صحيفة إسرائيلية : حوارٌ بلا وسيط بين تل أبيب ودمشق .

صحيفة إسرائيلية : حوارٌ بلا وسيط بين تل أبيب ودمشق !
04 ـ 09 ـ 2022
كتب مروان شلالا :
إيلاف من بيروت :
تنجح إسرائيل في تدمير الغالبية العظمى من شحنات الأسلحة الإيرانية في طريقها إلى سوريا ولبنان ، وطالب النظام في دمشق الروس بوقف غارات تل أبيب، لكن الحرب في أوكرانيا أضرت بقدرة موسكو على ممارسة ضغوط فعالة على إسرائيل. وثمة اتصال مباشر بين نظام الأسد والأمن الإسرائيلي. اما طهران فتقوم بإنشاء سلسلة من القواعد البحرية العائمة في البحر الأحمر.
يشير الطلب الروسي من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بإجلاء قواتها من موقعين استراتيجيين في غرب سوريا إلى نجاح الضغط العسكري والسياسي الذي تمارسه إسرائيل لإحباط مؤامرات إيران في سوريا. هذا هو نجاح "الحملة بين الحربين"، التي يديرها الجيش الإسرائيلي والأوساط الاستخباراتية منذ أكثر من ثماني سنوات بهدف إحباط جهود إيران لنقل أسلحة ومواد عالية الجودة وقاتلة إلى سوريا ولبنان.
دبلوماسية عسكرية إسرائيلية :
يقدر مسؤول أمني كبير أن الجيش الإسرائيلي نجح مؤخرًا في تدمير الغالبية العظمى من شحنات الأسلحة، وكذلك المواد والمعدات اللازمة لتصنيع الأسلحة التي يحاول فيلق القدس التابع للحرس الثوري تهريبها إلى سوريا ولبنان برًا أو بحرًا أو جوًا، كما أن وجود إيران ووكلاءها في سوريا في أدنى مستوياته حاليًا بشكل لم يسبق له مثيل. ويُعزى هذا الإنجاز، بحسب "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلي أولاً وقبل كل شيء إلى المعلومات الموثوقة والمفصلة والدقيقة التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فضلاً عن القدرات والخبرات التي اكتسبتها القوات الجوية والبحرية. ومهم أن نلاحظ أنه إضافة إلى ذلك، ينجح الجيش الإسرائيلي في الحفاظ على حرية عملياته في سوريا، والعمل من خلال "الدبلوماسية العسكرية" لمنع التصعيد.
في إسرائيل، تشير التقديرات إلى أن الهجمات على المطارات السورية والمنشآت الصناعية العسكرية ومواقع التخزين الحساسة في سوريا تضر بشكل خطير بهيبة نظام الأسد وقدرته على البقاء وتحقيق الاستقرار السياسي. بما أن الجيش السوري لا يزال يواجه جيوب مقاومة كبيرة في مناطق واسعة من سوريا ولأنه لا يزال أضعف من أن يواجه الجيش الإسرائيلي، لجأ الأسد إلى الروس وطالبهم بالضغط على إسرائيل لوقف الغارات.
يعرف كبار مسؤولي النظام في دمشق أن لروسيا مصلحة إستراتيجية وسياسية واقتصادية في تحقيق الاستقرار في سوريا وتعزيز سيطرة نظام الأسد على معظم أراضي البلاد (يسيطر حاليًا على 70 في المئة فقط من سوريا). لدى الروس أيضًا عصا كبيرة لدعم الضغط على إسرائيل: يمكنهم تهديد حرية إسرائيل في العمل الجوي والصاروخي في المجال الجوي السوري من خلال تفعيل بطاريات الدفاع الجوي المتطورة (S-300 و S-400) التي وضعوها في بلد. في خلفية الطلب السوري، كان هناك تهديد ضمني بأن دمشق قد تحرم الروس، في حالة يأس، من الشرعية الرسمية لبقائهم في سوريا إذا كانوا غير قادرين على حمايتها من إسرائيل.
تراجع مكانة روسيا :
لكن الأسد لم يأخذ في الاعتبار تأكل الموقع العسكري الفعلي لروسيا وقدراتها في سوريا بسبب الحرب الفاشلة في أوكرانيا. يشعر قادة القوة الروسية في قاعدة حميميم (القاعدة الروسية الرئيسية في سوريا) بالغضب اليوم من الهجمات الإسرائيلية في سوريا كما كان قبل سبعة أشهر. لكنهم يعلمون أن روسيا لا تستطيع اليوم تحمل الانخراط في جبهة قتال أخرى ليست في الحقيقة في صميم مصالح الكرملين. لذلك، فإن القوة الجوية الروسية في سوريا هي أيضًا مخففة قليلاً من حيث الجودة والكم. كما أعيدت قاذفات وصواريخ بطارية S-300 إلى روسيا - ربما لصالح المجهود الحربي في أوكرانيا.
بصرف النظر عن ذلك، يعرف بوتين جيدًا أن ليس سهلًا كسر إسرائيل، ويعرف أنها قد ترد بقوة عندما يتعرض أمنها وأمن مواطنيها للتهديد. لذلك، اكتفى الكرملين بضغوط دبلوماسية علنية على إسرائيل من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، وأدانوا الهجمات الإسرائيلية في سوريا وطالبوا بوقفها، بقذائف صاروخية وقنابل أسقطتها الطائرات الإسرائيلية. لكن على أرض الواقع، بقيت الأمور على حالها. فقد استمر التنسيق العسكري الروسي الإسرائيلي من خلال مركز "منع الصراع"، حتى مع فتور العلاقات مع الكرملين بشدة، عندما أدان رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس الغزو الروسي لأوكرانيا.
مسلحون يتدربون في الجولان السوري :
عندما أدرك الأسد أن لا خلاص له من الدمار، قرر التصرف في القناة الوحيدة المتبقية له لتخليص نفسه من الصورة والزاوية السياسية التي سقط فيها بسبب الهجمات الإسرائيلية المتزايدة على بلاده. التفت إلى الإيرانيين، وطالبهم بحسب منشورات أجنبية بعدم مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية، لعدم إعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة سوريا.
بحسب المنشورات، قُدِّم الطلب إلى إيران قبل ثلاث سنوات - ويبدو أن الإيرانيين قبلوه باعتباره مطلبًا مشروعًا. وهذا هو السبب الذي أدى، على الأقل في العامين الماضيين، إلى الانخفاض الكبير في وجود المليشيات الشيعية وعناصر حزب الله قرب السياج الحدودي وفي الجولان السوري. لكن مواقع الجيش السوري ما زالت تؤوي أعضاء حزب الله.
إلا أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري لم يوقف مهمته الرئيسية: تسليح حزب الله والميليشيات الموالية له بصواريخ دقيقة وطائرات بدون طيار. إيران تعلم أنه يمكن للصواريخ الدقيقة أن "تربك" أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وتضعف فاعليتها. إن اختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي بمئات أو آلاف الصواريخ والطائرات بدون طيار التي ستضرب بدقة المنشآت العسكرية والمدنية الاستراتيجية والمناطق السكنية المكتظة بالسكان قد يتسبب في دمار وإصابات في مقياس لم تختبره إسرائيل من قبل. لذلك لم يتوقف الإيرانيون لحظة عن محاولاتهم لتهريب الصواريخ الدقيقة والصواريخ إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان. كما يقومون بتهريب مثل هذه "الأدوات الدقيقة" للتجميع على صواريخ "غبية" يمتلكها حزب الله في لبنان، وكذلك وسائل إنتاج مثل هذه الصواريخ إلى ورش العمل في لبنان والمنشآت الصناعية العسكرية في سوريا. وتتم عمليات التهريب هذه بالطريق البري عبر العراق، ومن الجو إلى المطارات في سوريا، ومن طريق البحر إلى الموانئ الساحلية في سوريا.
نقطة تحول :
متوقع أن تمر الأنشطة البحرية للإيرانيين بتحول قريبًا إذا أثمرت خطة إيران إنشاء قواعد بحرية عائمة قبالة سواحل شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر. من المفترض أن تكون القواعد العائمة عبارة عن سفن مدنية تم تكييفها لأنشطة الهجوم الاستخباري والعسكري. وبحسب تقارير دولية، سبق لإسرائيل أن هاجمت سفينة "سابيز" التي كانت متمركزة في البحر الأحمر رداً على هجوم استهدف سفينة تجارية مملوكة لإسرائيل. لكن يبدو أن الخطة الإيرانية أكثر طموحًا. محتمل أن تكون الخطة هي وضع السفن المزودة بالرادارات وغيرها من وسائل جمع المعلومات الاستخبارية القوية، وتجهيزها أيضًا بطائرات من دون طيار وصواريخ هجومية. هذا ليس تحديًا مستقبليًا سهلاً للبحرية وحدها والتي تتمثل مهمتها في الحفاظ على حرية ملاحة السفن الإسرائيلية، ولكن أيضًا للسعودية ودول الخليج العربي الأخرى.
التحدي الفوري أمام جيش الدفاع الإسرائيلي هو تهريب الأسلحة ومعدات إنتاج الصواريخ الدقيقة. نجاح الجيش الإسرائيلي في اعتراض غالبية هذه "الشحنات" هو سبب عدم امتلاك حزب الله آلاف الصواريخ الدقيقة. وهكذا بدأ الإيرانيون مؤخرًا في نقل هذه الشحنات بطائرات مدنية إلى مطارات مدنية وتخزينها في معسكرات ومنشآت تخزين للجيش السوري، محمية ببطاريات صواريخ أرض - جو سورية تخضع لإشراف روسي. يعلم الإيرانيون أن أي هجوم على معسكر أو منطقة عسكرية سورية محمية بالدفاع الجوي الروسي يضر بشدة بمكانة روسيا ويجبر الأسد على الضغط عليها.
حوار مباشر مع دمشق :
لإحباط هذا النمط من النشاط الإيراني، يعمل الجيش الإسرائيلي من خلال قناتين: في "القناة الحركية" (بحسب تقارير مختلفة)، يقوم الجيش الإسرائيلي باعتراض طريق الضربات الجوية والبرية عند وصول الشحنات إلى المطارات المدنية السورية. في هذه الهجمات، تضررت أيضًا طرق المطارات ومنشآت الطيران المدني الحيوية، وربما حتى عن قصد (إضافة إلى الطائرات والبضائع الخطرة التي ترسلها طهران).
النتيجة هي تعطيل مطار مدني دولي - وهذا يضر بشكل خطير بهيبة النظام السوري. ومرجح أن يكون الضرر الذي يلحق بعمل المطارات المدنية إشارةً حركية موجهة بشكل أساسي إلى النظام السوري وكذلك الروس. معنى هذه الرسالة: مطالبة بشار الأسد برصد ومعرفة ما يأتي به الإيرانيون إلى بلاده والمطالبة بوقفه. وإلا فلن يكون أمام إسرائيل خيار سوى العمل لحماية أمنها وأمن مواطنيها.
لكن إسرائيل، بحسب تقارير أجنبية، غير راضية عن مجرد "تلميحات حركية". مع عمليات الردع والعقاب، وفقًا لمصادر مختلفة، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بنوع من الحوار المباشر، ليس فقط مع الروس في سوريا ولكن أيضًا مع النظام في دمشق: على هذه القناة، يوضح الإسرائيليون الأمر لقادة نظام الأسد (وبشكل منفصل أيضًا لقادة القوات الروسية في سوريا) أن إسرائيل تحاول عدم إلحاق الأذى بالمدنيين والمنشآت المدنية ولا تريد إلحاق الأذى بالعسكريين السوريين، بل بأفراد الحرس الثوري وأعضاء حزب الله سواء حاولوا الهبوط في مطار مدني دولي في حلب أو دمشق، أو تم إيواؤهم في معسكر عسكري أو بؤرة استيطانية سورية بالقرب من القوات الروسية. تم تسليمها إلى السوريين مباشرة.
رسالة إلى الروس :
أحيانًا أيضًا، بعد وقت قصير من الهجوم، تم إيصال رسالة مماثلة إلى الروس مع إضافة واحدة وهي أن الروس سيحصلون على تحذير ووقت لنقل جنودهم إلى مكان آمن إذا هاجم جيش الدفاع الإسرائيلي بالقرب منهم؛ لا يتمتع السوريون بامتياز مماثل.
في ظل هذا الوضع، عندما لا يتوقف الإيرانيون عن محاولة انتهاك قواعد السلوك الدولي ويواصلون محاولة تهريب الأسلحة تحت حماية المدنيين، ولا تتوانى إسرائيل عن إحباط ومعاقبة النظام السوري، فإن ولا خيار أمام الروس سوى مطالبة الإيرانيين بـ "التفضل" بإخلاء عناصر الميليشيات الموالية لهم من منشآت ومعسكرات الجيش السوري، التي يعرض وجودها تلك المعسكرات والمنشآت للهجوم الإسرائيلي.
بالمناسبة، هكذا يحاول الروس إنقاذ مكانتهم، فضلاً عن سمعة أنظمة دفاعهم الجوي، التي تنخر في كل مرة يوجه فيها الجيش الإسرائيلي ضربة مدمرة للنشاط الإيراني في سوريا.
المصدر / موقع أيلاف للأخبار .