«الجنون فنون.. والسرقة أيضا»، بيد أن الأخيرة تقف دائما على حافة
الخطر والهاوية.. فلم يعد يضحكنا أن لصا سرق حافظة نقود أحدهم وقفز من
الباص فقفز وراءه، وظل يلهث جريا حتى سبق اللص.. هذه النكتة وغيرها لم تعد
تعبر عن واقع الحال، ففي مصر ومع تفاقم الانفلات الأمني في أعقاب ثورة «25
يناير» كان لافتا تفشي نوعيات مختلفة من جرائم السرقة والبلطجة، من أهمها
سرقة السيارات التي بلغ عددها 13 ألف سيارة خلال 6 أشهر بحسب مصادر أمنية،
في حوادث لا يخلو بعضها من مفارقات غريبة. زيادة عدد السيارات المسروقة
وتجاوزها ما كانت عليه قبل الثورة، وإشارة شركات التأمين إلى أن المعدل قد
ارتفع ليصل إلى 5 أضعاف الحالات التي كانت تحدث من قبل، تضعان أصحاب
السيارات أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، فهم يضربون «أخماسا في أسداس» بعد
أن سُرقت سياراتهم بطرق غير تقليدية لم تخطر على بالهم. من بين هذه
الحوادث غير التقليدية ما شهده شارع هدى شعراوي في وسط القاهرة، عندما
سُرقت سيارة أحد المواطنين أثناء ذهابه إلى العمل؛ فقد تعود أن يترك مفتاح
السيارة بداخلها ليقوم السايس (منادي السيارات) بإيجاد مكان لها حتى ينتهي
من عمله، وفي هذا اليوم وبمجرد نزوله من السيارة باحثا عن السايس، فوجئ
بأحد المارة يقفز إلى السيارة ويقودها مختفيا بها في شوارع القاهرة، وبها
جميع الأوراق الخاصة به وبالسيارة، بعدها بساعات وجد صاحب السيارة من يتصل
به على هاتفه، عارضا عليه أن يدفع مبلغا من المال نظير استرداد سيارته، لكن
الرجل رفض الأمر لخوفه أن يسرق المبلغ فيلحق بالسيارة التي ذهبت منه ولن
تعود.
وفي حادثة أخرى، شهدتها محافظة بورسعيد، إحدى محافظات قناة السويس،
سرقت سيارة ماركة «كيا سيراتو» من أحد المحامين أثناء ذهابه لمقر استراحة
وكلاء النيابة، المكان يبدو أنه آخر مكان يمكن أن تسرق فيه السيارات، لكن
ما حدث كان مفاجأة اكتشفها المحامي بعد خروجه؛ فقد قام اللص بفتح السيارة
دون أن يعمل جهاز الإنذار المزودة به، وسرقها وذهب دون أن يشعر به أحد.
المفارقة ليست في مكان السرقة، لكنها تتمثل في الكيفية التي عادت بها
السيارة لصاحبها مرة أخرى، فبعد 6 أشهر من واقعة السرقة توقف اللص في أحد
الكمائن الأمنية الموجودة في القاهرة، على بعد 180 كيلومترا تقريبا من
بورسعيد، ويبدو أنه قد انتابته حالة من الارتباك خوفا من أن يقوم أحد
الضباط الموجودين في الكمين بسؤاله عن أوراق السيارة وبالتالي فضح أمره،
فما كان منه إلا أن تركها في منتصف الطريق وبها مفتاح التشغيل، لتعود
السيارة لصاحبها مرة أخرى، بعد أن ذاق الأمرين في البحث عنها في كل مكان.
وقام بإبلاغ كل الجهات المعنية، وعلى الرغم من وجود الكثير من التلفيات في
السيارة فإنه حمد الله أنها عادت.
في مدينة السويس المجاورة لبورسعيد، تعرَّض الشاب أحمد عادل لسرقة
سيارته، حين كان عائدا إلى منزله ليلا، وهي سيارة حديثة ماركة «ميتسوبيشي
لانسر»، وعلى الرغم من أن الوقت لم يكن متأخرا، فقد كان بعد صلاة العشاء
مباشرة، وجد رجلا مسنا يقف في شارع هادئ خالٍ من المارة ممسكا بيده قطعة من
الورق يؤشر له بيده طالبا منه المساعدة، وعند توقفه وجده يسأل عن عنوان
قريب من المنطقة، وأثناء التفاته محدثا المسن، قام 3 من الرجال بفتح
الأبواب من الجهة الأخرى ليركب أحدهم بجانب صاحب السيارة مهددا إياه بمسدس،
طالبا منه الرحيل من السيارة تاركا كل شيء مكانه، فالتفت صاحب السيارة
للرجل العجوز ليفاجأ أنه معهم؛ حيث جذبه من ملابسه ليخرجه من السيارة
ويأخذها ويذهب بصحبة الباقين.
وحصل اللصوص على «الجمل بما حمل»؛ فقد اعتاد صاحب السيارة أن يترك
حافظة نقوده وهاتفه المحمول داخلها، الأمر الذي جعل صاحب السيارة لا يجد من
يتصل به لينجده أو يجد نقودا يعود بها إلى منزله.
وبعد مضي 3 أسابيع على هذه الحادثة، وجد أحمد من يتصل به على هاتفه
المحمول بعد أن قام بتجديد شريحته، وكان هذا الاتصال من قسم شرطة مدينة
سفاجا، إحدى مدن البحر الأحمر التي تبعد عن السويس نحو 300 كيلومتر، كان
الاتصال يخبره أنهم وجدوا سيارته مع أحد الأشخاص الذين شكوا فيه أثناء عرض
السيارة للبيع بسعر زهيد جدا لا يتناسب مع موديل وسنة صنع السيارة، وكان مع
اللص عقد مسجل لبيع السيارة لكنه مزور بإتقان، بالإضافة لأوراق السيارة
الأصلية، مما أثار ريبة رجال الشرطة فقاموا بالتحفظ على السارق، وبعد تفتيش
السيارة بشكل دقيق وجدوا بها حافظة النقود الخاصة بصاحب السيارة ورقم
هاتفه مدونا في إحدى الأوراق الخاصة بعمله.
ولا يعدم لصوص السيارات حيلة في إخفاء جرائمهم، فإذا تعذر بيع السيارة،
أو استخراج أوراق ثبوتية مزورة تساعدهم على ذلك، فإنهم يقومون بتفكيكها
وبيعها كقطع مستعملة، حتى يتم طمس هويتها، دون اللجوء لإعادة تغيير لونها
أو أي معالم خاصة بها، فقط يتم نقل السيارة إلى أي مكان بعيد، غير معروف،
وهناك من اللصوص والسماسرة من يتعاون في أخذ السيارة وإعادة تفكيكها
وبيعها، في إحدى أسواق «الخردة» المنتشرة في القاهرة، ومعظم المحافظات
المصرية.