسيحيته. أمر الليثي بالقاء القبض على المتهم وإحضاره اليه. فلما وقف ايليا امام الرجل سأله هذا الاخير ان كان قد سبق له ان جحد مسيحيته فأنكر. فقال له: لنفرض انك لم تكفر بدينك ولا جحدت مسيحك، وانا ادعوك الى ذلك أفلا تفعل وتأتي الى ديننا لتنعم بالكرامات والشرف الكثير؟ فأجاب ايليا: "لا سمح الله ان أفعل هذا ما حييت لاني انا مسيحي ابن ابوين مسيحيين، وأنا مستعد ان أموت في سبيل إيماني". اذ ذاك أعلن الوالي انه يقبل الشكاية على ايليا.
أمر الليثي بان يجلد ايليا بلا هوادة حتى يسال دمه. كان الفتى في العشرين من العمر، وكان الليثي يقول له: "لا يخطرن ببالك اني سأطلقك قبل ان ترفض المسيح". فاجاب ايليا بعزم ثابت أكيد: "اذن عليك بالضرب وعليّ بالصبر والاحتمال". وكان أخواه يناشدناه باكيين الا يكفر بالمسيح مهما كلف الامر، فزاده ذلك عزمًا وتصميمًا. ثم ان الليثي عرض الامر على محمد رئيس الشرطة، فتولى هذا الاخير محاولة اقناع ايليا بالحسنى والمواعيد ان يرفض المسيح. ولما وجد ايليا صامدًا لا يلين، أخبر الخليفة المهدي فأمر بإنزال عقوبة الموت بايليا. ففي اول ايام شهر شباط قطع رأس ايليا، وعلق جسده على صليب في بستان خارج ابواب المدينة، وأقيم حراس لئلا يأتي المسيحيون وياخذوا الجثمان. بقي الجسد معلقًا اربعة عشر يومًا، بعد ذلك امر الوالي بان يُحرق الجسد لئلا يأخذه المسيحيون ويبنوا كنائس على اسمه. تعيّد له الكنيسة في الاول من شباط.