دبلوماسي عربي لـ"اللواء": "الفيتو الروسي" يستدرج استعادة للنموذج اليوغسلافي في سوريا!
كتبت رلى موفق في صحيفة "اللواء": حين تسأل دبلوماسي عربي عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه النظام السوري عندما يشعر بأن الطوق عليه بات محكماً، يحيلك إلى التقرير الذي تمّ تسريبه عن لقاء الأسد - أوغلو الأخير، والذي حدّد فيه الرئيس السوري "بنك الأهداف الإقليمية"، والخطة التي سيستخدمها إذا وقعت المواجهة معه.
في ذلك التقرير الذي سرّبته وكالة أنباء عراقية، ونقلته عنها وكالة "فارس" الإيرانية، يُحدّد الأسد ساعات ست لإشعال منطقة الشرق الأوسط: "إطلاق صواريخ من الجولان ضد إسرائيل، فتح "حزب الله" جبهة الجنوب، ضرب إيران بوارج أميركية في مياه الخليج، إشعال حرائق قرب حقول نفطية خليجية، إغلاق مضائق مائية وتحوّل شيعة الخليج إلى فدائيين انتحاريين وقنابل بشرية ضد الأميركيين والأوروبيين، وفي طائرات شرق أوسطية".
تلك الخطة الحربية تحاكي الخيال من دون شك وتخال أنك من خلالها ستحضر نسخة عربية من سلسلة أفلام "المبيد" The Terminator مع فارق أن بطلها هذه المرّة هو الرئيس السوري بشار الأسد وليس الممثل الأميركي آرنولد شوارزنيغر، المنتمي إلى الحزب الجمهوري وحاكم ولاية كاليفورنيا السابق. لكنها خطة تدل على العزم الانتحاري للنظام السوري عند دنو الساعة.
غير أن سوريا، التي بنت استراتيجيتها منذ عقود على جمع أكبر قدر من الأوراق في يدها، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي، جعلتها لاعباً في المعادلة الإقليمية، ولو من البوابة السلبية، وهي في هذا الإطار لا تزال، رغم تراجع دورها، قادرة على تحريك بعض الأوراق، وخلق قلاقل في غير منطقة مع حليفها الإيراني، لكنها غير قادرة، في رأي الدبلوماسي العربي، على تغيير المعادلات وقلب موازين القوى، وإن كان بإمكانها وإيران القيام بإرباكات سواء في المناطق الحدودية لها أو في بعض دول الخليج، مدرجاً أحداث "القطيف" الأخيرة في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في إطار الرسالة - النموذج للاضطرابات التي يمكن أن تشهدها دول الخليج الواقفة على فالق الهزّات المذهبية.
وبعيداً عن نفي تركيا، عبر وكالة الأناضول، التهديدات السورية بإشعال الشرق الأوسط واستهداف إسرائيل، فإن رهان النظام السوري على إطالة أمد إمكانات مواجهة الضغوطات الخارجية يرتبط بمدى استمرار تماسك الجبهة السياسية الدولية المؤيدة لدمشق، وفي مقدمها روسيا التي أسقطت والصين قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة النظام السوري ضد شعبه• وهو رهان يستند في جانب من حيثياته على مخاوف روسية من أن يؤدي نجاح الحركات الإسلامية في الانتفاضات العربية إلى محاكاة الحركات الإسلامية في جمهوريات القوقاز، التي تُشكل تحد دائم لروسيا.
وتذهب شخصية سياسية - فكرية التقت أخيراً السفير الروسي في لبنان، بناء على طلب نائب وزير الخارجية ميخائيل بغدانوف الذي خدم سابقاً في بيروت ودمشق، للاستماع إلى وجهة نظره مما يجري في سوريا ومستقبل نظام الأسد ووضع المعارضة السورية، إلى الإشارة أن منطلقات النقاش مع الدبلوماسي الروسي خيّمت عليها تلك الرؤية، بحيث أن المعلومات التي ترد بشكل مستمر إلى الدوائر الدبلوماسية الروسية تُفيد بأن ما يجري في سوريا يتسم في بعد أساسي منه بمواجهة بين النظام وقوى متطرفة إسلامية، الأمر الذي قد يؤدي، في حال سقوط النظام، إلى سيطرة هذه القوى التي عادت إلى المشهد السياسي بقوة، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، مستندة إلى الرافعة التي تشكلها تركيا مع وجود حزب "العدالة والتنمية" في السلطة.
ورغم القراءة المختلفة التي قدّمتها هذه الشخصية جرّاء تجربتها الطويلة في ربوع الماركسية، وتماسها مع مفكري الثورات العربية، فإنها خرجت بانطباع أن موسكو لا تتصرف بعقلية الدولة المنتمية إلى مصاف الدول العظمى، وتتحكم بها أزمة التعامل مع القوميات المتعددة في الاتحاد الروسي، والتي ارتفع لديها منسوب الانتماء القومي مع انهيار الاتحاد السوفياتي• وقد حمل التقييم المُرسل إلى نائب وزير الخارجية قراءة عن معادلة جديدة بدأت تطرأ على فكر الإسلام السياسي، وليست تركيا اليوم سوى النموذج الجديد لهذة المعادلة، حيث يتعايش الإسلام السياسي في دولة مدنية علمانية، وأن الخوف من التطرف ليس إلا أوهام، إذ أن الجيل الجديد يحمل رؤى مختلفة في نظرته إلى الدولة مع تأكيد مفكري وقادة الجيل الجديد أن الإسلام هم أحد مصادر التشريع وليس المصدر الوحيد، وأن هناك انفتاحاً قد حصل على تطورات العصر لا يمكن أن تكون هذه الشريحة خارجه.
غير أن الضيف اللبناني في حضرة الدبلوماسي الروسي سمع ترداداً لصدى التقارير الروسية الآتية من دمشق بأن الأسد باق، وأن الجيش لا يزال متماسكاً، فكان أن تمّ طرح تساؤلات عما إذا كانت الحسابات الروسية تأخذ في الاعتبار إمكان تهاوي نظام الأسد، أو تنطلق في وساطتها من أن النظام الحالي لم يعد قابلاً للحياة.
وفي رأي مطّلعين على الرؤية الروسية، أن موقف موسكو في مجلس الأمن الرافض للتدخل في حل النزاعات الداخلية والدافع إلى تشجيع الحوار سبيلاً للحل، ليس منبعه حماية النظام السوري بل قناعة بأن روسيا لن تنجو في المستقبل، يوم تحاكي نجاحات الانتفاضات العربية والحركات الإسلامية فيها أحلام القوميات في بلادها• وهي ستسعى بقوة إلى إبعاد هذا الكأس عنها.
إلا أن تعطيل روسيا قرار مجلس الأمن وإغلاق الباب أمام العمل الدولي المشترك، بدأ يطرح تساؤلات لدى دوائر متابعة عما إذا كان يستدرج تدخلاً أطلسياً من خارج الإجماع الدولي في استعادة للمشهد اليوغوسلافي في حرب كوسوفو؟! إنها تساؤلات تُصبح مبررة أكثر في رأي الدبلوماسي العربي إذا نجحت ليبيا في وضع نهاية سريعة لمعمر القذافي، الأمر الذي يُكلل المهمة الدولية والحلف الأطلسي بالنجاح التام، ليفتح الطريق أمام مهمات جديدة.