هل أنتم مستعدون لما سيأتي عليكم؟ لا أحد يعلم!
يبدو أن المنطقة ستشهد نظامًا إقليميًا جديدًا سيُولد خلال الفترة القادمة. ليس بالضرورة أن تُمحَى دولٌ بعينها كما بشَّر بذلك هنري كيسنجر بعد دعواته لمقايضة النفط بالقمح، إلاَّ أن الأمور قد تكون أقرب إلى ذلك. التغييرات ستطال دولاً عدة في المنطقة، والسبب في ذلك أحداث الثورات العربية والحركات الشعبية في تونس ومصر واليمن وليبيا وغيرها، فالتغيير «قد يُدار أو قد يُفرض» كما قال الأميركيون لبعض الحكومات العربية. ثم إن ذلك التغيير سيمتد هو الآخر إلى الملف الفلسطيني، وتقاسم النفوذ بين دول محورية بينها تركيا وإيران ومصر.
لنرصد الأمور بدقة كما تجري بالضبط في المنطقة. انهار نظام الحكم في تونس فظهَرَت فيها ديمقراطية أحرجت كل الجمهوريات «الممالكيَّة» المجاورة، وتبدَّلت علاقات «تونس بن علي» الخارجية. زادَ النفوذ القطري فيها بقوة على حساب دول أخرى، وظهر الجزائريون والمغاربة والموريتانيون على أنهم جيران لتونس ولكن بشكل مختلف، لا تحكمه النظرة السياسية المحافظة السابقة، ليس آخرها تصريحات المسئولين التونسيين بشأن التعديلات الدستورية في المغرب، وأيضًا موقفهم من الثورة الليبية، ومُجمل الحراك السياسي العربي الذي اجتاح المنطقة. لقد أصبح الشمال الإفريقي ذا نكهة سياسية مختلفة بعد انهيار ثلاثة أنظمة.
في مصر تغيَّر النظام بعد 11 فبراير/ شباط 2011، فخسرت دول الاعتدال ظهيرها الأول. وبدا أن مِصر تريد سياسة أكثر تحررًا واستقلالية وحضورًا ونِدِّية عما كانت عليه إبَّان حقبة المحاور، وخصوصًا مع تل أبيب. افتتِحَ معبر رفح، وخطَت المصالحة الفلسطينية الفلسطينية بين حماس وفتح خطوات سريعة، وبدا الحديث صريحًا وجريئًا عن تعديلات قد تجرَى على اتفاقية كامب ديفيد. كما انفتحت القاهرة على طهران بشكل علني، ليس آخرها تصريحات مندوب مصر لدى منظمة الأمم المتحدة ماجد عبدالفتاح الذي دعا إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين طهران والقاهرة، معتبرًا أن «تحسين العلاقات بين بلاده وإيران يخدم مصلحة شعبي البلدين والمنطقة». كما زارَت وفود مصرية وإيرانية برلمانية البلدين كرسائل حسن نية.
مجلس التعاون الخليجي سيشهد هو الآخر تغييرات كبيرة. فقد أعلنت الأمانة العامة فيه أن المجلس سيضم إلى عضويته كلاً من الأردن والمغرب، محاولة منه لضم الأنظمة الملكية في حلف إقليمي متماثل في شكل نظامه السياسي. وهو ما يعني عدة أمور بالنسبة لانضمام الأردن بداية. الأول: أن دول المجلس الست ستكون متاخمة لجنوب غرب آسيا في الجزء الجنوبي لبلاد الشام، وبالتالي مجاورة مباشرة لـ «إسرائيل»، التي يجب أن تتعامل معها دول الخليج بطريقة مختلفة، وخصوصًا أن الأردن لديه اتفاقية سلام مع تل أبيب منذ يوليو/ تموز 1994.
وفي الجنبة الأخرى، ستكون دول الخليج ملاصقة للعراق بحدود جديدة (غير الحدود السعودية والكويتية مع العراق) عبر الأردن تصل إلى 190 كم، وبالتالي اكتمال دائرة المصب البشري الرئيسي في العراق من الوسط والجنوب، ومجاورة كتلة بشرية «عراقية». كما ستكون دول المجلس قريبة من لبنان (عبر سورية بالتأكيد) الذي يمتلك فيه حزب الله حضورًا فاقعًا على المستويين السياسي والأمني، ولديه امتداد استراتيجي باتجاه الشام، حيث تحكم هناك الطائفة العلويّة منذ 40 عامًا، وكذلك باتجاه العراق.
الثاني: أن دول الخليج الست ستستقبل كتلة بشَرية إضافية قوامها ستة ملايين ونصف المليون أردني، من ضمنهم دروز وبهائيون وتركمان وشَركَسْ وأرمن وهم الذين بينهم وبين تركيا حساسيات تاريخية ومُطالبات مالية وجغرافية منذ أبريل من العام 1915 عندما تمت إبادة مليون ونصف المليون أرمني على يد العثمانيين. كما أن هناك 6 في المئة من المسيحيين و500 ألف لاجئ عراقي يعيشون في الأردن، بعضهم من البعثيين الذين بينهم وبين الكويت خصومة تاريخية، وبالتالي لا يُعلَم كيف سيتصرَّف الأشقاء في الكويت مع هذا الملف الحساس جداً بالنسبة لهم. ليبقى السؤال: هل سيتأثر النسيج الاجتماعي لشعوب الخليج جراء ذلك أم لا؟ أو بصورة أدق: هل سيتحمّل النسيج الخليجي ذلك الموزاييك الاجتماعي الجديد؟ وبأي اتجاه سيسير أمنه القومي، المرتبط أصلاً بالتعقيدات الاجتماعية؟
أما انضمام المغرب، فهذا يعني أن دول الخليج ستكون متاخمِة لأقصى غربي شمال إفريقيا، وبالتالي مع متطلبات الشراكة المغاربية الأوروبية ومتطلبات الحداثة. أضِف إلى ذلك، بقاء التساؤلات مفتوحة: هل ستسوء علاقات دول الخليج الست بالاتحاد الإفريقي الذي رَفَضَ منذ العام 1984 الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟ ثم هل ستتدهور علاقات دول الخليج الست الحالية بالجزائر التي يدَّعي المغرب أنها تدعم جبهة البوليساريو، الغريم التاريخي للرباط، وتغلق حدودها معه منذ عقد من الزمان تقريبًا بسبب مشاكل حدودية بسبب أراضي تندوف، وما خلفته حرب الرمال بين الجانبين من مشاكل؟ ثم هل ستتدهور علاقات دول الخليج الست أيضًا بإسبانيا التي بينها وبين المغرب خلافات غائرة بسبب احتلال مدريد لمدينتي سبتة ومليلية المغربيتين؟ هذه أسئلة مشروعة وخطيرة في الوقت نفسه.
وفي الجانب الآخر وفيما خصّ المغرب، على دول الخليج أن تتلقى كتلة بشرية إضافية أخرى أيضًا تقدر بـ 35 مليون مغربي، فالمغرب هو رابع بلد عربي اكتظاظًا بالسكان بعد مصر والجزائر والسودان، بينهم يهود ومسيحيون وحرَّاطون وغناوة. والأكثر إرباكًا، هو أن يكون الخليج العربي مهيئًا لقبول نسيج لغوي جديد على دوله، وهو الثقافة واللغة الأمازيغية التي هي جزء مهم من المغرب. ليس ذلك فحسب، وإنما اللغة الأمازيغية تتوزع على تسع دول إفريقية (بالإضافة إلى المغرب) وهي تونس، موريتانيا، الجزائر، ليبيا، أقصى الغرب المصري، شمال مالي، شمال النيجر وشمال بوركينا فاسو، وهو امتداد شبه قاري، وأيضًا ذو تنوّع لغوي وثقافي مختلف تمامًا مع الخليج. (للحديث صلة)