مصر، وأقول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير أضافت للأحزاب السياسية حزبا جديدا هو حزب العزل، وهذا غير حزب العدل الذي يمثل جناحا من شباب الثورة ويترأسه الصديق مصطفى النجار، وهنا لا أتحدث عن حزب العدل بل عن حزب العزل. حيث قرر نفر من المصريين الدعوة لعزل أعضاء الحزب الوطني من الحياة السياسية لمدة خمس سنوات، وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم يقر المجلس العسكري الحاكم في مصر بهذا العزل، وظني أنه مجرد كلام؛ لأن الترشح للانتخابات يبدأ بعد يومين أي الأربعاء، فمتى يتم العزل لو كان هذا الكلام جادا بالفعل؟ أنا ضد العزل عموما، لأن في العزل اعترافا بأن الملعب لن يكون مستويا بالنسبة للجميع ولا حتى قواعد اللعبة، ولذا وجب عزل الناس من دخول اللعبة من أولها.
كان مبارك يمارس هذا حرفيا، فيما يخص من عرفوا أيامها بأعضاء التجنيد والأعضاء مزدوجي الجنسية. النقاء في الوطنية وخدمة الوطن كان الشعار المغلف لهذه الادعاءات الكاذبة أيام مبارك. فالمقصود بمزدوجي الجنسية والمتخلفين عن التجنيد الذين لا يحق لهم دخول البرلمان كان مزدوجي الجنسية المعارضين لنظام مبارك، فقد كان هناك تقريبا 70 في المائة من الوزارة من مزدوجي الجنسية، ولكنهم من الموالاة للرئيس، أما المعارضون فقد فصل لهم القانون تفصيلا. الشيء نفسه ينطبق على من لم يؤدوا الخدمة العسكرية.
النقطة الأساسية أن نظام مبارك كان يمارس العزل السياسي لمعارضيه من الجماعات الإسلامية والإخوان وغيرهم، وها هم جماعة المجلس العسكري أو الثوار يريدون أن يكرروا ذات الممارسات بحجة منع الحزب الوطني وفلوله من السيطرة على المشهد مرة أخرى.
أهم من العزل بالنسبة لنواب الحزب الوطني السابقين، خصوصا أننا نعرف أن العزل قد لا يحدث لأن وقت الانتخابات أزف بعد يومين ولا قانون هناك، الأهم هو مطالبة أعضاء البرلمان (الشعب والشورى) السابقين من الحزب الوطني في فترة مبارك أن يعيدوا إلى الوطن ما استولوا عليه بغير حق من أراضي الدولة ومن الأموال التي تربحوها من مناصبهم إن أرادوا العودة إلى العمل السياسي «على نظافة». لو قبل أعضاء مجلسي الشورى والشعب المصريون إعادة ملايين الأفدنة التي استولوا عليها من أراضي الدولة، فيجب ألا يطبق عليهم العزل السياسي. مهم أن نعرف أن غالبية أعضاء مجلسي الشورى والشعب قد حصل كل منهم على ما يتراوح من مائة إلى مائتي فدان من الأراضي المستصلحة وأراضي الدولة بأسعار رمزية، والمطلوب الآن هو استعادة أراضي الدولة وهو أمر أهم من العزل من وجهة نظري.
قضية العزل قضية شائكة ستسمح لراكبي الموجة أن يدخلوا المجتمع في منحى خطر، وقد ظهرت في قنا، تلك المحافظة الجنوبية التي أنتمي إليها، بوادر خطر استخدام حديث العزل لجعل الصعيد قاعدة انطلاق للثورة المضادة. وقد حذرت من ذلك منذ أكثر من شهر عندما قلت إن حركة المحافظين الجدد التي أقرها المجلس العسكري ستجعل من الصعيد معقلا لفلول الوطني والثورة المضادة، وقد كان؛ فقد عقد بالأمس في مدينة نجع حمادي التابعة لقنا مؤتمر لحزب الحرية بقيادة المهندس معتز محمد محمود يهدد بعزل الصعيد وقطع السكك الحديدية إذا ما تم عزل نواب الوطني من الحياة السياسية.
رجل أعمال بهذا الحجم في مجتمع الصعيد القبلي يستطيع أن يفعل الكثير، يستطيع بالفعل أن يشعلها نارا في الصعيد، اتساقا مع التهديد الذي جاء عنوانا لندوة حزبه في نجع حمادي إلى الشمال من مدينة قنا، حيث كان عنوان الندوة أو المؤتمر «اتقوا شر الصعيد إذا غضب». بكل تأكيد معتز محمد محمود ليس الصعيد، والصعيد أكبر منه مائة مرة، ولكن أمواله تستطيع أن تشعل الصعيد، العزل في هذه الحالة غير مفيد، ولكن ضبط قواعد اللعبة وقوانين الانتخابات هو الأساس، واستعادة أموال الدولة وأراضي الدولة من محاسيب الوطني هو المهم. سحب الأدوات والفلوس من الفلول هو الحل وليس العزل.
فكرة العزل ورغبة الناس في العزل، أي عزل، رسالة خطيرة مفادها أن الناس لا تنتوي أن تمارس اللعبة بشفافية، وحسب قوانين العزل فإنه من المطلوب أن يخرج البعض من الحلبة لأننا نريد أناسا بعينهم أن يفوزوا بالجولة. إذا ما أضفنا عزل الوطني إلى عزل المتخلفين عن التجنيد إلى عزل مزدوجي الجنسية الذين يصل عددهم إلى مليونين ونصف المليون حسب آخر إحصاء، فمعنى ذلك أننا عزلنا أكثر من ثلث المجتمع المصري أو ربما نصفه من الترشح للانتخابات، فأي تغيير يا ترى قد يحدث لو انتصر حزب العزل؟