للمرة الاولى منذ اندلاع الانتفاضة في سوريا ظهر نائب ووزير لبناني سابق وسياسي دائم وحليف لـ"سوريا الاسد" باسماً ومرتاحاً ومُنَكِّتاً واحياناً ضاحكاً على احدى شاشات التلفزة اللبنانية. فاجأ ذلك اخصامه واصدقاءه في آن واحد لأنه مرّ بمرحلة من "التعصيب" والتوتر بدأت عام 2005 وتصاعدت مع "استهداف" اميركا له وبلغت الذروة في 25 آذار الماضي. وفي المرحلة المذكورة كان دائماً عابساً ويغضب في سرعة بل ينفعل، الامر الذي اثّر احياناً كثيرة على صدقية "معلوماته"، وعلى الحلقات الحوارية التي كان يشارك فيها، فضلاً عن مقدميها الذين كان يحرجهم احياناً "انفلات" اعصابه. دفع الاسترخاء المذكور اعلاه الاخصام والاصدقاء الى محاولة استجلاء دوافعه، ذلك انهم يعرفون تماماً ان استرخاءه لم يكن مصطنعاً لأنه لا يعرف ان يتصنّعه مثلما لا يعرف ان يتصنّع الغضب. وبعد شيء من الاستقصاء توصلوا الى اقتناع بأن ما يمتلك من معطيات ربما يشير الى ان الازمة الخطيرة الاولى التي يواجهها النظام السوري، "حليفه"، والتي تهدّد استمراره قد تصبح من الماضي بعد نجاح قواته الامنية والعسكرية في ضرب المنتفضين الذين سماهم جماعات تخريبية مسلّحة، وبعد نجاحه في إقناع غالبية الشعب السوري بعدم الانضمام الى هؤلاء، الأمر الذي ابقى تظاهراتهم محدودة وإن متنوعة الجغرافيا.
وللمرة الاولى منذ شهور عدة يقول الذين يقابلون الرئيس السوري بشار الاسد شخصياً او مساعديه الكبار انهم وجدوه مرتاحاً. فـ"القطوع" الكبير قد تم اجتيازه في رأيه امنياً وعسكرياً في الداخل، وسياسياً من خلال الاستمرار في الخطوات الاصلاحية وإن تدريجاً. فضلاً عن أن الوضع الخارجي للنظام الذي يقود حافَظَ على قوته أو ازداد قوة. وقد تجلّى ذلك بداية في استمرار دعم ايران الاسلامية له، وفي تحوّل العراق داعماً له ايضاً ومعه لبنان "الحاكم". كما تجلّى في استمرار تأييد دول كبرى له مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، او بالأحرى في تفهمها له. ولعل اكبر تجلٍّ لاستمرار النظام السوري قوياً او ربما لازدياد قوته كان قبل يومين، عندما مارست روسيا والصين حق النقض اي "الفيتو" في مجلس الامن ضد قرار يتعرض له رغم إقدام مقدِّميه على تخفيف لهجته ومطالبه. وهو موقف فاجأهم كثيراً لأنهم كانوا وحتى قبل ساعات من التصويت يظنون ان الدولتين المذكورتين ستنضمان الى "الركب".
هل هناك دوافع اخرى لارتياح النظام السوري ومعه "الحلفاء" اللبنانيين؟
يجيب قريبون من دمشق ومتّصلون بدوائر السلطة المُقرِّرة فيها بالاشارة الى دافع مهم بدأت ملامحه تتكوّن منذ مدة وقد يكون صار قريباً من التبلور وربما من التجسُّد.
الدافع هو بروز مؤشرات تفيد ان الموقف العربي المتضامن بغالبيته ضد نظام الاسد ومع المنتفضين عليه ربما بدأ يشهد نوعاً من التصدُّع. او بالأحرى بدأ اصحابه يعيدون حساباتهم، ويعيدون تقويم الاوضاع الراهنة في المنطقة، ونتائج تطورها السلبي الماثل للعيان عليهم وعلى بلدانهم بل على المنطقة كلها. وكي لا يبقى الكلام عمومياً، يقول هؤلاء ان المملكة العربية السعودية التي اعلنت رسمياً موقفها السلبي من الاسد ونظامه بعد خمسة اشهر من بدء الانتفاضة عليه، اعتبرتها فرصة له للامساك بالوضع بالامن والاصلاح، يقولون انها في مرحلة قراءة جديدة، وقد تكون على اهبة موقف سياسي جديد. ويقولون ايضاً ان مصر، ورغم انشغالها بثورتها التي لم تنته فصولاً بعد، قد تكون دخلت مرحلة مماثلة. ويقولون ثالثاً ان فكرة إحياء الثالوث "السوري - السعودي – المصري" الذي كان "مفيدا" للعرب وقضاياهم وانظمتهم في العقود الماضية قد تترجم عملياً في وقت ما. ويقولون رابعاً ان ما شهدته السعودية قبل ايام قليلة، وهو كان يقلقها من زمان، من شأنه دفعها اكثر في طريق إعادة القراءة والنظر في الموقف المعلن سابقاً. لكن القريبين انفسهم يقولون في الوقت نفسه ان نجاح هذه الافكار يحتاج الى التزام جدي من الاسد بإصلاح جدي بل الى مباشرة تنفيذه، إذ من دون ذلك لا أمل في احياء "الثالوث" المذكور.
هل كل ذلك جدي او احلام او تمنيات او أوهام؟
القريبون من سوريا انفسهم يؤكدون المراجعة المشار اليها ويتمنون نجاحها، ذلك ان فشلها لن يسقط النظام، القادر على الصمود بجيشه وقواته الامنية والعسكرية و"بعصبيته" وإن توسعت الانتفاضة وتحولت ثورة، لكنه قد يُسقِط سوريا كلها في الفوضى والحرب الاهلية. ويسألون: ايهما افضل؟